إسرائيل تزرع صحراءها بمياه مصرية... حقيقة تؤكدها شواهد عديدة. بعض هذه الشواهد ماثلة في مناطق"عريف الناقه" و"بده"و" الكونتيلا". وفي هذه المناطق تجول "صدى البلد". لترصد ما يحدث في هذه المناطق التي اختيرات لحفر الآبار الحدودية لمنع تدفق مياه الخزان الجوفي المصري إلى إسرائيل. فالجغرافيا تشير إلى وجود انحدار طبيعي لأراضي سيناء يمكن الإسرائيليين من سحب 10,5 مليار متر مكعب من مياه مصر سنويا. وهذه إحدى نتائج دراسة رسمية مصرية أعدها معهد الموارد المائية بوزارة الري. شعور بالمرارة في المناطق المتضررة في سيناء يشعر البدو المصريون بمرارة مما يعتبرونه " إخفاقا من جانب الحكومة المصرية على مدار سنوات في تنمية الشريط الحدودي لسيناء مع فلسطينالمحتلة( إسرائيل)". يؤكد البدو أن الآبار التي حفرتها الحكومة غالبيتها لإنتاج المياه المالحة". أما مصدر المياه العذبة في منطقة الكونتيلا هو بئر تركي قديم ما زالوا يعتمدون عليه. "عيد وديان" أحد أبناء قبيلة الحيوات التي تعيش في الكونتيلا ، يقول بمرارة : " نعيش على الطبيعة هنا ولا نملك أي شيء في الحياة سوى هذه الآبار نحن ومزروعاتنا البسيطة والماعز التي نرعاها. إلا أن غالبية مالحة. ولهذا مازلنا نعتمد على أحد الآبار التركية العذبة القديمة بالمنطقة" ويوضح "محمد فرج سالم" أن مياه الآبار بها نسبة كبيرة من الكبريت و"تؤثر ملوحتها على الزيتون مما يقلل محصوله". وبنظرة كلها حسرة يشير سالم إلى الجانب الآخر من الحدود قائلا:" هناك آبار شبيهة على بعد عدة كيلومترات في الأراضي (الفلسطينية ) المحتلة تعمل بنظام التحكم الأتوماتيكي ومن خلال أنابيب سحب وعليها ماكينات بقوة سحب تعمل على شفط المياه باتجاه الأراضي الإسرائيلية رغم أن المياه في أراضينا". الطبيعة هى السبب لم ينكر المسئولون في وزارة الري المصرية تدفق للمياه إلى إسرائيل لكنهم يلومون الطبيعة اي جغرافية المكان. ودلل سالم على ما يقول بأن "كافة الأشجار الموجودة على الحدود المصرية مباشرة جافة ولا تحصل على أية مياه مالحة أو حتى عذبة". وطالب بإقامة سدود أو آبار تحجز عن الإسرائيليين مياهنا حيث أن مياه الأمطار تنجرف من أوديتنا إلى بحيرة طبرية في الأراضي المحتلة ليستفيد منها الإسرائيليون في زراعة صحرائهم وتخضير أراضيهم". ويقول "سليمان على سليم امهري" إن مياه الأمطار التي تتساقط على المنطقة "تنجرف لتصب في بحيرة طبرية بإسرائيل". وكغيره من بقية البدو يشكو أمهري من أنه "في حين لا يقدم المسئولون لأهل المنطقة يد العون لاستغلال المياه ، وتم الاكتفاء ببعض الآبار المالحة التي عليها محطة تحلية ولا يوجد فلاتر ولا يجرى تنظيفه لشهور تصل إلى ستة أشهر ، فإن هناك مياه عذبة تعيش عليها زراعات إسرائيل على مرمى البصر". ويضيف :" نحن نرى هذه الزراعات خلال رحلات الرعي التي نخرج فيها في التلال القريبة". نداء للحكومة أما السدود التي أقامتها الحكومة في مناطق وادي الشعيرة ،مثلا ، فهى كما يقول أمهري، دون