قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن السنة النبوية الشريفة جاءت بالترخيص في لبس الذهب اليسير للرجال إذا كان تابعًا لغيره -مضافًا إلى غيره-؛ لِمَا في الذهب من مقاومة البِلَى والصدأ. وأضاف المفتي في إجابته عن سؤال «حكم لبس الساعة ذات العقارب الذهبية» أن باب اللباس في ذلك أوسع من باب الآنية، وبذلك جاءت نصوص الفقهاء؛ فأجاز الحنفية مسمار الذهب لتثبيت فص الخاتم، وأجاز المالكية الحبة والحبتين فيه، وأجاز الحنابلة تحلية آلات الحرب بالذهب، ويسير الذهب التابع لغيره، وميل الذهب في الاكتحال. وأوضح أن الآراء السابقة تقتضي إباحة لبس الساعة للرجال إذا كانت عقاربها أو إطارها أو أرقامها أو نحو ذلك من الذهب؛ عملًا بالرخصة الواردة في ذلك، وأخذًا بقول من أباح ذلك من العلماء؛ بناءً على أن عقارب الذهب في الساعة يسيرة وتابعة لا مستقلة مُفرَدة. وأكد الدكتور شوقي علام أنه ورد النهي في الشرع عن لبس الذهب للرجال؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهِمْ» رواه الإمام أحمد في "المسند»، والترمذي في "جامعه" وصححه، والنسائي في "المجتبى". ونبه على أنه جاء في السنة الشريفة الترخيصُ في لبس الذهب اليسير للرجال إذا كان تابعًا لغيره؛ كفص ذهب في خاتم فضة، فروى الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود في "السنن"، والنسائي في "المجتبى"، عن معاوية بنِ أبي سُفيان رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: «نَهَى عن لُبْسِ الذَّهَبِ إلا مُقطَّعًا»، وإسناده حسن، مشيرًا إلى أن الإمام شمس الدين بن مفلح الحنبلي [ت763ه] في "الآداب الشرعية" (3/507، ط. عالم الكتب) نقلًا عن القاضي أبي بكر الخلال: [وتفسيره: الشيء اليسير منه، فعلى هذا لا يُباح إلا أن يكون تابعًا لغيره، فأما أن يلبسه مفردًا فلا؛ لأنه لا يكون مقطعًا]. وبيّن مفتي الجمهورية الحكمة في الترخيص في يسير الذهب إذا كان تابعًا لغيره: أنه مقاوم للبِلَى ولا يصدأ كغيره من المعادن، وقد روى ابن بشران في "أماليه" (ص: 242، ط. دار الوطن) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وآله وسلم: «وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا» [الكهف: 82] قَالَ: لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ؛ لأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَنْقُصُ وَلَا يَصْدَأُ»، قال الحافظ الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص: 67، ط. مؤسسة الكتب الثقافية): [الخالص من الذهب لا يحمل الخبث، ولا يقبل الصدأ، ولا تنقصه النار، ولا يغيره مرور الأوقات]. وأشار إلى أنه نص كثير من فقهاء المذاهب المتبوعة على إباحة اليسير من الذهب إذا كان تابعًا لا مفردًا، كما نصُّوا على أن علة إباحته: قدرته على مقاومة الصدأ، وعدم البِلَى، وعلى اختلافهم في بعض تفصيلات ذلك فإن عقارب الساعة تدخل في الصور التي نصوا على إباحتها: فأجاز الحنفية مسمار الذهب لتثبيت الفص؛ لأنه تابع في الاستعمال لا أصلي، وعقارب الساعة من هذه القبيل، بل أجاز الإمام محمد بن الحسن شد الأسنان بالذهب، وعن الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف في ذلك خلاف: قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية شرح البداية" (4/367، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال: "ولا بأس بمسمار الذهب يجعل في حجر الفص" أي: في ثقبه؛ لأنه تابع كالعَلم في الثوب، فلا يعد لابسًا له. قال: "ولا تُشدُّ الأسنان بالذهب، وتُشَدُّ بالفضة" وهذا عند أبي حنيفة، وقال محمد: لا بأس بالذهب أيضًا، وعن أبي يوسف مثل قول كل منهما] اه. قال الإمام العيني في "البناية" (12/119، ط. دار الكتب العلمية): [وذكر في "الأمالي" عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لم