يحتال النصاب على ضحاياه بقدر كبير من العلم والثقافة والتجربة، والمناورة والمراوغة والكذب المتقن وتبديل الواقع وشد الأنظار، واللعب على دوافع التملك والإغراء بالمكسب الهائل والسريع، وإعطاء ضمانات وهمية ولكنها كافية لجذب الطماع إقناعه بالتسليم له وهو بحالة خدر، حتى يفيق بيوم من الأيام على الكارثة، ويكتشف أنه كان ضحية لشخصٍ يفوقه ذكاءً. وما يحدث الآن من انجرار وتبعية كثير من السفهاء خلف المظاهر الكاذبة، يعتبر دليلًا على أن الاحتيال والتضليل أقصر الطرق، وأسهل الوسائل لسلب الآخرين أموالهم وممتلكاتهم برضاهم، دون جهد أو عناء، وبالقراءة العلمية لحوادث النصب يتضح اختلاف التركيبة الشخصية، والدوافع والظروف لكل نصّاب، لكنهم جميعًا يتشاركون في صفة الكذب، كما يتشارك الضحايا أيضًا في صفة الطمع والمبالغة في حب النفس، ويدفعهم الطموح المفرط إلى الشعور دائمًا بالحاجة الشديدة لمال كثير يجمعونه في وقت قليل؛ حيث لا وقت لديهم للسعي بالطرق المعتادة أو المشروعة؛ فهم يسعون لتحقيق أكبر قدر من الاستمتاع بالحياة، ويهتمون اهتمامًا مبالغًا فيه بالسيارة والمسكن والملابس، فيصيرون أسرى للَّذات والاحتياجات. وهذه قطعًا هي البيئة المناسبة التي يجد فيها النصاب فرائسه، وهو غالبًا لا يجد عناء كبيرًا في البحث عن هذه النوعية من البشر؛ فهم رغم سوء اعتقادهم كُثُر، وبالنظر إلى التراث نجد أنهم ليسوا إفرازًا لهذا العصر كما يدعي البعض، فقد ورد في الأثر أن محتالًا اشترى حمارًا، وملأ دبره نقودًا من الذهب رغمًا عنه، ثم أخذه إلى حيث تتزاحم الأقدام فى السوق، فنهق الحمار حتى تساقطت النقود من دبره، فتجمع الناس حول المحتال الذى أخبرهم أن الحمار كلما نهق تتساقط النقود من دبره .... وبدون تفكير بدأت المفاوضات حول بيع الحمار، فاشتراه كبير التجار بمبلغ كبير، لكنه اكتشف بعد ساعات أنه وقع ضحية عملية نصب غبية، فانطلق مع أهل المدينة فورًا إلى بيت المحتال وطرقوا الباب فأجابتهم زوجته أنه غير موجود بالمنزل، لكنها سترسل إليه الكلب؛ ليحضره فورًا! ثم أطلقت كلبًا كان محبوسًا منذ وقت طويل، فهرب لا يلوى على شيئ، وعاد زوجها بعد قليل وبرفقته كلب يشبه تماما الكلب الذى هرب، فنسي كبير التجار ومن معه ما جاؤوا من أجله، وبدأت مفاوضات جديدة لشراء الكلب الذكي، فاشتراه أحدهم بمبلغ كبير، ثم ذهب إلى بيته فأوصى زوجته أن تطلقه ليحضره بعد ذلك، فأطلقت الزوجة الكلب آملة أن يعود بزوجها، لكنهم لم يروه بعد ذلك، فعرف التجار أنهم تعرضوا للنصب مره أخرى، وانطلقوا إلى بيت المحتال، ثم دخلوا البيت عنوة فلم يجدوا سوى زوجته كالعادة،فجلسوا بانتظاره حتى يعود، ولما جاء نظر إليهم ثم إلى زوجته وقال مُدَّعيًا الكرم: لماذا لم تقومى بواجبات الضيافة لهؤلاء الأكارم؟ فقالت الزوجة إنهم ضيوفك فقم بواجبهم أنت، فتظاهر الرجل بالغضب الشديد وأخرج من جيبه سكينا مزيفًا من ذلك النوع الذى يدخل فيه النصل بالمقبض، ثم طعنها فى الصدر، فانفجر كيسًا مليئًا بالصبغة الحمراء، وسقطت المرأة على الأرض تتظاهر بالموت، وصار الرجال يلومونه على هذا التهور فقال لهم لا تقلقوا؛ فقد قتلتها قبل ذلك مرارًا، ثم أعدتها للحياة مرة أخرى!! ثم أخرج مزمارًا من جيبه، وبدأ يعزف حتى قامت الزوجة على الفور أكثر حيوية ونشاطًا، وانطلقت لتصنع القهوة للرجال المدهوشين، فنسى الرجال ما جاءوا من أجله ثانية، وصاروا يفاوضونه بشغف شديد على المزمار حتى اشتروه منه بمبلغ كبير جدًا وعاد الذى فاز به فطعن زوجته وصار يعزف فوقها ساعات فلم تصحو، وفى الصباح سأله التجار عما حدث معه، فخاف أن يقول لهم أنه قتل زوجته وادعى أن المزمار يعمل وأنه تمكن من إعادة إحياء زوجته، فاستعاره التجار منه وقتل كل منهم زوجته وبعد أن طفح الكيل مع التجار ذهبوا إلى بيت المحتال ووضعوه فى كيس، ثم حملوه إلى البحر ليتخلصوا منه، وساروا به حتى تعبوا فجلسوا للراحة، فناموا، وصار المحتال يصرخ من داخل الكيس، فجاءه راعي غنم وسأله عن سبب وجوده داخل الكيس وهؤلاء نيام فقال له: إنهم يريدون تزويجه من بنت كبير التجار فى الإمارة، لكنه يعشق ابنة عمه ولا يريد بنت الرجل الثري، وكعادته أقنع الراعي بأن يحل مكانه فى الكيس طمعًا في الزواج من ابنة كبير التجار، فدخل مكانه بينما أخذ المحتال أغنامه وعاد للمدينة سعيدًا، ولما نهض التجار ذهبوا به إلى البحر فألقوا الكيس، ثم عادوا للمدينة يهنئون أنفسهم بموت المحتال، لكنهم حين عادوا وجدوه أمامهم يسوق ثلاث مائة من رؤوس الغنم، فسألوه كيف نجوت من الموت؟ فأخبرهم بأنهم لما ألقوه بالبحر خرجت حورية وتلقته وأعطته ذهبًا وغنمًا، ثم خرجت به إلى الشاطيء، وأخبرته بأنهم لو رموه بمكان أبعد عن الشاطئ لأنقذته أختها الأكثر ثراء وأعطته آلاف الرؤوس من الغنم، وهى تفعل ذلك مع الجميع، كان المحتال يحدثهم وأهل المدينة يستمعون، فانطلق الجميع إلى البحر وألقوا بأنفسهم طمعًا في الذهب ورؤوس الغنم، فماتوا وأصبحت المدينه بأكملها ملكًا للمحتال ....