مساء الثلاثاء الماضي اتصلت هاتفيا بصديقي الفنان الكبير عادل امام عقب صدور الحكم بتأييد حبسه ثلاثة شهور بتهمة أزدراء الاديان في القضية التي رفعها ضده المحامي السلفي عسران منصور والتي احدثت ضجة كبري داخل وخارج مصر لانها بكل صراحة ووضوح محاولة لإغتيال الإبداع الفني مع سبق الإصرار والترصد. وقد جاءني صوت عادل امام عبر الهاتف كعادته دائما قويا ومرحا ومؤكدا انه لن يعقب علي احكام القضاء التي يحترمها وانه كلف محاميه بتقديم استئناف في القضية التي تطارده منذ عدة شهور. وقد احترمت اصرار عادل امام علي التزامه الصمت وعدم الخروج باية تصريحات صحفية لوسائل الإعلام او حتي الدردشة مع اصدقائه في هذا الشأن الذي لاشك انه واجه ردود افعال قوية من داخل وخارج الوسط الفني فهو يمثل ردة، الهدف منها عودتنا لعصور الظلام ومحاكم التفتيش واغتيال حرية الإبداع ومصادرة حق المبدعين في التعبير عن ضمير ووجدان الامة فالفنان هو الاداة التي تجسد كل تلك المفردات ويحمل علي عاتقه ليل نهار كل مشاعل التنوير التي تدعو للخير والجمال والحب والتسامح وتطهير النفوس من كل الشرور وامراض الغل والغدر والإنتقام في محاولة لخلق المجتمع المثالي الذي يوفر الامن والامان لابنائه. وقد عشت بجوار عادل امام لاكثر من 53 عاما وحضرت تصوير معظم افلامه الشهيرة وحضرت ايضا كل مسرحياته وامضيت معه ساعات الليل والنهار في كواليس مسلسلاته التليفزيونية ووجدته دائما مهموما بقضايا وطنه واهله وناسه باعتباره من طين هذه الارض وابنا بارا من ابنائه عاش سنوات طفولته وشبابه بين ابناء المناطق الشعبية واكتسب منهم كل صفات الشهامة والرجولة والجدعنة ولم ينسلخ عنهم ابدا وصار سفيرا لهم ومعبرا عنهم وصوتا مدويا يحذر وينبه من خطورة انفجار ملفات الجوع والفقر والحرمان والفساد السياسي والتطرف الديني وتضخم الثروات وبيع النفوس وخراب الذمم في مجالات الإستثمار ونهب وسرقة اموال الناس الغلابة وسيطرة اصحاب النفوذ علي مقدرات هذه الامة واهمال حقوق المواطن في الحياة الكريمة والرعاية الصحية وانتشار الأوبئة والامراض وتزايد مناطق العشوائيات في كل مدن وقري ومحافظات مصر التي جعلت طيور الظلام تخطط وتنفذ مؤامراتها لخطف هذا الوطن تحت دعاوي دينية مزيفة لا تمثل صحيح دنينا الاسلامي الحنيف ولا تعترف بمبادئه ولا شريعته التي تؤمن بالوسطية. كل ما ذكرته في سطوري السابقة كان يدور داخل عقل وفكر عادل امام وعبر عنه من خلال عشرات بل مئات من اعماله السينمائية والمسرحية والتليفزيونية ولم يكن انهزاميا ابدا في الهروب من مواجهة الاخطار التي تهدد امته ورفض ان يدفن رأسه في الرمال او يختبيء خلف جدران الخوف كلما هبت علي بلادنا ازمة او عاصفة تهدد بإقتلاع الاخضر واليابس مثلما حدث منذ عدة سنوات طويلة عندما ظهرت بوادر فتنة طائفية في اسيوط ارادت ايضا مصادرة حق المبدعين ومنع عرض اعمالهم الفنية حيث سافر الي هناك وكنت من بين المرافقين له في رحلته الشهيرة بالقطار ليكون بين اهله وناسه في عروس صعيد مصر- اسيوط- واذكر كيف انفعل بشدة علي احد زملائنا من الإعلاميين كان يحاول اقناعه بخطورة تلك الرحلة علي حياته وهو الامر الذي اعتبره نوعا من انواع الجبن والتردي والتخاذل في مواجهة امر جلل يهدد سلامنا الاجتماعي. هذا هو صديقي عادل امام احد رموزنا الغالية واحد اهم فنانينا الكبار في هذا العصر وصاحب التاريخ المشرف في صناعة السينما والنجم القدير الذي سجلت اعماله ايرادات اسطورية لم يعرفها من قبل شباك دور العرض السينمائي او المسرحي وهو معشوق الجماهير وصديق البسطاء علي الشاشتين الكبيرة والصغيرة وفوق هذا وذاك سفير النوايا الحسنة الذي اختارته الاممالمتحدة مع كوكبة اخري من كبار نجومنا للعمل في المجالات الانسانية والانمائية والدعوة لنشر السلام ونبذ اخطار الحروب. يا سبحان الله أليس من غرائب الامور وعجائب الاشياء ان تخطط فئة من »خفافيش« الظلام لإغتيال فنان في حجم وقيمة عادل امام بتهمة باطلة لا اساس لها من الصحة فكيف سمحت ضمائر من يقفون وراء اطلاق شائعة ازدراء الاديان ان يدعوا كذبا علي اعمال فنية شديدة التميز جسدها بعبقرية وابداع تام هذا النجم الكبير محذرا من خطر داهم يمزق وحدة شعب من نسيج واحد يعيش في تآخ ومحبة وسلام منذ آلاف السنين ولو كان ما يقدمه من اعمال تمس من قرب او بعد شرائعنا السماوية ما سكت له احد من رجال الدين الاسلامي والمسيحي او لتصدت له اجهزتنا الرقابية في المصنفات الفنية وواجهته ايضا اقلام كتابنا ومفكرينا ومثقفينا المدافعين عن حق كل انسان منا في ان يمارس دوره الابداعي حبا وعشقا في ترابه الوطني دون ترهيب أو تخويف أو تكفير أو ازدراء لدين أو جنس أو عقيدة فالوطن للجميع والدين لله. وإذا كان لي من كلمة اهمس بها في اذن صديقي العزيز عادل امام وهو يمر حاليا بتلك المحنة القاسية فإنني اقول له قدر اصحاب القامات العالية من المبدعين تحمل طعنات الغدر ولكنهم ابدا لا يسقطون وتظل جباههم شامخة صامدة مؤمنة بقضاء الله وقدره وسلمت لنا ولمصر رمزا غاليا في سماء الفن. نقلا عن الاخبار