أحيا العالم الإسلامي، اليوم الأربعاء، ذكرى ميلاد الشيخ محمد متولي الشعراوي إمام الدعاة، وصاحب الشهرة الواسعة والقدم الراسخ في العلم والدعوة، نال تلك المكانة لإخلاصه وتجرده. ورد الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى إمام الدعاة ومجدد الأمة بعد عدة سنوات من وفاته على الجماعات الإرهابية والمتطرفين الذين نشروا فى الأرض الفساد بأفكارهم التكفيرية، وأخذوا يستدلون بآيات من كتاب الله تعالى لتبرير أعمالها الإجرامية التى يفسرونها تفسيراً خاطئاً بما يوافق أهواءهم حتى يقنعوا الناس بمشروعية ما يفعلونه من سفك دماء الناس واستباحة أعراضهم، ويأخذون بظاهر الآيات، تاركين الاحكام التى من أجلها شرع الله تعالى الجهاد والأسباب التى يجب توافرها حتى يجوز للمسلمين أن يخرجوا إلى الجهاد، فبين لنا إمام الدعاة حقيقة كذبهم وإدعائتهم الباطلة على تفسير آيات الله تعالى بطريقة ما أنزل الله بها من سلطان. ومن هذه الآيات قول الله تعالى «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» سورة البقرة:191. وقال الإمام محمد متولي الشعراوي فى تفسيره للآية: أن معنى قوله «ثَقِفْتُمُوهُم» أي وجدتموهم فثقف الشيء أي وجده، مضيفاً أن قوله «واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم» أي لا تقولوا إنهم أخرجوكم من هنا، وإنما أخرجوهم من حيث أخرجوكم، أي من أي مكان أنتم فيه، وعن ذلك لن تكونوا معتدين، مشيراً إلى أن قوله «وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ» يذكرنا بمنطق مشابه في آية أخرى منها قوله تعالى«وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ». وأضاف إمام الدعاة أن معنى قول الله «وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ» أى ابتلاء واختبار، وقد فعل المشركون ما هو أسوأ من القتل، فقد حاولوا من قبل أن يفتنوا المؤمنين في دينهم بالتعذيب، فخرج المؤمنون فراراً بدينهم، مؤكداً أن الله يأمر المسلمين في قتالهم مع أهل الشرك أن يراعوا حرمة البيت الحرام، فلا ينتهكوها بالقتال إلا إذا قاتلهم أهل الشرك. وأشار إلى أن أول أمر بالقتال إنما جاء لصد العدوان، وأراد الله أن يسقط من أيدي خصوم الإسلام ورقة قد يلعبون بها مع المسلمين، لعلمهم أن المؤمنين بالإسلام سيحترمون الأشهر الحرم ويحترمون المكان الحرام ويحترمون الإحرام فلا يقاتلون؛ وقد يغرى ذلك خصوم الإسلام ألا يقاتلوا المسلمين إلا في الأشهر الحرم، ويظنون أن المسلمين قد يتهيبون أن يقاتلوهم، فأراد الله أن يشرع لهم ما يناسب مثل هذا الأمر فأذن لهم في القتال، فإن قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في الشهر الحرام، وإن قاتلوكم في المكان الحرام فقاتلوهم في المكان الحرام، وإن قاتلوكم وأنتم حُرم فقاتلوهم؛ لأن الحرمات قصاص. وأوضح أن الله يعلل ذلك بأنه وإن كان القتال في الشهر الحرام وفي المكان الحرام وفي حال الإحرام صعباً وشديداً فالفتنة في دين الله أشد من القتل، لأن الفتنة جاءت لِتُفسِد على الناس دينهم، فالفتنة في الله شرك وهو أشد من أن نقاتل في الشهر الحرام، ولذلك فلا داعي أن يتحرج أحد من القتال في الشهر الحرام عندما يفتن في دينه وحينئذ نعلم أن القتال إنما جاء دفاعاً. وأكد إمام الدعاة أن القتال فى الإسلام هو دفاع عَمَّن آمن، ندفع عنه مَنْ يعتدي عليه، وأيضاً عَمَّن لم يؤمن ندفع عنه من يؤثر عليه في اختيار دينه لنحمي له اختياره، لا لنحمله على الدين، ولكن لنجعله حراً في الاختيار؛ فالقوى التي تفرض على الناس ديناً نزيحها من الطريق، ونعلن دعوة الإسلام، فمَنْ وقف أمام هذه الدعوة نحاربه؛ لأنه يفسد على الناس اختيار دينهم، وفي هذا أيضاً دفاع. ولفت أن قوله «وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ» أى لأنكم أحرى وأجدر أن تحترموا تحريم الله للمسجد الحرام، لكن إذا هم واجترأوا على القتال في المسجد الحرام فقد أباح سبحانه لكم أيها المسلمون أن تقاتلوهم عند المسجد الحرام ما داموا قد قاتلوكم فيه، موضحاً أن قوله«فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» هو بيان لسمو هذا الدين الحنيف بأنه لايعتدى إلا على من اعتدى عليه ويكون جزاؤه جزاء الكافرين.