تحلق طائرات ميج الحربية على ارتفاع منخفض لضرب المعارضين الذين يقاتلون للاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في حين تقصف المدفعية المقاتلين من تلال مطلة على مدينة مقسمة بين حرب شاملة وهدوء كاذب. ويمكن أن تذهب عائلات بأكملها ضحية غارات جوية تخطيء أهدافها. ويتعرض أثرياء أو أبناؤهم للخطف. وقد يعود البعض منهم لكن السكان يذكرون روايات مروعة عن تعذيب وإلقاء آخرين في الشوارع حتى بعد دفع فدية. ويتحدث أناس أيضا عن وفاة سجناء تحت التعذيب أو جراء تلوث جروحهم وعن عمليات نهب بيد ميليشيات الشبيحة المخيفة الموالية للحكومة أو بيد مقاتلين معارضين يسعون للاطاحة بالأسد. هذا جزء من دمشق. وفي الجزء الآخر الذي يضم أحياء وسط العاصمة التي يقال إنها أقدم المدن التي ظلت مسكونة في العالم لا تعاني المطاعم من أي نقص والخمور رخيصة كما تكتظ الأسواق بالرواد. ويتوجه الموظفون إلى العمل ويذهب الأطفال الى المدارس والمتاجر مفتوحة دون رادع على ما يبدو من هدير الحرب. وتفصل الجزئين بضعة كيلومترات في الوقت الحالي. وتنزلق دمشق وضواحيها سريعا إلى الحرب الأهلية مع كل ما يصاحبها من انعدام للقانون وأعمال سلب وخطف وقتل للثأر. وعلى غرار الوضع في باقي البلاد تكثر العصابات المسلحة في العاصمة وضواحيها. وتقول لما زيات (42 عاما) "يمكن أن يأتي إليك أي شخص ويتظاهر بأنه من الأمن ويجذبك في وضح النهار ويضعك في سيارة ويبتعد بها ولا يجرؤ أحد على التدخل أو إنقاذك. "خُطفت فتاة في الصف السابع وطلب من والدها فدية كبيرة. حدث الأمر نفسه مع أطفال آخرين." ولا يعلم أحد في الحقيقة من يقف وراء أعمال الخطف. وفي إحدى العصابات يتولى رجل مسؤولية عمليات الخطف في حين يتولى شقيقه التفاوض مع أقارب الضحايا. والخوف واضح في الأعين. لم تصل الحرب بعد إلى قلب دمشق لكنها تمزق الضواحي. وشنت القوات الحكومية مدعومة بالقوة الجوية هجمات ضارية في الأسبوع الماضي على شرق المدينة في محاولة لطرد جماعات المعارضة المسلحة. وتسيطر قوات الأسد على معظم وسط دمشق حيث اقامت نقاط تفتيش لمنع الهجمات التفجيرية. وفشل المعارضون حتى الآن في السيطرة على أراض في وسط العاصمة. ومثلما تبدو القوات الموالية للحكومة عاجزة عن استعادة السيطرة على البلاد تبدو فرص المعارضة ضعيفة في اقتحام وسط دمشق ومهاجمة مقر سلطة الأسد. ومنذ بدأت الانتفاضة قبل نحو عامين قتل حوالي 70 ألف شخص وفر 700 ألف من سوريا في حين يعاني ملايين النازحين من الجوع. ولم يفلت اي قطاع من السكان من الآثار سواء كانوا مسيحيين أو علويين او سنة لكن في كل طائفة كان الفقراء هم الأشد تضررا. والسوريون العاديون مقتنعون بأن محنتهم أبعد ما تكون عن الانتهاء. ورغم أنهم يعتقدون أن الأسد لن يتمكن من استعادة ما سيطر عليه المعارضون فهم في الوقت نفسه لا يتوقعون تغلب خصومه على قوته النارية فضلا عن الدعم الروسي والايراني. وقال المعارض البارز حسن عبد العظيم "لن يستطيع النظام أن يسحق الثورة ولا الثوار أن يسقطوا النظام. "استمرار العنف لن يؤدي الى اسقاط النظام بل يؤدي الى استيلاء المجموعات المسلحة والعسكرية على البلاد ويشكل خطرا ليس على سوريا وحدها بل على دول الجوار العربي والاقليمي." وقال مبعوث عربي كبير مقيم في دمشق "حتى الآن لا يوجد رابح. الأزمة ستستمر إذا لم يكن هناك حل سياسي. يوجد جمود." ويقول دبلوماسيون آخرون في دمشق إن الولاياتالمتحدة وحلفاءها يحجمون عن تسليح المعارضين خوفا من النفوذ المتنامي للأصوليين الإسلاميين مثل جماعة جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة والتي حظرتها واشنطن العام الماضي. ويتوقع مراقبون عن كثب للوضع في سوريا أنه إذا لم يتم التوصل لتسوية خلال بضعة اشهر فقد يستمر الصراع لسنوات. والاقتصاد ينهار وهو ما جعل الحكومة تعتمد على الاحتياطيات الأجنبية الآخذة في التناقص والأصول الخاصة والأموال الايرانية.