وكأن ثأراً بين مؤسساتنا الصحفية القومية ، وبين القائمين حالياً على إدارة هذه المؤسسات بالمجلس الأعلى للصحافة ، وعدد لا بأس به من أعضاء لجنة الخمسين التى أعدت مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام ، ومن بينهم أعضاء من مجلس نقابة الصحفيين!! فبعد أن تخيلنا أن دماء جديدة سوف تسرى فى عروق مؤسساتنا الصحفيىة القومية – بعد ثورتين - وأن إصلاحاً سيتم فى آليات العمل بها ، والإنطلاق بها عبر قانون ، وهيئة وطنية جديدة للصحافة ، تواجه كل سلبيات القانون الراهن الذى يحكمها ، وتحمى العاملين بها ، وتخاف على مصالحهم.
إذا بنا نجد مشروع قانون تزعم صياغته ، وإعداده جلال عارف ، وصلاح عيسى ،ومعاونوهم - المناضلون القدامى - الذين طالما ملأوا رؤوىسنا بالحديث عن الشفافية ، والحرية ، والإدارة عبر الإرادة الحرة للناخبين ، ليفاجئونا بمشروع قانون يُكرس الوضع الراهن بمؤسساتنا والإبقاء على حالتها ، فى إتجاه التبعية المطلقة للدولة ومن يمثلها وإقرار الغلبة لمبدأ التعيين بالقانون ، بل وسحب بعض المزايا النسبية التى كانت موجودة لأعضاء الجمعية العمومية المنتخبة بهذه المؤسسات!! لقد ضرب قانون " جلال " و" صلاح " بعرض الحائط كل الجهود ، السابقة التى استمعت فيها لجان الاستماع لما أراده العاملون بمؤسساتنا، بل وضربت بعرض الحائط مشروع القانون نفسه الذى ساهمت فيه هذ الجنة وكأن شيئاً لم يكن ، وكأن أحداً من صحفيى مؤسساتنا لم يتحدث لقد طالبنا من لجنتنا الموقرة أن تجعل من نسبة المُنتخبين فى مجالس الإدارة ، والجمعيات العمومية هى الأعلى حتى يكون لإرادة الناخبين والعاملين فى المؤسسات اليد العليا فى الإدارة ، بدلاً من النظام السابق الذى يتيح النسبة الأعلى للمعينين ، إذا بنا نجد نفس الحرص على العودة إلى نفس النظام فى مشروع القانون الجديد الذى يحدد 5 منتخبين ، و6 تقوم الهيئة الوطنية للصحافة بتعيينهم هم ، بالإضافة إلى رئيس مجلس الإدارة الذى تعينه الهيئة ! الوضع لم يتغير أيضاً فى الجمعية العمومية ، حيث تشير المادة 74 فى مشروع القانون الجديد إلى أن يصبح عدد أعضاء الجمعية العمومية 24 عضوا منهم 12 منتخبين ، و12 تعينهم الهيئة ، منهم 8 من الصحفيين من العاملين بالمؤسسة و4 من الخبرات! الأغرب أن المشروع الجديد قد ألغى مادة هى الأهم فى دور الجمعية العمومية وهو "رفع الإقتراح بحل مجلس الإدارة في حالة إخلاله بواجباته "..!! ووضع– مشروع جلال وصلاح – عائقاً أمام الإرادة الحرة للعاملين بالمؤسسات " بأنه لايجوز إعادة إنتخاب أعضاء مجلس الإدارة والجمعيات العمومية أكثر من دورتين " .. فى سابقة جديدة تحجر على إرادة اختيار العاملين لناخبيهم ، وكأنها تُعاقبهم على " ثقتهم" فيمن يرون فيه جديراً بتمثيلهم! وفى اختيار رئاسة التحرير داخل إصدارات المؤسسات يُطالب مشروع القانون بأن تقوم الهيئة الوطنية للصحافة ، بتشكيل لجنة من الأعضاء المنتخبين بالجمعية العمومية ، وبمجلس الإدارة ، وشخصيات من الخبرات الصحفية بداخل كل مؤسسة لعضوية اللجنة ، وتقوم اللجنة بترشيح ثلاثة لرئاسة تحرير كل إصدار ، وفقاً للشروط المنصوص عليها بالقانون ، وتختار الهيئة واحداً من الثلاثة ، أما رئيس مجلس الإدارة ، فهو يكون من إختيار الهيئة الوطنية للصحافة وحدها دون تدخل من أحد سواها! وفى الوقت نفسه لم يشر مشروع القانون ، إلى ضرورة الفصل بين منصبى رئاسة مجلس الإدارة ورئاسة التحرير ، وترك الباب موارباً دون حسم للجمع بين المنصبين ، فى إشارة إلى إمكانية حدوث هذا ، والإبقاء عليه! وإمعاناً فى ترك كبار الصحفيين ، عرضةً لهوى الإدارة ، فقد طالب مشروع القانون " أن يكون سن التقاعد فى المؤسسات الصحفية القومية ستين عاماً ، ويجوز فى حالة الضرورة المد سنة فسنة حتى سن الخامسة والستين ، بقرار من الهيئة الوطنية للصحافة بناء على طلب مجلس إدارة المؤسسات على ألا يتولى أحد منصباً قيادياً بعد سن الستين". هذا بعض ماتضمنه قانون جلال عارف وصلاح عيسى ومساعديهم ، والذى غفل وتغافل عن كثير من المقترحات والمطالب الحقيقية للعاملين داخل المؤسسات الصحفية القومية ، وهى المطالب التى لاتختلف كثيراً عن تلك المبادئ التى حملتها شعاراتهم فى الماضى ، وكانوا خلالها ينتقدون مُمالئى السلطة على حساب المهنة والمؤسسات والعاملين فيها .. ليتحولوا بقدرة قادر إلى السلطة ذاتها دون إعتبار لكل هذه الشعارات! إن القانون بهذا الشكل يُكرس كل ماكان موجوداً فى السابق وأسوأ ، وهو لا يجعل من إرادة العاملين بها أية قيمة ، ويجعل منهم " موظفين " ينتظرون من السلطة الهبة والعطايا ، وضمان البقاء فوق كرسى القيادة على قاعدة "الولاء" قبل الكفاءة. .. ملعونة هذه الكراسى التى تحول المناضلين ، إلى طالبى سلطة " ومنافقى " كل العصور ، أما نحن فلن نكست على هذا !!