بعد سبع سنوات على بناء وتشييد سد كاهورا باسا المائي لتوليد الكهرباء الذي تؤول ملكيته لموزمبيق، لا تزال الدولة تستورد الكهرباء من خارج الحدود، وعلى ما يبدو أن تلك النزعة ستستمر من أجل "مواجهة الطلب المحلي"، على حد تعبير دراسة أعدها "مركز النزاهة العام". وقد أبدى المركز في ملاحظاته أن مستوى جودة الطاقة في البلاد فقير ومتدن، كما أن "التعريفات المفروض على الطاقة تأتي ضمن الأعلى في المنطقة"، على الرغم من أن البلاد تعد ثاني أكبر منتج للطاقة في وسط قارة أفريقيا. وتشير دراسة أعدها "مركز النزاهة العام" إلى أن دولة موزمبيق أنفقت في عام 2000 نحو 13.2 مليون متيكاس (ما يعادل نحو 400 ألف دولار أمريكي) من أجل شراء الطاقة من الدول المجاورة، وهو الرقم الذي قفز بصورة صارخة في عام 2013 إلى 262 مليون متيكاس (بما يوازي 7.7 ملايين دولار). ويقول الباحث بمركز النزاهة العام، بورجيس نهاميري، إن موزمبيق تعاني من أكبر حالات سوء إمدادات الكهرباء بين 12 دولة في منطقة وسط القارة، مشيرا إلى أن تردي النقل وبنية توزيع الطاقة يعودان إلى نقص الصيانة وزيادة الأحمال بسبب ازدياد أعداد مستهلكي الكهرباء بما يتجاوز حجم الكهرباء المولدة والمتوفرة في الوقت الراهن، مؤكدا أن تلك العوامل ساهمت في تقييد قدرة الأنظمة الكهربية على تزويد الطاقة. ويقول الباحث نهاميرى إنه "على الرغم من توليد موزمبيق لكميات من الكهرباء كافية للوفاء باحتياجاتها من الاستهلاك الداخلي والخارجي، فإن البيانات أظهرت عكس ذلك. ومقارنة بالدول الاثنى عشر في المنطقة، تحتل موزمبيق رابع أسوأ دولة في توصيل الكهرباء لمواطنيها. يصل التيار الكهربي في الوقت الراهن لنحو 20 في المائة فقط من سكان موزمبيق، الذين يتجاوز تعدادهم 23 مليون نسمة، وهذا يعني أننا مازلنا أقل من متوسط مستوى تزويد الكهرباء في المنطقة الذي يصل إلى 37 في المائة". ويقول "مركز النزاهة العام" إن هيئة كهرباء موزمبيق قامت في عام 2005 باستيراد 19.2 جيجاوات من الكهرباء في الساعة، ازدادت إلى 86.5 جيجاوات في عام 2011، بزيادة نسبتها أكثر من 400 في المائة على مدى خمس سنوات. وكشفت الدراسة عن أن تلك الواردات تسببت في رفع ديون "هيئة كهرباء موزمبيق"، والتي بلغت في يونيو 2014 نحو 115 مليون دولار متضمنة تكاليف إمدادات الطاقة بالإضافة إلى سلع أخرى تعود مديونيتها إلى سنة 2008. في تلك الفترة كانت هناك 50 مليون دولار مستحقة كديون تشييد سد كاهورا باسا. ويقول الباحث نهاميري إن افتتاح محطات توليد كهرباء حرارية لن تحل مشكلة نقص إمدادات الكهرباء لأن الطاقة المنتجة محليا لا تتولاها "هيئة كهرباء موزمبيق" بشكل كامل، وهذا يرجع إلى أن سعر الاستحواذ مرتفع جداً ويصل إلى أكثر من أربعة مرات معدل تشييد سد كاهورا باسا المائي لتوليد الكهرباء. ويشير نهاميري إلى أن موزمبيق رغم أنه تحتل ثاني أكبر منتج كهرباء في المنطقة، فإنها سادس أكبر دولة تفرض رسوم وتعريفات بين مجموعة الدول الاثنى عشر المجاورة، ومن