تلتقي بأحدهم وترى الألم في عينيه؛ فضولك يجعلك تلح لتعرف ما وراء هذا الحزن، وكأنه كان ينتظر سؤالك، فيروي لك كل الحكايات التي كانت نهايتها ظلمه، يخبرك عن عدد المرات التي جُرح بها، وكأنه كان يدونها ويحفظها لتدفعه لينتقم فيما بعد، يذكر لك شعوره في كل ليلة بات بها وحيدًا، يتذكر ما حدث له، يكرر أن ذكرياته المؤلمة بسببهم أقسى من شعوره بالوحدة. تشتعل داخلك الرغبة في إنقاذه، الرغبة التي تمنيت أن يشعر بها أحد تجاهك، تشعر أنه أتى ليخبرك أن هذا هو دورك في الحياة، أن تنتشله من كل هذا، من كل الألم الذي شعرت أنت به أيضًا من قبل، وتظن أنه سيرد لك ماتفعله من أجله، وحينها تكون لأول مرة النهاية سعيدة بالنسبة لكما. محاولاتك لا تتوقف، لكنك ترى أمامك شخص غيره، غير الذي عاهدت نفسك وعاهدته بأنك لن ترحل، تبدأ ترى الجزء الذي بُتر من روايته، الجزء الذي ظلمهم فيه، ودفعهم ليرحلوا، لم يذكر كل المرات التي خذلهم فيها، وكل المرات التي حاولوا فيها أن يبقوا، بل ذكر ألمه هو فقط، وأنهم رحلوا، واعتبر الرحيل ظلمًا له على أي حال حتى وإن كان هو المخطيء، وتجده ينتقم منك أنت. ترى فيه قبحًا لم تره من قبل، هو لم يعد هو، تشعر أنه يستحق أن يؤذى-إذا كانوا أذوه حقًا-، تكذب ذاتك وتصر على الوفاء بعهدك، لكن تلك النسخة التي ظهرت أمامك منه تفرض عليك أن تفكر في خيانتك له كما وصفت نفسك، تظن أنك ترتكب جرمًا لأنك تريد أن تنسحب، لكن جرمك الحقيقي هو أنك كنت تحاول أن تنقذ الشخص الخطأ.