سعر الجنيه الذهب اليوم الخميس 16-10-2025 في السوق المحلية    بعد حادثة عم فوزي.. محافظ الدقهلية في جولة ميدانية جديدة بحي غرب المنصورة    باحثة بالشأن الأفريقي: مصر أكثر دولة تفهم تعقيدات المشهد السوداني ولن تسمح بانقسامه    وزير الحكم المحلي الفلسطيني: خطة التعافي الفلسطينية تعتمد على البرنامج العربي لإعمار غزة    ستاد المحور: تأخر وصول بعثة الأهلي إلى بوروندي بسبب رحلة الطيران الطويلة    نجم الزمالك السابق: الموسم لا يزال طويلًا وفقد النقاط وارد.. وناصر الأنسب لتعويض غياب الدباغ    الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الجمعة 17-10-2025    منة شلبي تُكرم في مهرجان الجونة السينمائي وتُهدي جائزتها لوالدتها    محافظة الإسماعيلية تستعد لإقامة النسخة 25 من المهرجان الدولي للفنون الشعبية    مواقيت الصلاة غدًا الجمعة 17 أكتوبر 2025 في المنيا    صحة بني سويف تُطلق حملة في 188 مدرسة للتوعية بصحة الفم والأسنان    الخطيب يكلف عبد الحفيظ بملف كرة القدم في الأهلي: «خبرته تجعله جزءًا من صناعة القرار»    100 مغامر يحلقون ب «الباراموتور» |سياح 38 دولة فى أحضان وادى الملوك    محافظ الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يشهدان احتفالات عيد القوات الجوية    مصادر أمريكية: واشنطن أبلغت إسرائيل اهتمامها بمواصلة تنفيذ اتفاق غزة    لتفادي نزلات البرد .. نصائح ذهبية لتقوية المناعة للكبار والصغار    حسام شاكر: ذوو الهمم في قلب الدولة المصرية بفضل دعم الرئيس السيسي    مواجهات نارية في ذهاب دور ال32 من دوري أبطال إفريقيا 2025    الوطنية للانتخابات تعلن قوائم المرشحين في انتخابات مجلس النواب 2025    الحليب المكثف المحلى في البيت.. وصفة سهلة بطعم لا يقاوم    غارات إسرائيلية تستهدف عددا من مناطق جنوبي لبنان وبلدة في الشرق    رابطة المحترفين الإماراتية تعلن موعد طرح تذاكر السوبر المصري في أبوظبي    نائب محافظ القاهرة تتابع تطبيق قانون التصالح بحي شرق مدينة نصر    عاجل- رئيس الوزراء يطمئن ميدانيا على الانتهاء من أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير والطرق المؤدية إليه    قائد القوات المسلحة النرويجية: قادرون مع أوروبا على ردع روسيا    بيع أكثر من مليون تذكرة ل كأس العالم 2026 والكشف عن أكثر 10 دول إقبالا    يرتدي جلبابا أحمر ويدخن سيجارة.. تصرفات زائر ل مولد السيد البدوي تثير جدلًا (فيديو)    سيدات يد الأهلي يهزمن فلاورز البنيني في ربع نهائي بطولة أفريقيا    نائب رئيس مهرجان الموسيقى العربية: آمال ماهر تبرعت بأجرها ورفضت تقاضيه    حسام زكى: العودة الكاملة للسلطة الفلسطينية السبيل الوحيد لهدوء الأوضاع فى غزة    بعد مقتل رئيس أركان الحوثي.. نتنياهو: سنضرب كل من يهددنا    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    هل يجوز المزاح بلفظ «أنت طالق» مع الزوجة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الله حرم الخمر والخنزير والبعض يبحث عن سبب التحريم    الشيخ خالد الجندى: رأينا بأعيننا عواقب مخالفة ولى الأمر (فيديو)    سكك حديد مصر تعلن موعد تطبيق التوقيت الشتوي على الخطوط    حجز قضية اتهام عامل بمحل دواجن بالخانكة بقتل شخص بسكين لحكم الشهر المقبل    ضبط فتاة بالجامعة العمالية انتحلت صفة "أخصائى تجميل" وأدارت مركزًا للتجميل بمركز جرجا    نائب رئيس جامعة الأزهر بأسيوط يشهد انطلاق المؤتمر العلمي الخامس لقسم المخ والأعصاب بالأقصر    قائمة بأسماء ال 72 مرشحًا بالقوائم الأولية لانتخابات مجلس النواب 2025 بالقليوبية    وزير العدل: تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية تعزز الثقة في منظومة العدالة    الاتحاد الأوروبي يكرّم مي الغيطي بعد اختيارها عضو لجنة تحكيم مهرجان الجونة    أوبريت «حلوة بغداد» يختتم فعاليات الدورة السادسة لمهرجان المسرح    