في اليوم الذي يحتفل فيه اللبنانيون بعيد المقاومة وتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي ، فإن الفراغ في الرئاسة اللبنانية يتم عامه الأول في ذات اليوم.. في حين لا تظهر في الأفق مؤشرات على حل الأزمة السياسية في البلاد بل على العكس هي مرشحة للتصاعد. ففي 25 مايو من عام 2014 أنهى الرئيس اللبناني السابق العماد ميشال سليمان ولايته التي بدأها في 25 مايو 2008.. بعد أن توافق عليه اللبنانيون في إتفاق الدوحة عقب أزمة سياسية مماثلة أدت إلى فراغ رئاسي عقب انتهاء ولاية الرئيس الأسبق العماد إميل لحود استمرت نحو ستة أشهر. وإذا كان الفراغ الرئاسي الذي سبق تولي ميشال سليمان كان تعبيرا عن أزمة لبنانية وإقليمية فإن هذا الخلاف إزداد إتساعا بسبب الحرب السورية والأزمات الأخرى في المنطقة مثل الأزمة اليمنية والعراقية التي تنعكس جميعها على لبنان. وتزداد خطورة الأزمة الرئاسية الحالية نظرا لأن العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر وحليف حزب الله المقرب لم يكن في المرة السابقة يبدي هذه الرغبة الصريحة والواضحة في تولي الرئاسة. فعون الذي تخطى الثمانين بداية هذا العام يعتبر أن هذه فرصته الأخيرة ، وهو يرى أن توليه منصب الرئاسة اللبنانية ليس حقا شخصيا ولكنه حقا للمسيحيين باعتباره أكبر زعيم سياسي مسيحي ويبرر ذلك بأنه مثلما يختار التحالف الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل رئيس مجلس النواب (أعلى منصب شيعي بالبلاد) الذي يتولاه رئيس حركة أمل نبيه بري منذ عام 1992، ويختار تيار المستقبل عادة رئيس الوزراء (أعلى منصب سني في البلاد ) فإن من حق تكتل التغيير والإصلاح الذي يتزعمه عون أن يسمى رئيسا للبلاد (باعتباره المنصب الأساسي للطائفة المسيحية المارونية)، خاصة أنه يلقى تأييدا من معظم كتل قوى 8 آذار، كما أنه يعد رجل المسيحيين القوي وقائد سابق للجيش، ولن يكون رئيسا توافقيا ضعيفا أو رئيس ظل كما يقول العونيين. ويعتبر عون أن حجب الرئاسة عنه هو ظلم للمسيحيين وتهميش سياسي لهم، وليس فقط موقف سياسي منه أو من تياره. أما حزب الله حليف عون ، ففي السابق لم يكن يعلن دعمه لترشيح عون للرئاسة بشكل واضح، ولكن في الفترة الأخيرة أعلنها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وقادة الحزب مرارا وبشكل لا لبس فيه "عون مرشحنا والمكلف بالتفاوض في ملف الرئاسة وأنه لابديل عن انتخاب عون"، ولذا تقاطع كتل قوى 8 آذار بقيادة عون وحزب الله جلسات مجلس النواب اللبناني مما يحول دون استكمال نصاب الثلثين اللازم لعقد جلسة انتخاب الرئيس وفقا التفسير الذي يتبناه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للدستور اللبناني. في المقابل فإن قوى 14 آذار بقيادة تيار المستقبل يصعب عليها لأسباب عديدة أن توافق على ترشيح عون رئيسا ، فحصول عون على الرئاسة معناه انتصار لقوى 8 آذار يخل بالتوازنات السياسية للبلاد وهو أمر لن يقبله تيار المستقبل لأسباب عديدة منها خلافه التقليدي مع عون الذي كان يهاجم التيار بشكل حاد ،كما أن التيار يرى أن عون لايعد رئيسا توافقيا حتى لو انفتح على المستقبل في الفترة الأخيرة، فبالتالي وصوله للحكم يعد انتصار ل8 آذار بل لحلف دمشقطهران حزب الله وهوأمر غير مقبول لا إقليميا ولا دوليا..