هذا المنطلق فإن "مؤسسة كهرباء موزمبيق" تمكن النخب السياسية من الإثراء غير المشروع. ويقول "مركز النزاهة العام" إن المؤسسة توقفت عن تقديم خدماتها المطلوبة وانشغلت للعمل كشبكة أو وكالة منح امتيازات وعقود لخدمة مصالح الطبقة السياسية، وهناك أمثلة على ذلك يمكن طرحها باستعراض عمليات إحلال توصيلات الكهرباء لأغراض سياسية وتقديم خدمات أخرى لشركات تخص مديرين سابقين، وهو ما يمثل هدراً لمزيد من الأموال في بنود مصروفات غير ضرورية. ويعد الافتقار إلى الشفافية والنزاهة في أنشطة وممارسات هيئة كهرباء موزمبيق في حد ذاته مصدرا للتربح بالنسبة للنخب السياسية في البلاد، على حد تعبير الباحث في "مركز النزاهة العام"، نهاميري، من خلال أنماط عمل في الهيئة تحابي شركات للمعدات الكهربائية والتوريدات والخدمات المعاونة لأنها مملوكة لشخصيات سياسية بارزة. وهناك ممارسات غير مشروعة تحدث بصورة ممنهجة بسبب إبرام العديد من الاتفاقات من أجل الانتفاع من مرافق "هيئة كهرباء موزمبيق"، وتسهيل الدخول في مشروعات إنتاج الطاقة وشرائها بدون أن تكون هناك عطاءات عامة، وهذا الوضع يبرز أن هذه المؤسسة لا تراعي القانون وتعكس وضعا محزنا للتدخل الحكومة في حماية المؤسسات العامة التي لا تقوم بسداد فواتير ومستحقات استهلاكاتها من الكهرباء. وأكدت دراسة "مركز النزاهة العام" أنه منذ انطلاق سياسة كهربة الريف والمناطق النائية في البلاد، فإن المؤسسة لم تؤت ثماراً طيبة أو مرضية. فمعظم المواطنين الموزمبيقيين لم تصل الكهرباء إليهم، ما يعني أن الأموال التي أنفقت لم تلب احتياجات المواطنين، فخلال الفترة من 2008 إلى 2013، خصصت الحكومة الموزمبيقية في ميزانيتها الرسمية، نحو 1.7 مليون ميتكاس لأغراض توسيع وتنفيذ لشبكة المناطق النائية، التي تخصص حاليا لتغطية الإنفاق على المناصب الإدارية. ويواصل "مركز النزاهة العام" استعراضه لأوضاع الكهرباء في موزمبيق، مشيرا إلى أن مدينة ناكالا في إقليم نامبولا يتم تزويدها عبر محطة فرعية لتوليد الكهرباء بقدرة 220 ميجافولت لمدى 200 كيلومتر، وهى محطة بنيت في عام 1980 لم تتلق أي تمويلات أو دعم للتأكيد على إمكانية توسيع بنيتها. عندما شيدت محطة ناكالا الفرعية كان عدد سكان المدينة يصل إلى حوالي 80 ألفا، بينما يبلغ في الوقت الراهن 234 ألف مقيم، وهو ما يبرهن على أن طاقة إمدادات الكهرباء في ذلك الجزء من البلاد يتحمل أعباء تفوق طاقته الإنتاجية، ومن ثم فإنه ليس من الغرابة أن نسمع عن انقطاعات وأعطال متكررة للتيار الكهربي هناك. علاوة على ذلك، خلصت دراسة "مركز النزاهة العام" إلى أن مؤسسة كهرباء موزمبيق تعمل كجزيرة منعزلة، وهو ما يفسر جهلها بالمعلومات الخاصة بأعداد المشروعات الصناعية والمساكن المجاورة التي يتعين العمل على تزويدها بالتيار الكهربي. ويؤدي هذا النقص الحاد في المعلومات إلى صعوبة التوصل إلى قرارات دقيقة بشأن احتياجات الطاقة اللازمة لاستخدامات المواطنين والشركات واقتصاد موزمبيق بوجه عام.