الاتحاد الأوروبي يطلق استراتيجية لمنع الشركات الناشئة الناجحة من الانتقال إلى أمريكا    خطة النواب تناقش موازنة وزارة الإسكان    فيديو.. إخراج نائب إسرائيلي من الكنيست بعد اتهامه لنتنياهو بقصف الأطفال وتجويع غزة    وزيرا الأوقاف والشباب يلتقيان أعضاء اتحاد بشبابها    سلوت يرفض تسلم جائزة أفضل مدرب تضامناً مع ضحايا حادث موكب ليفربول    دي بروين يقترب من نابولي بعقد لمدة عامين ومكافأة توقيع 10 ملايين يورو    براءة المخرج محمد سامي من تهمة إهانة الفنانة عفاف شعيب    سيد محمود سلام مديرا لمسابقة الفيلم المصري الروائي الطويل بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    نائب وزير الصحة والسكان تعقد اجتماعا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثالثة للمؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية    الإمارات تستدعي السفير الإسرائيلي وتدين الانتهاكات المشينة والمسيئة في الأقصى    مشاركة مصرية فاعلة في «بوابات التعلم الرقمي» ب«ووهان بالصين»    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    الوزراء يوافق على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات    السبب ميدو| حسين السيد يعتذر عن الإشراف على قطاع الناشئين بالزمالك    وادى دجلة ينظم حفلًا غنائيًا لرامي صبري في طنطا ضمن فعاليات الماراثون الغنائي السنوي    وزير الإنتاج الحربي: نسعى لتوطين التكنولوجيا الحديثة وزيادة المكون المحلي    زيارات ميدانية ل«نساء من ذهب» بالأقصر    وزارة الثقافة تعلن حصاد المرحلة الخامسة من مشروع "مسرح المواجهة والتجوال"    مي عمر: «التقدير اللي بيجي من الجمهور أغلى جائزة»    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    أكلات عيد الأضحى، طريقة عمل الرقاق الناشف في البيت    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    سكاي: هدف برشلونة يخضع للكشف الطبي مع بايرن    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    توقيع بروتوكول تعاون بين التضامن والزراعة لدعم مبادرة "ازرع"    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    افتتاح الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط (صور)    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    خبر في الجول - الجفالي خارج حسابات الزمالك بنهائي كأس مصر    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذى الحجة.. دار الإفتاء تجيب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    مطلب برلماني بوضع حلول جذرية لتحديات تنسيق رياض الأطفال بالمدارس التجريبية    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    متحدث «الصحة»: بعثة مع الحجاج المصريين لتقديم الرعاية الطبية    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    محافظ بنى سويف يستمع لمشاكل واحتياجات أهالى قرية بنى هانئ    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    ماكرون: فرنسا تؤيد حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير العمل يعلن استمرار التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل "الوزارة" و"مديرياتها"    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 ببني سويف الترم الثاني.. رابط وخطوات الاستعلام    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تزاوج بين نوعين من الإنسان.. نظرية الخروج من أفريقيا
نشر في صدى البلد يوم 09 - 04 - 2021

ليس هناك شيء مقدس في العلم، فكل الموضوعات قابلة للبحث والفحص والدرس، وكل شيء قابل للوضع تحت مبضع التشريح، وأهم ما يميز العلم أنه يقبل التخطيء، بل من أهم خصائصه التخطيء، هذا الذي يدفعه دفعا للتقدم والتطور.
ومن أهم الأشياء في العلم أنه قابل للقياس، فأي شيء، وأي موضوع وأية قصة يضعها العلم في المختبر، ويطبق عليها مناهج البحث، ولا يتقيد بنتائج مسبقة، بل ما تؤدي إليه مناهج البحث الصارمة من نتائج هي فقط ما يعترف بها العلم، ونحن هنا نرد على المنتقدين لعنوان مقالنا في الأسبوع الماضي ضمن سلسلة مقالاتنا الأسبوعية لصحيفة صدى البلد والذي جاء نصه: قلت لابنتي: "الباحث الجاد لا يدخل عقيدته معه إلى المعمل". وهو طبعا عنوان صادم لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإن كان التعبير هو تعبير مجازي غرضه ألا تتأثر نتائج الباحث بشيء غير علمي، حتى لو كان نتيجة لفهم ما لعقيدة هذا الباحث أو ذاك.
إن الدين يقدم تصورا كليا للقضايا، وهذا شيء طبيعي، فلقد جاء الدين ليهدئ من روع الإنسان، ويمنحه الأمل في الوجود من ناحية، وبعد الموت من ناحية أخرى، ولهذا فهو لابد مقدِّم إجابات كلية تريح العقل الإنساني الذي لا يهدأ ولا يتوقف عن طرح المزيد من الأسئلة، هذه الأسئلة المتجددة يحاول الدين أيضا أن يجد لها إجابة تتسق مع تلك الإجابات التي قدمها في السابق، وتتسق كذلك مع ما يتم اكتشافه من خلال البحث العلمي الجاد، هذا الاتساق الذي يحاول السير قدر المستطاع بشكل مضطرد، فالعلم كل يوم يكتشف الجديد، ويقدم المزيد من النظريات التي تتعارض بالكلية مع الإجابات المطلقة التي قدمها الدين سابقا، وهنا يحدث الصدام الذي هو في حاجة إلى توفيق، ذلك الذي لن يحدث إلا من خلال التأويل للإجابات الأولى أو لتلك القصص الديني، والتي كانت تتفق مع تلك المعارف البدائية في العصور التي خلت، ولكنها لا يمكن بحال، حال أخذها بحرفيتها، أن تتفق مع الجديد من الاكتشافات ولا مع الحديث من النظريات.