وفقا لرؤية المستقبل. كما أن مسيحي قوى 14 آذار وخاصة حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وحزب الكتائب اللبنانية برئاسة الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل يرفضون وصول عون للرئاسة ليس فقط بسبب الخلافات التاريخية بينهم ، ولكن أيضا لأن وصول عون معناه اعتراف بزعامته للوسط المسيحي في لبنان ، مما سينعكس عليهم سلبا ، إضافة إلى الخلافات حول ملفات عديدة منها الموقف من الأزمة السورية وسلاح حزب الله. ورغم الحوار المستمر بين التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون وغريمه السياسي التاريخي سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية (ثاني أكبر قوة مسيحية ) والذي يعد اختراقا كبيرا لجدار العدوات القديمة في الوسط المسيحي فإن هذا الحوار لم يحل بل لم يقترب حتى الآن من أزمة الفراغ الرئاسي التي استهلت عامها الثاني،واقتصر الحوار على قضايا متفق عليها من الجانبين مثل تعديل قانون الانتخابات لينصف المسيحيين. وتزداد حدة الأزمة السياسية في البلاد مع تلويح العماد ميشال عون بالتصعيد بعد أن طرح مبادرة لحل الأزمة تتضمن أربعة مقترحات حلول أولها اعتماد الانتخابات الرئاسية من الشعب مباشرة على مرحلتين الأولى مسيحية والثانية وطنية، أو القيام بإستفتاء شعبي ومن ينتخب الشعب للرئاسة ينتخبه المجلس النيابي، أو انتخاب مجلس النواب للرئيس من بين القيادات المسيحية الأكثر تمثيلا، ورابعا انتخاب المجلس النيابي قبل انتخاب رئيس الجمهورية، مع اعتبار أول ثلاثة حلول تسوية والحل الرابع هو الحل الدستوري". وهي الحلول التي اعتبرها خصوم عون السياسيين أنها غير دستورية ، في حين ألمحت وسائل إعلامية مقربة من عون مرارا إلى إمكانية استقالة وزراء تكتل عون من مجلس الوزراء وتعريض وجود الحكومة للخطر في ظل مايعتبره تعنتا من قبل الأطراف الأخرى. وزاد الأمر تشابكا جراء اقتراب موعد ولاية قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في مقدمتهم منصب قائد الجيش حيث يطالب عون بعدم التمديد لهم ، وتعيين قادة جدد ، وهو يرى أن الأحق بمنصب قائد الجيش هو زوج ابنته العماد ميشال روكاز الأمر الذي يرفضه معظم خصوم عون السياسيين (بل حتى يتحفظ عليه بعض حلفائه)، إذ يرفضون فكرة تعيين روكاز خاصة في ظل رغبة عون في تولي الرئاسة ويرون أنه غير مقبول أن يجمع عون بين المنصبين ، ويلمحون إلى إمكانية منح روكاز منصب قيادة الجيش مقابل تخلي عون عن طموحه في الرئاسة الأمر الذي يرفضه الأخير تماما. ولذا هناك تفكير في التمديد لروكاز الخدمة إلى حين حلول موعد هذه التسوية التي يرفضها عون حتى الآن. أما أكثر الغاضبين من الفراغ الرئاسي في لبنان فهو البطريرك الماروني اللبناني بشارة بطرس الراعي الذي يخشى أن تؤدي صراعات ومناكفات القادة المسيحيين في البلاد لإضعاف هيبة ومكانة منصب الرئاسة بعد أن تراجعت سلطات هذا المنصب أصلا . ورغم ضبابية المشهد اللبناني في ظل امتداد الفراغ في الرئاسة إلى تعطيل مجلس النواب وشلل العمل الحكومي إلا أن القادة اللبنانيين أثبتوا دوما قدرتهم على مفاجأة الجميع بالوصول إلى حلول وسط تجنب البلاد الإحتراب الداخلي كما قدموا نموذجا ،لافتا للمنطقة في القدرة على إدارة الخلافات بل حتى إدارة الفراغ في أعلى منصب في البلاد.