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    «يمامة» يشكر الرئيس السيسي: عازمون على تقديم رؤى تناسب الجمهورية الجديدة    جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي بمدخل المراشدة في قنا    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    بعثة بيراميدز تتفقد منشآت الدوحة استعدادًا للمشاركة في كأس الإنتركونتيننتال بدعوة من "فيفا"    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    نبيلة مكرم تشارك في انطلاق قافلة دعم غزة رقم 12 ضمن جهود التحالف الوطني    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كلمة تاريخية.. الإمام الأكبر يطالب بجعل وثيقة الأخوة الإنسانية ميثاقا للخير هادما للشر ونهاية للكراهية.. ويؤكد: غياب الضمير والأخلاق أزمة العالم المعاصر
نشر في صدى البلد يوم 04 - 02 - 2019


* شيخ الأزهر:
* وثيقة الأخوة تدعو لنشرِ ثقافة السلام والعدالة واحترام الغير والرفاهية للبشريَّةِ جمعاء
* وثيقة الأخوة تطالب قادة العالَم بالتدخل الفوري لإنهاء الحروب والصراعات
* أدعو لوقف استخدام الأديان والمذاهب في تأجيج الكراهية والعنف والتعصُّب الأعمى
* الأديان الإلهيَّة بريئة من الحركات والجماعات المسلَّحة
* على المسؤولين شرقًا وغربًا حماية أرواح الناس وعقائدهم ودور عباداتهم من جرائم الإرهابيين
* المسيحيون شركاء الوطن أقرب الناس مودة إلينا.. وعلى المسلمين احتضانهم
* المسيحيَّةَ احتضنت الإسلام وحمته من طغيان الوثنية والشِّرك
* وحدة المسلمين والمسيحيين الصخرة الوحيدة التي تتحطم عليها المؤامرات
* أدعو مسلمي الغرب للاندماج في مجتمعاتهم واحترام قوانينها
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن وثيقة الأخوة الإنسانية تدعو لنشرِ ثقافة السلام والعدالة واحترام الغير والرفاهية للبشريَّةِ جمعاء، بديلًا من ثقافة الكراهية والظلم والعُنف والدِّماء.
وأضاف شيخ الأزهر، في كلمته باللقاء العالمي للأخوة الإنسانية بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، أن ثيقة الأخوة الإنسانية تطالب قادة العالَم وصُنَّاع السياسات، ومَن بأيديهم مصائر الشعوب وموازين القُوى العسكريَّة والاقتصادية بالتدخل الفوري لوضع نهايةٍ فورية لما يشهده العالم من حروب وصراعات.
ونوه بأن وثيقة الأخوة الإنسانية تدعو لوقف استخدام الأديان والمذاهب في تأجيج الكراهية والعنف والتعصُّب الأعمى، والكفِّ عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش.
وينشر «صدى البلد» نص كلمة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين في اللِّقاء العالَمي للأُخوَّةِ الإِنْسَانيَّة بأبو ظبي.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي وصديقي العزيز/ قداسة البابا فرنسيس – بابا الكنيسة الكاثوليكية
الأخ العزيز سمو الشيخ/ محمد بن زايد وأخيه سمو الشيخ محمد بن راشد، وإخوته قادة دولة الإمارات العربية المتحدة
السَّلَامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه.. وبعد
فأبدأُ كلمتي بتوجيه الشكر الجزيل لدولة الإمارات العربية المتحدة: قيادةً وشعبًا، لاستضافة هذا الحدث التاريخي، الذي يجمع قادة الأديان، وعُلماءها ورجال الكنائس، ورجال السياسة والفِكْر والأدب والإعلام.. هذه الكوكبة العالمية التي تجتمع اليوم على أرض "أبوظبي" الطيِّبة، ليشهدوا مع العالم كله إطلاق «وثيقة الأخوة الإنسانية»، وما تتضمنه من دعوة لنشرِ ثقافة السلام واحترام الغير وتحقيق الرفاهية للبشريَّةِ جمعاء، بديلًا من ثقافة الكراهية والظلم والعُنف والدِّماء، ولتطالب قادة العالَم وصُنَّاع السياسات، ومَن بأيديهم مصائر الشعوب وموازين القُوى العسكريَّة والاقتصادية – تطالبهم بالتدخل الفوري لوقف نزيف الدِّماء، وإزهاق الأرواح البريئة، ووضع نهايةٍ فورية لما تشهده من صراعات وفِتَن وحروب عبثيَّة أوشكت أن تعود بنا إلى تراجع حضاري بائس ينذر باندلاع حرب عالمية ثالثة.
