في عام 1992 كانت أول قضية لجماعة الإخوان والتي عرفت وقتها بقضية سلسبيل بقيادة خيرت الشاطر وحسن مالك، ولم يكن للجماعة في ذلك الوقت تواجد إعلامي أو سياسي كبير، وسرعان ما تفجرت التفاصيل حول الخطط المستقبلية من خلال الأوراق التنظيمية ومنها ما عرف بخطة أخونة الدولة (التمكين)، الأمر الذي دفع الحكومة إلى البحث عن مواجهة التحرك الإخواني، وفجرت مشاورات بين أطراف سياسية وأمنية لإحالة هذا الملف كاملا إلى القضاء العسكري، وكان وقتها وزير الداخلية محمد عبد الحليم موسى، وعلى قمة جهاز أمن الدولة اللواء مصطفى عبد القادر، وطلب وزير الداخلية دراسة مقترحات لإحالة الشاطر ورفاقه للمحكمة العسكرية. وتم تدارس الوضع لدى أمن الدولة لأنها ستكون المرة الثانية التي يحاكم فيها الإخوان منذ عهد الرئيس عبد الناصر، وكانت رؤية رئيس جهاز أمن الدولة منحازة لعدم المحاكمة العسكرية، وهو نفس الرأي الذي أيده وزير الداخلية عبد الحليم موسى، رغم اختلافه مع مطالب وتوجهات سياسيين كانوا حول الرئيس مبارك، ونجح موسى في إقناع مبارك برؤيته والعدول عن فكرة المحاكمة، لتجنب الصدام مع الإخوان في وقت كانت موجة الإرهاب فيه تحصد أرواح الأبرياء من المسئولين والمواطنين (مسيحيين ومسلمين)، وأغلق الملف عند هذا الحد وأرجأت فكرة المواجهة إلى حين لكنها لم تمت. كانت خطة التمكين هذه تشرح بالتفصيل ماذا يريد الإخوان وكيف سيحققون أهدافهم سواء الانتشار في طبقات المجتمع الحيوية والمؤسسات الفاعلة للسيطرة على الدولة ومفاصلها ومؤسساتها العسكرية والأمنية والدينية والقضائية والإعلامية والتعليمية، ولم يتوقع أحد أن تكون الخطة التي كشف النقاب عنها عام 92 ستطبق حرفيا مع بعض التعديلات الطفيفة في 2013 من خلال حصد غالبية مريحة في البرلمان وتشكيل الحكومة، التي سيكون الشاطر رئيسها أو أحد قيادات الجماعة على أن تضم ثلثيها من الإخوان والباقين متعاطفين معها ومن هم في حضنها وخرجوا منها وعادوا ملتفين بعباءتها من تيار الإسلام السياسي، وسيختفي من الحكومة الليبراليون والقوميون وكل القوى الثورية من أصحاب الثورة وصناعها ومن دفعوا الدم، لتبدأ الجماعة مرحلة التمكين الفعلي لوضع كوادرها على رأس جميع المؤسسات المهمة والتغلغل في القطاعات الطلابية ورجال الأعمال والمهنيين، وربما الأهم – ما تفعل الجماعة فعلا حاليا - وهو التعامل مع الولاياتالمتحدة والعالم الخارجي وأن تكون الرسالة المستمرة أنهم قوة للاستقرار والانضباط الشديدين، فالهدف الرئيسي هو السيطرة على الوزارات الخدمية والمرتبطة بالمجتمع ومنها: الشباب والرياضة، الإسكان، التموين، الصحة، التأمينات، الأوقاف، التنمية المحلية، الصناعة والتجارة، المالية، الإعلام، مع ترك وزارتي الدفاع والداخلية في المرحلة القريبة لمنع أي صدام داخل هاتين المؤسستين المنضبتين، وإن كانت الجماعة وأجنحتها تتدخل في عمل وزارة الداخلية، وساندت قيادات الإسلام السياسي في تولي ضباط كبار مسئوليات محددة داخل جهاز الأمن الوطني، وهؤلاء هم عيونهم التي يرون بها كل شيء تقريبا!! وهناك قيادات نافذة في الإخوان تحصل على تقارير ومعلومات كاملة عن الشأن العام وربما الخاص. سيكون عام 2013 هو البداية الحقيقية للتمكين في حالة استمرار الأوضاع كما يخطط لها الإخوان من إجراء الانتخابات البرلمانية بناء على الدستور الذي وضع لخدمة أهداف الفصيل ولإنفاذ عملية التمكين، رغم الانتقادات والاعتراضات الشديدة ومقاطعة المصريين ممن لهم حق التصويت ومن قالوا "لا" للدستور وعددهم 40 مليونا من أصل 51 مليونا لهم حق الانتخاب، ويبدو أن الرئيس محمد مرسي يعتبر بداية حكمه مع قسمه اليمين على الدستور الجديد – حسب قوله – المعبر عن إرادة الشعب (العشيرة) وليس جموع المصريين والذين قاطعوا أو رفضوا لدستور لم يحظ بنسبة 75% من عدد المصوتين. قيام الرئيس بأداء القسم للمرة الرابعة منذ تولية المسئولية في 30 يونيو يكشف أن الأيام المقبلة ستكون صعبة في ظل القسم على دستور أراده تيار الإسلام السياسي وبه مواد هناك توافق عليها بينهم تساعدهم في تنفيذ أهدافهم من خلال الدستور والقوانين المرتقبة من مجلس لم ينتخبه سوى 7 ملايين ناخب! ستخرج القوانين على وجه السرعة ليتم تطبيقها على أرض الواقع، بهدف تأسيس دولة الخلافة وهى ضمن البرنامج الانتخابي للدكتور مرسي والجماعة، وهو الهدف الأصلي من خوض الانتخابات الرئاسية، للوصول لما يطلقون عليه أستاذية العالم، وفي تقديري لن يكون هناك اهتمام بالقضايا اليومية من صحة وتعليم ونقل وغيرها، بل العمل على نقل مصر لدولة الخلافة، ولن تتوقف الحركة عن هذا التحول حتى لو اقتضي الأمر مطاردة المعارضين وكل من يقف أمام هذا المشروع باعتباره متآمرا سواء كانوا إعلاميين أوصحفيين أوقضاة أورجال أعمال ممن يمتلكون فضائيات لمحاولة إخضاعهم تحت طوع الجماعة، الأيام المقبلة ربما تشهد قرارات ظاهرها "الثورية"، لكن في حقيقتها تصفية حسابات مع الخصوم والمعارضين لتمهيد الطريق أمام الأخونة، وستنظم حملات تستهدف رموزا وطنية وقومية لتشويه صورتهم أمام الرأي العام والزعم بأنهم يخططون لقلب نظام الحكم والاستقواء بالخارج، خاصة الدكتور محمد البرادعي، والذي سانده الإخوان عقب مجيئه لمصر 2010، وشاركت قيادات الجماعة في جميع اللقاءات التي عقدها، وفي أحد اجتماعات مكتب الإرشاد قال قيادي إخواني: "البرادعي سيأتي لمصر ويبدو أن نزوله الآن بتوجيه أمريكي وعلينا دعمه والاستفادة من حركته والدعوات التي يطلقها للتغيير، هكذا يتعامل الإخوان مع مصالحهم ويبررون لأنفسهم متى يمنحون صكوك الوطنية أو التخوين!!".