المستوى الذي يسمح بحجزتدفق المياه إلى إسرائيل. تجربة "محمد سالم سليم" ، وهو غفير على أحد الآبار تصور أحد جوانب المشكلة. ويقول إن عائلته تزرع 400 شجرة زيتون على هذه الآبار وإنتاجها لا يتجاوز 5 صفائح من الزيت". وكغيره من المزارعين يقول سليم إن المياه في الآبار الثلاث بمنطقة" الكونتيلا" لا تصلح لزراعة أشجار الفواكه والخضروات لارتفاع نسبة الملوحة . وطالب وزارة الزراعة بتقديم يد العون لتنمية المنطقة واستغلال مياهها التي تجري باتجاه الأراضي الإسرائيلية . وأضاف " ليست لدينا خبرة طويلة في الزراعة ، فنحن نسكب فقط المياه على شجر الزيتون . وكان الأولى بالحكومة أن تضع برامج إرشادية لتعريفنا بالمحاصيل التي يمكن زراعتها على هذه المياه". وأوضح المهندس أحمد أبوليلة ، من الإدارة العامة للمياه الجوفية بشمال سيناء والمسئول عن الإدارة التشغيل والصيانة للآبار الحدودية ، أن هناك حوالي 20 بئرا بالمنطقة الحدودية في مناطق عريف الناقة وبجا واللصام و القسيمه والكونتلا . وقال أبوليلة ل"صدى البلد" :"نعمل على زيادة أعداد هذه الآبار وبما يعمل على الاستخدام الأمثل للمخزون الجوفي المصري بمنطقة الحدود مع إسرائيل". توطين البدو وأوضح أن منطقة الكونتلا الموجود بها آخر ثلاثة آبار حدودية مع الجانب الاسرائيلي تتراوح أعماقها بين 410 و420 مترا، وهي أعماق كبيرة جدا ، كما يقول ، وتصل تكلفة حفر البئر الواحدة ما يزيد عن مليونين جنيه ، لافتا الى أن المقصود منها استقرار وتوطين البدو الرحل بدلا من التنقل وراء المطر من أجل الرعي والماشية وخلق مجتمع زراعي بهذه المناطق ذات الحساسية . ويؤكد المهندس أبو ليلة وجود انحدار طبيعي لأراضي المنطقة الحدودية وهو ما يتسبب في هروب كميات كبيرة لمياهنا إلى الأراضي المحتلة وخاصة في مواسم الأمطار". ويشير أبوليلة إلى أن مصر تفقد جزءا من مياه الأمطار التي تذهب للجهة الأخرى ". ويطالب بمنعها تدفق المياه " بإنشاء خزانات تحويلية وسدود إعاقة تساعدنا على أن نستفيد من المياه لخدمة أهل المنطقة". وحرص على التأكيد على أنه " لا يستطيع القول بأن إسرائيل تسرق المياه المصرية أو لا تسرقها ". ويضيف أن " مهمة المعاهد البحثية بوزارة الري هي التحقق من ذلك". أخطاء فنية علميا ، عاب خبراء المياه والجيولوجيا على نظام حكم السابق في مصر الفشل في حماية المخزون الوفير من المياه العذبة وتركه للإسرائيليين نتيجة لانعدام الدراسات الخاصة بالمنطقة. وأشار الخبراء إلى ما وصفوه بالأخطاء الفنية في دق الآبار بأعماق لم تصل إلى طبقات المياه العذبة بباطن الأرض والتي وصلت إليها إسرائيل على الجانب الآخر. يقول الدكتور مغاوري دياب ، الخبير الجيولوجي في جامعة المنوفية ، إن حديث البدو عن وجود عمليات شفط لمياه الخزان الجوفي من الجانب الإسرائيلي لا يبتعد كثيرا عن الواقع . ويوضح أن " المنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل تمتد حوالي 300 كيلو وتمتاز بعدد من الوديان التي تنحدر