الحفلُ الكريم!
إنني أنتمي إلى جيل يُمكن أن يُسمَّى بجيل الحروب، بكل ما تحمله هذه الكلمة من خوف ورُعب ومُعاناة، فلازلت أذكُر حديث النَّاس –عقب الحرب العالميَّة الثانية- عن أهوال الحرب وما خلَّفته من دمار وخراب، وما كدت أبلغ العاشرة من عُمري حتى دهمتنا حرب العدوان الثلاثي في أكتوبر 1956م، ورأيت بعيني قصف الطائرات لمطار مدينتي مدينة الأقصر، وكيف عِشنا ليالي في ظلامٍ دامس لا يغمض لنا فيها جفن حتى الصباح، وكيف كنا نُهرع إلى المغارات لنحتمي بها في جنح الظلام، ولاتزال الذاكرة تختزن من هذه الذكريات الأليمة ما يعيدها جَذَعًا كأن لم يَمُرّ عليها أكثر من ستين عامًا.. ولم يمض على هذه الحرب سنوات عشر حتى اندلعت حرب 1967م، وكانت أشد وأقسى من سابقتها، عِشناها بكل مآسيها، وعشنا بعدها ست سنوات فيما يُسمَّى باقتصادِ الحروب، ولم نتنفَّس الصعداء إلَّا مع انتصار 73 في حرب التحرير التي أعادت للعرب جميعًا كرامتهم، وبعثت فيهم مكامن العِزَّة والإباء، والقُدرة على دحر الظلم وأهله، وكسر شوكة العدوان والمعتدين.. وظننا وقتها أننا ودعنا عهد الحروب، وبدأنا عصر السَّلام والأمان والإنتاج.
لكن الأمر سُرعان ما تبدَّل بعد ذلك حين واجهتنا موجة جديدة من حرب خبيثة تُسمَّى «الإرهاب» بدأت في التسعينات، ثم استفحل أمرها بعد ذلك حتى أصبحت اليوم تقض مضاجع العالَم شرقًا وغربًا.
وكان الأمل أن تطُل علينا الألفية الثالثة، وقد انحسرت موجات العنف والإرهاب وقتلِ الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ولكن خاب الأمل مرة ثالثة حين دهمتنا حادثة تفجيرِ برجي التجارة في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر من مطلع القرن الحادي والعشرين، والتي دفع الإسلام والمسلمون ثمنها غاليًا، وأُخذ فيها مليار ونصف المليار مسلم بجريرة أفراد لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليدين، فقد استُغلَّت هذه الحادثة استغلالًا سلبيًا في إغراء «الإعلام» الدولي بإظهار الإسلام في صورة الدين المتعطش لسفك الدِّماء، وتصوير المسلمين في صورة برابرة متوحشين أصبحوا خطرًا داهمًا على الحضارات والمجتمعات المتحضرة، وقد نجح هذا الإعلام في بعث مشاعر الكراهية والخوف في نفوس الغربيين من الإسلام والمسلمين، وسيطرت عليهم حالة من الرُّعب ليس من الإرهابيين فقط، بل من كل ما هو إسلامي جُملةً وتفصيلًا..
السَّيِّداتُ والسَّادَة!