ومن بين تلك النظريات التي هي في حاجة إلى التوفيق ما بينها وبين الدين، نظرية الخروج من أفريقيا، تلك التي تقول أن البشر في كل بقعة من العالم هم من أصل تلك الهجرة للإنسان الأول من أفريقيا عبر باب المندب، والتي كانت نتيجة لارتفاع في درجة الحرارة نتيجة لبراكين وزلازل أدت إلى ارتفاع درجة حرارة التربة في القارة الأفريقية ذلك الذي دفع الإنسان للهجرة إلى آسيا ومنها إلى أوروبا وأستراليا، وبقية مناطق العالم الجغرافية.
ونظرية الخروج من أفريقيا أو كما تُعرف أيضاً "الأصل الأفريقي للإنسان العاقل" هي نظرية أو افتراض في علم تطور الإنسان، وتقوم على أساس أن أصل الإنسان المُعاصر (المعروف بهومو) يعود إلى قارة أفريقيا، وبالتحديد إلى مناطق الساحل الشرقي الإفريقي أو "القرن الإفريقي" والتي تعرف بأنها أثيوبيا والصومال حالياً.
وعلى الرغم من تعرض هذه النظرية لبعض الانتقادات والمعارضة إلا أنها تظل مدعمة ببعض الشواهد التاريخية والجيولوجية التي تدعمها.
ولقد تجدد الخلاف بين العلماء حول تاريخ هجرات البشر عبر العصور بعد ظهور دراسة أجريت على "أسنان بشرية" عمرها نحو 80 ألف عام عثر عليها في كهف بالصين وخلصت إلى أن الإنسان غادر إفريقيا قبل آلاف الأعوام مما كان يعتقد في السابق.
ولقد خلص باحثون في جامعة لندن كولدج ومعهد علم المتحجرات وتطور الإنسان في بكين، بعد فحص مجموعة من 47 من الأسنان من بين مكتشفات أخري، إلى أن الإنسان الحديث هاجر إلى آسيا قبل استعماره لأوروبا. وقد تم اكتشاف الأسنان في كهف جيري في مقاطعة داوكسيان في إقليم هونان، وقد عثر معها على بقايا ضباع وباندا عملاقة وفصائل حيوانية أخرى، وذلك بحسب ما ذكرته الدراسة العلمية التي توصلت لهذه النتيجة.
وأعلن العلماء في نتائج البحث الذي ورد بدورية نيتشر- عن اكتشاف أسنان يرجع عهدها إلى ما بين 80 ألفا و120 ألف سنة يقولون إنها تقدم أقدم أدلة تتعلق بإنسان العصر الحديث خارج القارة الأفريقية. ذلك حسب ما تم نشره في صحيفة "دوتش فيلا" الألمانية في العام 2015.
وربما يرى القارئ الكريم أنه فيما سبق فإننا لسنا في حاجة إلى توفيق بينه وبين الدين، فليس هناك، من الناحية الدينية، ما يمنع أن يكون الإنسان الأول "آدم في القصة الدينية" قد نزل أول ما نزل في أفريقيا، فليس هناك، على الأقل في الإسلام، مكان محدد في الأرض لنزول آدم، ونحن نقول أن هذا الجانب بالفعل ليس في حاجة إلى تأويل، ولكن حينما نمضي في النظرية سنعلم أن هذا الإنسان الذي هاجر من أفريقيا وانتشر في بقية العالم، قد عاصر إنسانا آخر في أوروبا إنسان نياندرتال، هذا الذي هو مثبت علميا بما لا شك فيه، ليس ذلك فحسب، بل لقد حدث تزاوج بين نوعي الإنسان: نياندرتال والإنسان الحالي الإنسان العاقل "هومو سابينس"، هذا التزاوج الذي حدث في القارة الأوروبية.
وتطرح الأبحاث -التي توضح حدوث تزاوج داخلي بين النوع البشري (هومو سابينس) أو الإنسان العاقل وإنسان النياندرتال منذ نحو 100 ألف عام- أدلة مثيرة على أن الإنسان الحديث ارتحل من القارة الأفريقية في وقت أقدم بكثير مما كان يعتقد من قبل، كما أشرنا سابقا.