يرَ بالذهب بأسًا أيضًا]. وتابع: وقال الإمام برهان الدين البخاري الحنفي في "المحيط" (5/349، ط. دار الكتب العلمية): [العبرة في الحظر والإباحة للخدَم لا للفص، وهو المذهب؛ لأنه إنما يصير مستعملًا للحلقة لا للفص، قال: ولا بأس بمسمار الذهب يُجعل في الفص؛ يريد به المسمار ليحفظ به الفص، وإنما لا يكره ذلك لأنه تابع للفص، ولأنه لا يتزين به في العادة؛ لأنه لا يظهر ولأنه قليل، فصار كالقليل من الحرير، وقد ورد في القليل من الحرير نص، وهو قدر أربعة أصابع]. واستدل بأن المالكية أجازوا مسمار الذهب في الخاتم، فقد أجازوا فيه أيضًا الحبة والحبتين من الذهب؛ حفاظًا عليه من الصدأ، على خلافٍ عندهم في إباحة ذلك وكراهته: قال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (4/269، ط. مطبعة السعادة): [وفي "العتبية" من رواية سماع ابن القاسم عن مالك: أنه كره أن يجعل في خاتمه مسمار ذهب أو يخيط بقبضته منه حبة أو حبتين لئلا يصدأ، وهذا أخف من اتخاذه من محض الذهب]. وجاء في "البيان والتحصيل" للإمام ابن رشد المالكي (6/448، ط. دار الغرب الإسلامي): [مسألة: وسُئِلَ عن الرجل يجعل في فص خاتمه الحبة والحبتين من الذهب يخلطه معه يريد بذلك ألا تصدأ فضتُه: كرهه أيضًا، وقال محمد بن رشد: مسمار الذهب في الخاتم كالعَلم من الحرير يكون في الثوب، فمالك يكره ذلك، وغيره يجيزه ولا يرى فيه كراهة؛ فمن تركه على مذهب مالك أُجِر، ومن فعله لم يأثم؛ لأن هذا هو حد المكروه، وعلى مذهب غيره هو من المباح لا إثم في فعله ولا أجر في تركه]. وولفت إلى أن الحنابلة أجازوا من الذهب ما دعت الضرورة إليه، وعندهم في تحلية آلة الحرب بالذهب وجهان، واحتج الإمام أحمد بما رُوي عن السلف من تحلية سيوفهم بالذهب، ونقلوا عن أبي بكر الخلال إباحة اليسير من الذهب، واختلفوا في توجيه هذا النقل عنه؛ هل مراده ما كان تابعًا، أو على الإطلاق؟ كما أن من الضوابط الفقهية عندهم في المرخص فيه من الذهب أن باب اللباس أوسع من باب الآنية، وذكر ابن تيمية أن إباحة يسير الذهب التابع لغيره؛ كالطرز ونحوه، هو أصح القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره، كما أحد الفقهاء الاكتحال بميل الذهب، وعللوا إباحة اليسير من الذهب بكونه لا يصدأ بخلاف غيره. وذكر المفتي قول الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/45-46، ط. مكتبة القاهرة): [وأما الذهب: فيباح منه ما دعت الضرورة إليه، كالأنف في حق من قطع أنفه؛ لما روي «عن عبد الرحمن بن طرفة، أن جده عرفجة بن أسعد رضي الله عنه قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفًا من ورق فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاتخذ أنفًا من ذهب» رواه أبو داود. وقال الإمام أحمد: ربط الأسنان بالذهب إذا خشي عليها أن تسقط قد فعله الناس، فلا بأس به عند الضرورة، وروى الأثرم، عن موسى بن طلحة، وأبي جمرة الضُّبَعي، وأبي رافع، وثابت البُناني، وإسماعيل بن زيد بن ثابت، والمغيرة بن عبد الله: أنهم شدوا أسنانهم بالذهب، وعن الحسن، والزهري، والنخعي، أنهم رخصوا فيه، وما عدا ذلك من الذهب، فقد روي عن أحمد رحمه الله الرخصة فيه في السيف. واستكمل: وقال الأثرم، قال أحمد: قد روي أنه كان في سيف عثمان بن حنيف رضي الله عنه مسمار من ذهب، قال أبو عبد الله: فذاك الآن في السيف. وقال: إنه كان لعمر رضي الله عنه سيف سبائكه من ذهب، من حديث إسماعيل بن أمية، عن نافع. وروى الترمذي بإسناده عن مَزيدة العَصَري رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة". وروي عن أحمد رواية أخرى تدل على تحريم ذلك. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: يخاف عليه أن يسقط يجعل فيه مسمارًا من ذهب؟ قال: إنما رخص في الأسنان، وذلك إنما هو على الضرورة، فأما المسمار، فقد روي: «من تحلى بخريصيصة، كوي بها يوم القيامة». قلت: أي شيء خريصيصة؟ قال: شيء صغير مثل الشعيرة. وتابع: وروى الأثرم أيضًا، بإسناده عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، قال: «من حلي، أو تحلى بخريصيصة، كوي بها يوم القيامة، مغفورًا له أو معذبًا»، وحكي عن أبي بكر من أصحابنا، أنه أباح يسير الذهب، ولعله يحتج بما رويناه من الأخبار، وبقياس الذهب على الفضة، ولأنه أحد الثلاثة المحرمة على الذكور دون الإناث، فلم يحرم يسيره كسائرها، وكل ما أبيح من الحلي فلا زكاة فيه إذا كان مُعَدًّا للاستعمال. وورد في "مجموع الفتاوى" (25/64، ط. مجمع الملك فهد)-: [وباب اللباس أوسع من باب الآنية؛ فإن آنية الذهب والفضة تحرم على الرجال والنساء، وأما باب اللباس: فإن لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق، ويباح للرجل ما يحتاج إليه من ذلك، ويباح يسير الفضة للزينة، وكذلك يسير الذهب التابع لغيره؛ كالطرز ونحوه، في أصح القولين في مذهب أحمد وغيره؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الذهب إلا مقطعًا]، وقال الإمام شمس الدين بن مفلح الحنبلي في "الآداب الشرعية" (4/159-160، ط. مؤسسة الرسالة): [يحرم يسير الذهب مفردًا كخاتم ونحوه، ويكره تبعًا، وقيل: لا يُكره إلا ما ذكر، كذا في "الرعاية"، وقال في "التلخيص": يباح يسير الذهب للضرورة، ولغير ضرورة يحرم في أصح الوجهين. واستطرد: وقال في "المستوعب": يحرم على الرجال لبس الذهب إلا من ضرورة، وذكر أبو بكر أن يسير الذهب مباح، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "نهى عن لبس الذهب إلا مقطعًا"، قال: وتفسيره: الشيء اليسير منه؛ فعلى هذا لا يباح إلا أن يكون تابعًا لغيره، فأما أن يلبسه مفردًا فلا؛ لأنه لا يكون مقطعًا، قال في "الرعاية": وفي قبيعة سيفه ونحو ذلك من ذهب وجهان، وقيل: يباح يسيره تبعًا لغيره، وقيل: مطلقًا، وقيل ضرورة، وقال ابن حمدان: أو حاجة لا ضرورة، وقيل: بل كل ما يباح تحليته بفضة يباح بذهب، وقيل بيسير، كذا ذكره، وقال ابن تميم في إباحة تحليته: كل ما يباح تحليته بفضة يباح بيسير الذهب وجهان. واختلف ترجيح الأصحاب في تحلية قبيعة السيف والمنطقة بذهب، وفي المنطقة روايتان، وكذا تحلية خاتم الفضة، وقال ابن تميم: وعنه تحرم قبيعة السيف من الذهب، فيحرم في غيره مما تقدم وجهًا واحدًا. ونوه رود في كتاب "الرعاية" في الزكاة: وتباح قبيعة سيفه وشعيرة سكينه، وقيل: لا يباحان، وهو بعيد، وقيل: يباح يسيره في السيف لا في السكين، ويحرم تحلية كمراته، وخريطته، ودرجه، بذهب أو فضة، ويحتمل الإباحة، وفي جواز تحلي جوشنه، ومغفره، وخوذته، ونعله، وخُفِّه، وحمائل سيفه، ونحوها، ورأس رمحه: وجهان مشهوران، وما اتخذه من ذلك ونحوه لتجارة أو كراء أو سرف أو مباهاة ونحو ذلك كُرِهَ وزُكِّيَ، ولم يذكر بعضهم السرف والمباهاة]، وقال العلامة البرهان بن مفلح الحنبلي [ت884ه] في "المبدع شرح المقنع" (2/366، ط. دار الكتب العلمية): [والحكمة في الذهب: أنه لا يصدأ، بخلاف الفضة]. وألمح إلى قول العلامة المرداوي في "الإنصاف" (1/83، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: يباح يسير الذهب، قال أبو بكر: يباح يسير الذهب، وقد ذكره المصنف في باب زكاة الأثمان، وقيل: يباح لحاجة، واختاره الشيخ تقي الدين، وصاحب "الرعاية"، وأطلق ابن تميم في الضبة اليسيرة من الذهب الوجهين. قال الشيخ تقي الدين: وقد غلط طائفة من الأصحاب؛ حيث حكت قولًا بإباحة يسير الذهب تبعًا في الآنية عن أبي بكر، وأبو بكر إنما قال ذلك في باب اللباس والتحلي، وهما أوسع. وقال الشيخ تقي الدين أيضًا: يباح الاكتحال بميل الذهب والفضة لأنها حاجة، ويباحان لها، وقاله أبو المعالي ابن منجا أيضًا].