إنَّ «وثيقةَ الأُخوَّة» التي نحتفل بإطلاقها اليوم من هذه الأرض الطَّيِّبة وُلِدَت على مائدة كريمة كنت فيها ضيفًا على أخي وصديقي العزيز فرنسيس بمنزله العامر، حين أَلقى بها أحد الشَّباب الحاضرين على هذه المائدة المباركة، ولَقيَتْ ترحيبًا واستحسانًا كريمًا من قداسته، ودَعمًا وتأييدًا مِنِّي، وذلك بعد حوارات عِدَّة تأمَّلنا فيها أوضاع العالَم وأحواله، ومآسي القتلى والفقراء والبؤساء والأرامل واليتامى والمظلومين والخائفين، والفارِّين من ديارهم وأوطانهم وأهليهم، وما الذي يُمكن أن تُقدِّمه الأديان الإلهيَّة كطوق نجاة لهؤلاء التعساء، وما أدهشني هو أن هموم قداسته وهمومي كانت مُتطابقة أشد التطابق وأتمه وأكمله، وأن كل منّا استشعر حرمة المسؤولية التي سيحاسبنا الله عليها في الدَّار الآخرة، وكان صديقي العزيز رحيمًا يتألم لمآسي الناس كل الناس. بلا تفرقة ولا تمييز ولا تحفظ.
وكان أبرز ما تسالمنا عليه هو:
أن الأديان الإلهيَّة، بريئة كل البراءة من الحركات والجماعات المسلَّحة التي تُسمَّى حديثًا ب «الإرهاب»، كائنًا ما كان دينها أو عقيدتها أو فكرها، أو ضحاياها، أو الأرض التي تُمارِس عليها جرائمَها المنكرة.. فهؤلاء قتلة وسفاكون للدِّماء، ومعتدون على الله ورسالاته.. وأن على المسؤولين شرقًا وغربًا أن يقوموا بواجبهم في تعقُّب هؤلاء المعتدين والتصدي لهم بكل قوة، وحماية أرواح الناس وعقائدهم ودور عباداتهم من جرائمهم.
كما تسالمنا على أن الأديان قد أجمعت على تحريم الدِّماء، وأن الله حرَّم قتل النفس في جميع رسالاته الإلهية: صرخ بذلك موسى عليه السلام في الوصايا العشر على جبل حوريب بسيناء وقال: «لاَ تَقْتُلْ! لاَ تَزْنِ! لاَ تَسْرِقْ!» ( )، ثم صدع به عيسى عليه السلام من فوق جبل من جبال الجليل، بالقرب من كفر ناحوم بفلسطين، «في كنزه الأخلاقي النفيس» الذي يُعرف بموعظة الجبل، وقد أكَّدَ السيد المسيح ما جاء به موسى، وزاد عليه في قوله: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، فإنَّ مَنْ يَقتل يَسْتَوْجِبَ حُكْم القضاء، أما أنا فأقول لكم: من غضب على أخيه استوجب حكم القضاء (...) ومن قال له: يا جاهل استوجب نار جهنم»( )، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم وأعلن للناس من فوق جبل عرفات في آخر خطبة له تُسمَّى خطبة الوداع، أعلن ما أعلنه أخواه من قبله، وزاد أيضًا وقال: «أيُّها النَّاسُ، إنِّي والله ما أدري لعلِّي لا ألقاكم بعدَ يومي هذا، بمكاني هذا، فرحم الله امرءًا سمع مقالتي اليوم فوعاها (...) أيُّها النَّاسُ، إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليْكُم حرامٌ، كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، وستلقَونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم (...) أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ». وكان يقول من فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة.. ومَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ، فإِنَّ الملائِكَةَ تلْعَنُهُ، وإِنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأُمِّهِ.
هذا إلى عشرات الآيات القرآنية التي تحرم قتل النفس، وتعلن أن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا..
وتلاحظون حضراتكم وحدة الخطاب الإلهي ووحدة معناه، بل وحدة المنصَّات التي خطب عليها هؤلاء الأنبياء الكرام، وهي: جبل الطور بسيناء في مصر، وجبل من الجبال في فلسطين، وجبل عرفات بمكَّة في جزيرة العرب..
