رحل صقر من صقور البيت الأبيض، السياسي الأمريكي المخضرم وزير الخارجية الأسبق، كولن باول، عن عمر يناهز 84 عاما، إثر معاناته من مضاعفات إصابته بفيروس كورونا المستجد، وفقا لما أعلنته عائلته، اليوم الإثنين، في بيان لها. وقالت العائلة: «توفي الجنرال كولين باول، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ورئيس هيئة الأركان المشتركة (الأسبق)، صباح اليوم، بسبب مضاعفات مرض "كوفيد 19"»، مشيرة إلى أنه «قد تم تطعيمه بالكامل». وبالعودة بالتاريخ قليلا، نجد أن كولن باول هو أول وزير خارجية أمريكي أسود، لعب دورا بارزا مع العديد من الإدارات الجمهورية في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وكان باول جنديا متميزا، وأخذته مسيرته المهنية من الخدمة القتالية في فيتنام إلى أن يصبح أول أسود يتولى منصب مستشار الأمن القومي خلال نهاية رئاسة رونالد ريجان، وأصغر وأول رئيس لهيئة الأركان من أصل أفريقي في عهد الرئيس جورج بوش الأب. وارتفعت شعبية كاولن باول بأمريكا في أعقاب انتصار التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة خلال حرب الخليج، ولفترة في منتصف التسعينيات، كان يعتبر المنافس الرئيسي ليصبح أول رئيس أسود للولايات المتحدة. الغزو الأمريكي للعراق ولكن كل هذا لن يشفع للرجل وستظل سمعته ملطخة إلى الأبد بعدما دفع بصفته وزير خارجية جورج بوش الابن إلى تقديم معلومات استخباراتية خاطئة أمام الأممالمتحدة للدفاع عن حرب العراق «2003»، والتي وصفها فيما بعد ب «وصمة عار» في سجله. وقبيل حرب العراق أو غزو العراق في «2003» التي جاءت تحت مسمى «الحرب على الإرهاب» بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، التي أفقدت الولاياتالمتحدة هيبتها، وقف كولن باول أمام الأممالمتحدة يدافع بحماس عن أدلة قوية تثبت امتلاك العراق لأسلحة نووية، «قامت الحرب ولم يعثر المفتشون على أي أثر للأسلحة». وقبل بدء الحرب على العراق عقدت الحكومتان الأمريكية والبريطانية العزم على إسقاط نظام صدام حسين وتغيير النظام في إحدى أغنى دول العالم بالنفط. الدولتان حشدتا كل جهودهما ولكنهما كانتا تحاولا الحصول على الشرعية للحرب من منظمة الأممالمتحدة والأسرة الدولية وبالتالي الحصول على مساعدة الدول الأخرى في الحرب، لذا لجأت كلا الحكومتين إلى إقناع المجتمع الدولي بأن لديهما أدلة استخباراتية على امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. وشنت الحرب تحت هذه المزاعم لكن الأسلحة لم يتم العثور عليها والأدلة التي قدمتها الحكومة الأمريكية اتضح أنها لم تكن صحيحة. نقطة سوداء في حياة باول ووصف وزير خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية السابق كولن باول، دفاعه عن تقرير بلاده حول عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأممالمتحدة، بأنه «وصمة عار في مسيرته السياسية»، واعتبر أن الأمر «مؤلما له». جاء ذلك في مقابلة له مع قناة «أيه بي سي» التلفزيونية الأمريكية في العام 2005، وكان باول قد قدم كلمة شهيرة حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل أمام الأممالمتحدة في فبراير 2002، استخدم فيها وسائل العرض الحديثة وزعم خلالها أن الولاياتالمتحدة لديها أدلة أكيدة عن وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق. ودافع كولن باول عن قرار حكومته بشن الحرب على العراق، كما عرض باول في تقريره صورا زعم أنها ل مختبرات بيولوجية عراقية رصدتها الأقمار الصناعية. كذب أم جرى تضليله كان كولن باول قد استند على معلومات استخبارية زودتها به أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ويعتقد بعض المحللين، أن باول كان من المعترضين على فكرة الحرب داخل الإدارة الأمريكية وبالتالي فربما أن المخابرات الأمريكية قد خدعته بتزويده بمعلومات مضللة. وقد اتهم باول بعض موظفي وكالة الاستخبارات بأنهم كانوا يعرفون بأن مصادر المعلومات غير موثوق بها «لقد كان هناك أناس في المخابرات حينها يعرفون أن بعض مصادر المعلومات ليست موثوقة، لكنهم لم يقولوا شيئا، لقد دمرني ذلك»، حسب تعبير باول. ونفى باول أن يكون مدير وكالة الاستخبارات السابق جورج تينيت، قد قصد على تضليله، فالأخير كان متأكدا من صحة المعلومات التي اعتمد عليها باول في تقريره، حسب تعبير باول. تزوير أمريكي متعمد وفي 20 مارس 2003، أطلقت الولاياتالمتحدة آخر معاركها الكبرى في العقود الأخيرة، أو ما عرف ب«غزو العراق»، حيث مَلأَ مئات الآلاف من جنود وضباط الجيش الأميركي، مدعومين بقوات دولية، أرض وسماء العراق وليس لديهم جميعا إلا مهمتين واضحتين: إسقاط النظام وصدامه والحصول على أسلحة الدمار الشامل. وكشف واقع الحرب مدى التزوير الذي حدث في التمهيد لغزو العراق، والذي وصِف بأنه أكبر عملية تضليل مارستها أميركا حتى إن قادة أميركا السابقين واللاحقين قالوا إن «هذه الحرب كانت خاطئة»، فبين ثنايا مذكراته التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وجه نقدا شديدا لقادة الحرب، التي وصفها بالحرب «الغبية». محفور بحروف من نار ما بين قرار الحرب وسقوط بغداد، كثير من التفاصيل التي كانت خلف الكواليس لا يزال بعضها طي الكتمان، إلا أن مذكرات قادة الحرب تظل أهم مصدر لتلك الحقبة، وعلى رأسها ما كتبه كولن باول أحد أهم من ساهموا في صناعة قرار الحرب على العراق بخطابه الشهير. وقال باول في مذكراته عن غزو العراق: «الخامس من فبراير 2003 هو يوم محفور في ذاكرتي بحروف من نار مثل يوم ميلادي تمامًا، وسيكون هذا الحدث بعد وفاتي هو الفقرة الأبرز من فقرات نعيي في الصحف». وتابع: «هل هو وصمة عار في سجلك الوظيفي وسيرتك الذاتية؟، هكذا سألتني باربرا وولترز في أول مقابلة رئيسية معها بعد مغادرتي موقعي الرسمي في وزارة الخارجية الأميركية، أجبت: «نعم»، ما تم قد تم، ليس في مقدوري منعه الآن، أو الحيلولة دون منعه في الماضي، فقد انتهى الأمر، وعلي أن أتعايش معه».