أثرت أن أتحدث فى أولى مقالاتى، عن مقاصد الصيام، فإذا تأملنا في ذلك نجد أن قمة الروعة أن تجد الغرض الذي تعمل لأجله فتسير وراءه وأنت على يقين بأنك ستصل؛ لأن هذا العمل يسير إلى الله؛ فالعمل من أجل الخالق لا ريب في ضمان الجزاء، كيف لا وهو الذي وعد فأوفى ! وفي الصوم من هذه الروائع الكثير؛ فإذا ذكرت الإخلاص فأنت ترتقي بمستوى المعاملة بينك وبين الله إلى درجة الإحسان ، وإذا ذكرت مراقبة الله " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به ... " فقرينتها السابقة الإخلاص تصحبك معها إلى الغاية؛ وما في ذلك من نوايا صافية خلال صدقة رمضان أو زكاتها؛ فأنت إذا طهرت الروح من شبهاتها فقد صفا لك الطريق إلى الحق " .. لعلكم تتقون " وقلت المسافة بينك وبين ربك؛ طاعة وإخلاصا، فما إن وصلت تجد أمامك " إن في الجنة بابا يدخل منه الصائمون يوم القيامة ... "؛ فإذا تذكرت نقطة البداية " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم .... " فأنت بذلك قد خطوت خطوة راسخة بعقيدة ثابتة إلى خطوة تليها في الإخلاص والاحتساب عند الله " من صام رمضان إيمانا واحتسابا .... "، وما إن وصل رسوخك أعلاه تستلذ بشعور الصيام عقيدة وإيمانا وانشراحا للصدر؛ فرحة وطمأنينة " للصائم فرحتان .... " . وإذا كان الحديث عن الفوائد في " رفع الدرجات، وتكفير السيئات، وكسر الشهوات، وتكثير الصدقات، وتوفير الطاعات، وشكر عالم الخفيات، والانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات " كما ذكرها العز بن عبد السلام في كتابه " مقاصد الصوم " فهذا الأمر أحوج أن يصل إلى قلب المسلم : معانيه العميقة، وغاياته النبيلة في رفع المسلم من مستنقع الدنيا بما فيها، والارتقاء به إلى غاية خلق الإنسان؛ صلاحا، وتقوى، وإعمارا للأرض . وإذا تأملت في قوله تعالى " لعلكم تتقون " فنظرت في أعماق السبب سبب الصوم تجد الغاية والنتيجة : الغاية من الصوم هي التقوى، ونتيجة الصوم هي تحقيق التقوى واقعا لا قولا . الصائم خلال تحركاته اليومية دائما ما يذكر أنه لا بد أن يعمل جوارحه ؛ إتماما لصومه ذكرا لله، وحفظا للسان، وترويضا للنفس، وإخلاصا لما كلفه الله به؛ أكثر منه خوفا وطمعا . ومع كل ذلك يرسخ لك الله المعطيات الظاهرة والباطنة؛ حتى تحقق العبادة على وجهها كاملة؛ فيبارك لك في الطعام والشراب؛ بنفس المصروفات الشهرية تجد البركة تحل بك أينما كنت، وتجد الخير يعم الأرجاء، والطاعة تنتشر بين الناس صلاة، وقراءة للقرآن الكريم، وذكرا، وتسبيحا، واعتكافا، وما لا يظهر لك منه تصفيد الشياطين من انعدام الوسوسة وابتعاد الشياطين عنك فترة رمضان، هذه المعطيات منح من الله تعالى فأي نعمة أنت فيها ؟! " .. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ... " . وخلاصة القول أن الحب الذي ينتج عن علاقة العبد بالله من خلال الصيام جدير برفع الدرجات في الدنيا والآخرة، وجعل الصائم عبدا ربانيا " .. كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ... "، وضمان الجنة للمخلصين في صومهم وعد الله المتين حتى أنه قد أكده بوسيلتي التوكيد ( إن) و ( التقديم والتأخير ) في قول النبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ متفقٌ عَلَيْهِ. هذا وبالله التوفيق.