ومن هذا يتضح جليًّا أنه ليس صحيحًا ما يُقال من أن الأديان هي بريد الحروب وسببها الرئيسي، وأن التاريخ شاهد على ذلك، مِمَّا برَّر ثورة الحضارة المعاصرة على الدِّين وأخلاقِه، وإبعاده عن التدخل في شؤون المجتمعات، بعدما سرت هذه الفرية - سريان النار في الهشيم- في وعي الناس والشباب، وبخاصةٍ في الغرب، وكانت من وراء انتشار دعوات الإلحاد والفلسفات الماديَّة ومذاهب الفوضى والعدميَّة والحرية بلا سقف، وإحلال العلم التجريبي محل «الدِّين»، ورُغم ذلك، وبعد مرور أكثر من ثلاثة قرون على الثورة على الله وعلى الأديان الإلهية جاءت المحصلة كارثية بكل المقاييس، تمثَّلت في مأساوية الإنسان المعاصر التي لا ينكرها إلَّا مكابر..
والحق الذي يجب أن ندفع به هذه الفرية هو أن أوَّل أسباب أزمة العالَم المُعاصر اليوم إنما يعود إلى غياب الضمير الإنساني وغياب الأخلاق الدِّينيَّة، وتَحكُّم النزعات والشهوات الماديَّة والإلحاديَّة والفلسفات العقيمة البائسة التي ألَّهت الإنسان، وسخرت من الله، ومن المؤمنين به.. واستهزأت بالقيم العليا المتسامية التي هي الضَّابط الأوحد لكبح جماح الإنسان وترويض «الذئب» المستكن بين جوانحه..
أمَّا الحروب التي انطلقت باسم «الأديان»، وقتلت الناس تحت لافتاتها فإنَّ الأديان لا تُسأل عنها، وإنما يُسأل عنها هذا النوع من السياسات الطائشة التي دأبت على استغلال بعض رجال الأديان وتوريطهم في أغراضٍ لا يعرفها الدِّين ولا يحترمها، ونحن نقر بأن هناك من رجال الأديان مَن تأوَّل نصوصها المقدَّسة تأويلًا فاسدًا، لكنا لا نقر أبدًا بأن قراءة الدين قراءة أمينة نظيفة لا تسمح أبدًا لهؤلاء الضالين المضلين بالانتساب الصحيح إلى أي دين إلهي، ولا تُبرِّر لهم خيانة أمانتهم في تبليغه للناس كما أنزله الله.
على أن هذا الانحراف الموظَّف في فهم النصوص ليس قاصرًا على نصوص الأديان واستغلالها في العدوان على الناس، بل كثيرًا ما يحدث مثله في أسواق السياسة، حين تُقرأ نصوص المواثيق الدولية المتكفلة بحفظ السلام العالمي قراءة خاصَّة تبرر شنَّ الحروب على دول آمنة، وتدميرها على رؤوس شعوبها، ولا مانع بعد أن تقضي هذه السياسات شهواتها العدوانية البشعة.. لا مانع من الاعتذار للثكالى واليتامى والأرامل بأنها أخطأت الحساب والتقدير. والأمثلة على ذلك واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
من أجل ذلك نادينا في هذه الوثيقة «بوقف استخدام الأديان، والمذاهب، في تأجيج الكراهية والعنف والتعصُّب الأعمى، والكفِّ عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والإرهاب والبطش، وذكَّرنا العالَم كله بأن الله لم يخلق الناس ليُقْتَلوا أو يُعذَّبوا أو يُضيَّق عليهم في حياتهم ومعاشهم... والله –عز وجل- في غنى عمَّن يدعو إليه بإزهاق الأرواح أو يُرهب الآخرين باسمه».
الحفلُ الكريم!
إنني على يقين أن هذه المبادرات الضرورية والتحركات الطيبة نحو تحقيق الأخوة الإنسانية في منطقتنا العربية سوف تؤدي ثمارها، وقد بدأت، بحمد الله، بقوة في مصر المحروسة حيث افتتح قبل عدة أيام أول وأكبر مسجد وكنيسة متجاورين، في العاصمة الإدارية الجديدة، وفي خطوة تاريخية، نحو تعزيز التسامح وترسيخ الأخوة بين الأديان، وبمبادرة رائدة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية.
وتبقى لي كلمة أوجهها لإخوتي المسلمين في الشرق، وهي أن تستمروا في احتضان إخوتكم من المواطنين المسيحيين في كل مكان؛ فهم شركاؤنا في الوطن، وإخوتنا الذين يُذكِّرنا قرآننا الكريم بأنَّهم أقرب الناس مودَّة إلينا، ويعلِّل القرآن هذه المودة بقوله تعالى: ﴿ ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: 82]، فالمسيحيون –كل المسيحيين- قلوبهم مملوءة خيرًا ورأفة ورحمة، والله تعالى هو الذي جعل في قلوبهم هذه الخصال الحميدة.. وهذا ما يسجله القرآن في قوله تعالى في سورة الحديد: ﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾ [الحديد: 27].