ويؤكد العلماء إن تحليلا للجينوم أو الطاقم الوراثي الخاص بأنثى من النياندرتال - عثر على حفريات لبقاياها في كهف بجبال أتلاي في جنوب سيبيريا قرب منطقة الحدود بين روسيا ومنغوليا - رصد بقايا من الحمض النووي (دي إن أيه) من الإنسان العاقل ما يبرهن على حدوث التزاوج الداخلي أو زواج الأقارب بين هذا الإنسان وأقرب أولاد عمومته من إنسان النياندرتال.
إن إنسان النياندرتال الأوروبي، كما تذهب نظرية التطور، هو فرع من الشجرة التي ظهر منها الإنسان الحالي. وقد جاء من أفريقيا في وقت مبكر. ومن خصائص هذا الإنسان أنه كان ذا بنية قوية وقصيرة وصيادا ماهرا يتقن إشعال النار وصناعة الرماح، كما كان يقوم بدفن موتاه.
وقبل حوالي 150 ألف سنة، وعندما كان إنسان النياندرتال منتشرا في عموم أوروبا وفي أقسام من آسيا الداخلية، نشأ جنس الإنسان الهومو سابينس لأول مرة من الجد الأقدم لإنسان النياندرتال الذي بقي في أفريقيا، ثم نزح من أفريقيا، كما ذكرنا سابقا، إلى أوروبا مرة ثانية بعد تطوره إلى هومو سابينس قبل نحو 45.000 سنة
وفي دراسة كانت هي الأولى من نوعها بينت أنه قد حدث اختلاط جيني بين النياندرتال والبشر قبل 150 ألف عام.
وقد وصفت دراسة حديثة نشرتها مجلة نيتشر التسلل الجينومي الكامل لخمسة من البشر البدائيين الذين يُعرفون باسم "إنسان نياندرتال المتأخر" والذين كانوا قد عاشوا قبل 39 ألف إلى 47 ألف سنة.
ولعل أشهر وأحدث القضايا التي تربط هذا التزاوج بين إنسان اليوم وإنسان النياندرتال هو انتشار فيروس كورونا، حيث رصدت دراسة ألمانية صلة محتملة بين جين ورثه بعض الأشخاص عن الإنسان البدائي القديم "النياندرتال" ومسار الإصابة بمرض كورونا وشدة أعراضه.
وفي دراسة أُجريت في فصل الصيف الماضي أظهرت أن مجموعة من الجينات موجودة على الكروموسوم 3 قد تكون مرتبطة بزيادة مخاطر الاضطرار إلى تلقي العلاج في المستشفى أو الوضع تحت أجهزة التنفس الاصطناعي في حالة الإصابة بفيروس كورونا كوفيد-19.
وتم تحليل مجموعة الجينات ومقارنتها على وجه التحديد بالتركيب الجيني لإنسان النياندرتال البدائي. واتضح أن تسلسل الحمض النووي في عنقود الجينات المتسبب في زيادة الخطورة يشبه إلى حد كبير تسلسل الحمض النووي لإنسان نياندرتالي منحدر من المنطقة المعروفة اليوم بدولة كرواتيا قبل نحو 50 ألف عام.
وفي هذا الصدد قال معهد "كارولينسكا" في ستوكهولم: "اتضح أن البشر المعاصرين ورثوا هذا النوع الجيني من إنسان النياندرتال عندما اختلطوا مع بعضهم البعض منذ حوالي 60 ألف عام".
هذه الاكتشافات العلمية لم يكن يصل لها العلم لو تقيد العلماء الحقيقيون بما يحدده لهم بفهمه رجل الدين التقليدي الذي يرفض بطبيعة الحال نظرية التطور، تلك التي كان لها الفضل في العديد، بل ربما كل الاكتشافات البيولوجية الحديثة، ومن ثم اختراع أنواع العلاج المختلفة التي تعتمد أول ما تعتمد على اكتشاف الجينوم البشري والذي هو أحد نتائج وثمرات نظرية التطور.
إن العلم الآن يتعامل مع الأجناس البشرية التي سبقت الإنسان العاقل باعتبارها حقائق علمية، ولعل ما طرحناه هنا ما يؤكد ذلك ويثبته إثباتا كما في ذهن وعقل العلماء، باعتبار ذلك من البديهيات العلمية التي يتم البناء عليها.
نقول: ليس في العلم مقدس، فلو توقف العلماء عما ما كان قد تم فهمه وتفسيره في الكتاب أو الكتب المقدسة، ما حققوا شيئا من هذا، إن المقدس الوحيد هو الله سبحانه وتعالى وما أنزله من الحق، أما فهم الناس أو تفسير من يزعمون أنهم رجال دين فقهوا كل شيء فيه فلا قداسة لفهمهم ولن يوقف العلماء جهدهم ونشاطهم من أجل إسعاد البشرية نتيجة فتوى لهذا الشيخ ولا نتيجة فهم لكهنوتي، ولن يتوقف العلم عند حدود يخطها من ليس لهم في العلم "Science" من ناقة ولا جمل، وعلى هؤلاء الذين يزعمون فهما للكتب الدينية أن يلحقوا بالعلم، ويأولوا ما لم يمكن أن يتسق معه من فهم قديم للكتب الدينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.