يشن الجيش السوري منذ منتصف الشهر الحالي، مدعومًا بغطاء جوي روسي، هجمات متقطعة على آخر جيوب المعارضة المسلحة الموالية لتركيا في محافظة إدلب. وجريًا على عادتها، أثارت ابواق الإعلام التركي ضجة معدة للاستهلاك السياسي وابتزاز المجتمع الدولي حول نزوح عشرات الآلاف من المدنيين من إدلب صوب الحدود التركية والمناطق التي تسيطر عليها القوات التركية وحلفاؤها في شمال سوريا، وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أن بلاده لن تستطيع وحدها تحمل نزوح موجة جديدة من اللاجئين السوريين إلى أراضيها. وبحسب موقع "أحوال" التركي، كان الهجوم السوري الروسي المنسق على إدلب متوقعًا منذ نوفمبر الماضي، عندما بدأت تركياوروسيا تتبادلان الاتهامات بالمسئولية عن انهيار ترتيبات وقف إطلاق النار في إدلب. وتتهم تركياروسيا بالفشل في إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن المنطقة العازلة التي أقامتها القوات التركية في شمال سوريا، وفق اتفاق روسي تركي تم التوصل إليه بعد إطلاق عملية "نبع السلام" العسكرية التركية ضد القوات الكردية في شمال سوريا في أكتوبر الماضي. وبالمقابل، تتهم روسياتركيا بالفشل في سحب مجموعات المسلحين المنضوين تحت لواء هيئة تحرير الشام الموالية لأنقرة من إدلب، كجزء من شروط اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب المبرم بين تركياوروسيا. ونقل الموقع عن خبراء في العلاقات الروسية التركية أن أصل الخلاف يعود إلى تضارب الأولويات في سوريا بين البلدين، فبينما تصر تركيا على اعتبار وحدات حماية الشعب الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي المصنف كجماعة إرهابية في تركيا، ومن ثم ترفض أنقرة أي حوار معها، تبدي روسيا تفهمها لحاجة الأكراد إلى أن يكونوا جزءًا من حوار سياسي مع الحكومة السورية، حتى مع تفهم موسكو لموقف تركيا من وحدات حماية الشعب الكردية. ولا تعتبر روسيا وحدات حماية الشعب الكردية فصيلًا إرهابيًا، وتستضيف موسكو مكتبًا لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب، كما تؤيد روسيا بقوة انخراط الأكراد في مفاوضات تسوية الحرب الأهلية السورية. وبالرغم من تأكيدات تركيا المتكررة لروسيا بأنها ستحترم وحدة الأراضي السورية، فقد طرح أردوغان هذه التعهدات وراء ظهره عندما أعلن أن القوات التركية لن تنسحب من سوريا إلا بعد انسحاب بقية القوات الأجنبية منها. وفي 6 ديسمبر ذكرت تقارير صحفية أن تركيا عينت عمدتين لبلدتي تل أبيض ورأس العين السوريتين، وبدأت عملية لتجنيد وتدريب 4 آلاف شرطي لنشرهما في البلدتين اللتين احتلتهما القوات التركية ضمن عملية نبع السلام، كما أنشأت إدارات محلية لمناطق أخرى استولت عليها في شمال سوريا. وأصبح الموقف المعقد في إدلب صخرة تهدد بتحطم التوافقات التركية الروسية عليها، ففي حين تهدد تركيا باستمرار بتجديد عملياتها ضد القوات الكردية في شمال سوريا، تبقى إدلب عامل تذكير دائم لأنقرة بمغبة تجاوز الخطوط الحمراء الروسية للوجود التركي في سوريا، فمهما بلغ سخط أنقرة على استمرار وجود وحدات حماية الشعب الكردية قرب المنطقة العازلة التركية في شمال سوريا، يبقى الاتفاق بين دمشق والأكراد برعاية روسية عاملًا يحد من قدرة تركيا على التحرك مجددًا ضد الأكراد.