ويجب علينا نحن المسلمين ألا ننسى أنَّ المسيحيَّةَ احتضنت الإسلام، حين كان دينا وليدا، وحمته من طغيان الوثنية والشِّرك، التي كانت تتطلع إلى اغتياله في مهده، وذلك حين أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم المستضعفين من أصحابه، وهم أكثر تابعيه حين اشتد عليهم أذى قريش وقال لهم: «اذهبوا إلى الحبشة فإن بها ملكًا لا يُظلم أحد في جواره» وقد استقبلهم هذا الملك المسيحي في دولته المسيحية، وأكرمهم وحماهم من قريش، ثم أعادهم إلى المدينة المنورة بعد أن اشتد عود الإسلام واستوى على سوقه.
وكلمة أخرى لإخوتي المسيحيِّين في الشرق: أنتم جزء من هذه الأُمَّة، وأنتم مواطنون. ولستم أقليَّة، وأرجوكم أن تتخلصوا من ثقافة مصطلح الأقليَّة الكريه، فأنتم مواطنون كاملو الحقوق والواجبات، واعلموا أن وحدتنا هي الصخرة الوحيدة التي تتحطم عليها المؤامرات التي لا تفرق بين مسيحي ومسلم إذ جد الجد وحان قطف الثمار.
وكلمتي للمواطنين المسلمين في الغرب أن اندمجوا في مجتمعاتكم اندماجًا إيجابيًّا، تحافظون فيها على هويتكم الدِّينيَّة كما تحافظون على احترام قوانين هذه المجتمعات، واعلموا أن أمن هذه المجتمعات مسؤوليَّة شرعيَّة، وأمانة دينيَّة في رقابكم تُسألون عنها أمام الله تعالى، وإن صدر من القوانين ما يفرض عليكم مخالفة شريعتكم فالجأوا إلى الطُّرق القانونيَّة، فإنها كفيلة بردِّ الحقوقِ إليكم وحماية حريتكم.
كما أقول لشباب العالَم في الغرب والشرق: إن المستقبل يبتسم لكم، وعليكم أن تتسلحوا بالأخلاق وبالعلم والمعرفة، وعليكم أن تجعلوا من هذه الوثيقة دستور مبادئ لحياتكم، اجعلوا منها ضمانًا لمستقبل خال من الصراع والآلام، اجعلوا منها ميثاقًا بانيًا للخير هادمًا للشر، اجعلوا منها نهاية للكراهية.. عَلِّمُوا أبناءكم هذه الوثيقة فهي امتداد لوثيقة المدينة المنورة، ولموعظة الجبل، وهي حارسة للمشتركات الإنسانيَّة والمبادئ الأخلاقيَّة.. وسوف أعمل مع أخي قداسة البابا، فيما تبقَّى لنا من العُمرِ، ومع كل الرموز الدِّينيَّة من أجلِ حماية المجتمعات واستقرارها، وهنا يجب أن أُشيد بملتقى تحالف الأديان لأمن المجتمعات الذي انعقد هنا في أبوظبي نوفمبر الماضي وحظي بدعمٍ من الأزهر الشَّريف ومن الفاتيكان، وحضره عددٍ من قادة الأديان للقيام بمسؤوليتهم من أجل حماية كرامة الطفل.
.. .. ..
وختامًا: أتوجَّهُ بالشُّكْرِ الجزيل للأخ الكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد على رعايتِه لهذه المبادرةِ التاريخيَّةِ، واحتضانه «وثيقة الأخوَّة الإنسانيَّة» التي نرجو أن يكونَ لها ما بعدها من إقرارِ السَّلام بين الشعوب، وإيقاظ مشاعر المحبَّة والاحتِرام المتبادَل بين الغربِ والشَّرق وبين الشَّمالِ والجنوب.
كما أُقدم الشُّكر لسمو الشيخ عبد الله بن زايد ولكل الشباب المتميز الذي سهر على ترتيب هذا اللِّقاء وتنظيمه وإخراجه بهذه الصورة المشرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.