عليها مياه سيناء وتسير سطحيا باتجاه إما وسط سيناء أو الأراضي الإسرائيلية". ويكشف عن أن هناك شريطا من الآبار الإسرائيلية على الحدود مع سيناء وغالبيتها قليلة العمق. ووصف الدراسة التي أجراها المعهد البحثي التابع لوزارة الري بأنها غير دقيقة . وكانت الدراسة قد انتهت الى أن الكميات العابرة الى إسرائيل تقدر بما يقرب من 10 ملايين مترمكعب من المياه. ولفت الى ان منطقة الخزان الجوفي الذي تستغله إسرائيل تقع ضمن المنطقة "ج" في اتفاقية كامب ديفيد وهي منطقة محاطة بالمحاذير ولا تنمية بها الا بشكل محدود. وطالب الخبير المصري بإعادة التظر في التنمية على الخزانات الجوفية بسيناء وفقا لدراسات طبوغرافية عن أماكن الخزانات الجوفية العذبة. ونبه إلى أن هذا سيؤدي إلى عدم تكرار مسلسل اهدار اموال الدولة في دق الآبار المالحة. اتفاقات غير ملزمة غير أن الدكتور محمد نصر الدين علام ، وزير الموارد المائية والري الأسبق ، يرى أن هناك صعوبة في منع الكميات المتدفقة من مياهنا الى اسرائيل في منطقة صحراء النقب . ويبرر ذلك بأن أنهار الخزانات الجوفية تحت الأرض تجري بشكل طبيعي ولا يمكن التحكم فيها . إلا أنه قال إنه "يمكن تقليل حجم المتدفق منها ، أما منعها تماما فيتطلب إقامة سدود أرضية بطول أعماق الخزان وتكلفته كبيرة" . وأوضح الوزير الأسبق أنه لا يوجد قوانين دولية تنظم استخدامات الخزانات الجوفية للمياه العابرة بين حدود الدول . ومع ذلك فإن هناك ، كما يقول ، عدد من القواعد الدولية المتعارف عليها والتي تنظم أطر التنسيق فيما بين الدول المشتركة في خزان واحد، وتؤكد على عدم الإضرار ومنها اتفاقية الأممالمتحدة رقم 97 إلا أنها غير ملزمة . لماذا لم يفكر علام ، وهو في الوزارة ، إذن في حل؟ السبب هو "عدم رغبة في أي ارتباط لنشاط الوزاة بالكيان الإسرائيلي"، يجيب علام، مضيفا سببا آخر هو أن "المياه تخرج من أراضينا وعلينا نحن التحكم في التدفقات إلى الجانب الآخر" . مهمة صعبة وحول ملوحة مياه الآبار التي قامت حفرتها الوزارة وبما ساهم في تدفق المياه العذبة إلى إسرائيل ، قال علام إن هذا" ربما يعود إلى أخطاء فنية في تنفيذ عمليات دق الآبار". وشدد على أن المنطقة تحتاج الى دراسة لوضع قاعدة بيانات دقيقة عن عمق الخزانات ولتصحيح هذه الأخطاء الخاصة بدق البئر في أعماق خزانات مالحة رغم غنى المنطقة بالخزانات العذبة. وأوضح أن الخزانات الجوفية للمياه طبقات والدراسات البحثية هي الكفيلة بإرشادنا الى عمق الطبقة العذبة. وكشف الوزير ، ربما لأول مرة ، إلى أن "هناك خزانات مماثلة تأتينا من الأراضي الإسرائيلية مثلما تتدفق خزاناتنا إليهم إلا أننا لا نعمل على استغلالها". ويقر الدكتور هشام قنديل وزير الموارد المائية والري الحالي بصعوبة المهمة . ويؤكد ، ردا على تساؤلات "صدى البلد " أن السبب هو "الانحدار الطبيعي " . وقال لافتا إن دق الآبار العميقة بهذه المناطق مكلف جدا وإنتاجيته من الماء محدودة لا يأتي بأي عوائد اقتصادية".