تحول صراع التيارات المتأسلمة متفقًا مع أقلية مدنية ضد التيارات المدنية التي تدعم العسكري والقضاء والشرطة فأصبحوا أغلبية، وتأخونت الدولة وأصبحت سمًا يجري في عروق الدولة المدنية، ومما لاشك فيه أن الدولة في الأصل إسلامية وستظل إسلامية، فكلنا مسلمون، إخواني سلفي مدني بحري قبلي غربي شرقي، كلنا مسلمون والعبرة بالأفعال وكلنا يخطئ ويصيب ولسنا معصومين من الخطأ، وغير المسلمين لهم حق المواطنة في ظل الإسلام، ولنا ولهم حقوق وعلينا وعليهم التزامات في ضوء المعاملات، ولا تعارض بين الإسلام والمدنية لأن الاسلام دين والمدنية صفة، والعبرة بأفعال الناس. إذن لم يضيفوا إلى الدولة جديدًا لأن الإسلام موجود بالفعل والحمد لله ولكن أضافوا إليها الإرهاب والتطرف المادي والفكري بعد أن أطلق سراح ذلك الأسد من قفصه، الأسد المتطرف، فلا يتوقع منه إلا افتراس ضحاياه بكل شراسة ليعوض جوعه وعطشه للتطرف الذي طالما كبح جماحه طوال السنوات الماضية، وكل هذا تحت مسمى الدولة الإسلامية، ويا ليتها أصبحت إسلامية بحق، فمن منا يرفض أن يطبق شرع الله في الأرض؟ من منا يرفض القصاص في القتلى؟ من منا يرفض أن تكون النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص؟ من منا يرفض أن تقطع يد السارق؟ من منا يرفض أن يجلد الزاني أو يرجم؟ من منا يرفض حد القذف؟ من منا يرفض حد شرب الخمر؟ من منا يرفض تطبيق شرع الله إجمالا وتفصيلا؟ لا يرفض مسلم أبدًا ومن يرفض ذلك فقد عصى الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، لأن هذا كلام الله تعالي وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، والتي وجب تطبيقها من وعلى كل إنسان مسلم مكلف. فنحن لا نرفض شرع الله حاشا لله، ولكن نرفض الأشخاص الذين يدعون إلى تطبيق شرع الله من المتأسلمين والمنافقين، نرفض أشخاصهم ولا نزايد على أحد، فكل إنسان يعرف نفسه، نرفض كل فاسد ثبت فساده أيا كان انتماؤه وفساده بأدلة ثبوت قطعية أيا كان نظامًا سابقًا أولاحقا للثورة، نرفض كل إنسان ظهرت فيه آية من آيات النفاق بفعل ظاهر كالشمس، نرفض السارق الذي يريد أن يطبق شرع الله على سارق مثله ولا نرفض تطبيق حد السرقة، نرفض زانيًا يريد أن يطبق شرع الله على زان مثله ولا نرفض تطبيق حد الزنا، نرفض إرهابيًا قاتلا يريد أن يطبق شرع الله على قاتل مثله ولا نرفض القصاص، نرفض راجم الناس بالغيب وقاذفهم في أعراضهم أن يطبق شرع الله على قاذف مثله ولانرفض حد القذف، فنحن نطبق شرع الله إذا رفضنا أشخاصهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "إنما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد" رواه البخاري، وما روى أن سيدنا عمر ابن عبد العزيز "رحمه الله" لما استخلف وفد عليه قوم من أهل "سمرقند"، رفعوا إليه أن قتيبة قائد جيش الفتح الإسلامي دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فأمر سيدنا عمر "رحمه الله" بعقد محكمة لنظر تلك الشكوى ويكون مقرها "سمرقند" نفسها، وأقيمت المحكمة وأصدر القاضي المسلم حكمًا بإخراج المسلمين لأنهم دخلوها ولم يخيروا أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، ليندهش أهل "سمرقند" من هذا العدل ولتكون عاقبته دخول أهل "سمرقند" في دين الله، فهذه سماحة ورحمة الإسلام ويطبق هذه الرحمة من هو أهل للرحمة، فعظماء الإسلام لم يدوسوا بالأقدام على من خالفهم الرأي، بل هم أهل السماحة ففعلوها وأهل الرحمة فأحسنوها، وقال ابن تيمية: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة"، فأين هؤلاء المنافقون تجار الدين من كل هذا؟ لقد لعنهم الله ورسوله لعن المنافقين لعن من يطبق حد الله على غيره ويتشفع فيه لنفسه ومن يخصه، فهؤلاء من نرفضهم، وهؤلاء من يشوهون سمعة من يرفضهم بإلصاق هذا الرفض بالدين، وبالنسبة لهم من يرفضهم يرفض الدين، فما قيمتكم أيها المنافقون لكي تجعلو أنفسكم قرناء للدين؟ إن الله ورسوله بريء منكم، فأنتم عار على الإسلام، عودوا إلى رشدكم ولا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم، تخيلوا غضب الله ولعنته عليكم، تخيلوا حزن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أمته وعلى من يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله" نفاقًا، تخيلو من أرسل رحمة للعالمين وهو يرفض سلامكم وهو في روضته الشريفة، عودوا إلى رشدكم فستدفنون في قبور وستحاسبون، ولن تنفعكم إلا أعمالكم، ألم تقرأوا قوله تعالي "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملو حاضرًا ولا يظلم ربك أحدًا" 49 الكهف، وقوله تعالى "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ¤ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا" 103-104 الكهف. إذن لماذا هذا الكم الهائل من الجهل المقصود الذي يبث للعقول لتنفيذ أطماع دنيوية بحتة، لماذا نساعد أعداءنا على احتلال أوطاننا، لماذا كل من يخالفكم في الرأي كافر، لماذا تكفرون من يطالبون بإقرار مدنية الدولة تحت ظل الشريعة الإسلامية، نعم تحت ظل الشريعة الإسلامية، فالمشكلة ليست في المسميات أو الألفاظ، المشكلة في المعنى والذات، فمصر المدنية ليست كافرة، هناك اختلاط في المسميات والدلالات اللفظية والمعنوية، فالمدنية لا تعني الكفر والخروج على الملة، المدنية صفة تحضر ورقى بين البشر، ودين الإسلام دين تحضر ورقى، ولا تضاد بين المدنية والدين، فلماذا لا تكون مصر مدنية راقية متحضرة تحت ظل الشريعة الإسلامية؟ فيا أهل مصر، أنقذوا مصر من الموت، مصر ترقد على سرير الجهل في مشفى المنافقين، انقذوا مصر قبل فوات الأوان، لأنه سيأتي يوم سيستيقظ فيه الجميع على كارثة أن مصر المدنية ماتت، وسيندم كل إنسان كان ضد العسكري والشرطة والقضاء وسيطلب توحيد الصف مع الجبهات والتيارات المدنية التي تدعم العسكري ولكن هيهات، فوقتها ستكون ذبحت مصر وماتت، والموتى لا يعودون، وإذا اشتقنا لمصر فلنذهب إلى قبرها ونترحم عليها، أونموت لندفن إلى جوارها.