ارتبط شهر رمضان بالكثير من الشعائر وفرضت فيه طائفة من العبادات الدينية وكانت فيه أكبر الفتوحات في الحضارة الإسلامية، وكذلك ارتبط من جهة أخرى بالحضارة الإسلامية متمثلة في أعلامها، ففيه كانت أحداث متعلقة بشخصيات عدة من أعلام التاريخ الإسلامي الذين أثروا في حضارة الإسلام من جوانب شتى، ففيه توفى بعض آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم). ففي العاشر من رمضان بعد عشر سنين من البعثة النبوية الشريفة وقبل ثلاث سنوات من الهجرة توفيت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد زوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ريحانة الدار. وكانت أول امرأة تشرفت بالإسلام، ودورها ومكانتها في تثبيت الدين الحنيف ونشره أكبر من أن يخفي على أحد "رضي الله عنها"، كما توفيت في الثالث من رمضان سنة إحدى عشرة للهجرة السيدة فاطمة الزهراء "رضى الله عنها" بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وزوج علي بن أبي طالب "رضى الله عنه" وأم سبطي الرسول الحسن والحسين "رضى الله عنهما"، وكان الحسين "رضى الله عنه" ولد في الخامس عشر من شهر رمضان أيضًا سنة ثلاث للهجرة، وفي السادس عشر من رمضان سنة 58 ه توفيت السيدة عائشة أم المؤمنين "رضى الله عنها" زوج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد توفيت بعده بسبعة وأربعين عامًا ودفنت في البقيع، وكان عمرها آنذاك سبعة وستين عامًا، وكانت من أحب نساء الرسول إليه. وقد ولد في رمضان كثير من علماء الحضارة الإسلامية، وتوفى فيه آخرون، ففي الثلاثين من رمضان سنة 256 ه توفي الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، أمير المؤمنين في الحديث وصاحب "صحيح البخاري" أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وفي الثاني والعشرين من رمضان سنة 273 ه توفى الإمام الحافظ أبو عبدالله بن ماجة القزويني، صاحب "سنن ابن ماجة" أحد كتب السنة الستة المشهورة التي يعتمد عليها جمهور المسلمين في معرفة حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفي الثاني عشر من رمضان سنة 567 ه توفي عبدالرحمن بن الجوزي الشيخ الحافظ الواعظ أحد العلماء المبرزين في العلوم الإسلامية المختلفة، وفيه سنة 672 ه توفى أبو عبدالله بن مالك الحياني صاحب ألفية ابن مالك المشهورة في علم النحو، وفي السادس عشر من رمضان سنة 845 ه توفى أحمد بن علي المقريزي المؤرخ المشهور وصاحب كتاب "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار". وممن ولد في هذا الشهر سنة 544 ه المفسر والأصولي الكبير فخر الدين الرازي صاحب تفسير القرآن الكريم المعروف باسم "مفاتيح الغيب" وقد تجاوزت مؤلفاته المائة كتاب في شتى العلوم، وفي الثاني من رمضان سنة 732 ه ولد في تونس المؤرخ والفيلسوف العربي المسلم عبدالرحمن بن خلدون رائد علم الاجتماع الذي تعد بحوثه ودراساته سبقًا في كثير من العلوم والفنون، وقد توفى في السادس والعشرين من رمضان سنة 808 ه، وفي السادس عشر من رمضان أيضًا سنة 1307 ه الموافق السادس من مايو سنة 1890 م ولد العالم الكبير حسنين محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية وأحد أعلام الفقه في العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الهجري، وقد توفى أيضًا في التاسع عشر من رمضان سنة 1410 ه الموافق الخامس عشر من أبريل سنة 1990 م. ومما شرفت به مصر في هذا الشهر أنه في السادس والعشرين من رمضان سنة 193 ه وصلت السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي "رضى الله عنهم" إلى القاهرة، والسيدة نفيسة من شهيرات آل بيت النبوة، كانت عالمة عابدة دينة خيرة، تزوجها ابن عمها إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق، ورحلت معه من المدينةالمنورة إلى مدينة الخليل لزيارة قبر أبينا إبراهيم "عليه السلام"، ثم توجهت إلى مصر، فلما وصلت إلى العريش استقبلها أهلها بالتكبير والتهليل، ثم انتقلت من العريش متوجهة إلى القاهرة القديمة حيث استقرت فيها. وكان أمراء مصر يعرفون قدرها، حتى إن ابن طولون وقف بموكبه لها ذات يوم وكان الناس لجأوا إليها فأعطته رقعة كتبت فيها تخاطبه قائلة: ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة، لاسيما من قلوب أوجعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، فرجع ابن طولون عن ظلمه لوقته. (انظر: أعلام النساء187/5).. فاللهم أكرمنا بمن في بلادنا من آل بيت نبيك، وصحابته الكرام، وأولياء الله الصالحين، وشرفنا بمجاورتهم في جنتك.. وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. نقلا عن "الأهرام"