قال الكاتب البريطاني جدعون راخمان إن الإرهابيين اللذين هاجما فرنسا الأسبوع الماضي إنما كانا يهاجمان أمة تعاني بالفعل أزمة ثقة عميقة. وأوضح راخمان -في مقال نشرته صحيفة (الفاينانشيال تايمز) على موقعها الإلكتروني- أن فرنسا تعاني عددا من الأدواء منها: توتر عرقي، وتطرف سياسي، وارتفاع في معدلات البطالة، وارتفاع في سقف الدين، وانخفاض النفوذ على الساحة الدولية، وتضخم في ازدراء النخبة الحاكمة. ورأى راخمان أن أحد الآثار غير المتوقعة والمرحب بها للهجمات الإرهابية هو أن تلك الهجمات عملت على التذكير بما هو خير لفرنسا وما هو شر أيضا. وقال الكاتب إن ملايين البشر الذين جابوا الشوارع الأحد أرادوا أن يظهروا أن الشعارات الوطنية "حرية.. مساواة .. إخاء" هو أكثر من كونه مجرد عبارة، تم استدعاؤها من زمن الثورة الفرنسية ويتم تلقينها لأطفال مدارس أصابهم الضجر .. وإنما هي أفكار حية استخدمتها فرنسا الآن في مواجهة اعتداء قاتل. وأضاف راخمان بالقول إن ساسة الدولة هم أيضا واجهوا أزمة لا بأس بها: لقد تصرف الرئيس فرانسوا أولاند بوقار طالما كان تائها عنه، كما تحدث رئيس الوزراء مانويل فالس بعاطفة وحماس مدينا معاداة السامية ومدافعا عن مثاليات الجمهورية الفرنسية. وتابع راخمان "إن المزاج العام متغير، ولكن ثمة أرضية للأمل في أن تكون مسيرة الأحد نقطة تحول وتذكير للمواطنين الفرنسيين بما يوحدهم فضلا عما يفرقهم". ورأى راخمان أن التقييم الواقعي يستوجب الإقرار بأنه مع مرور الوقت ستقود الهجمات الإرهابية إلى مزيد من الاستقطاب أيضا.. وأوضح بالقول إن قادة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، ممن بدا واضحا أنهم لم يتلقوا دعوة للمشاركة في مسيرة الأحد، مهيئون بشكل جيد لاستثمار هذا الغضب. ولفت إلى أنه حتى قبل الهجمات، كان من الواضح أن حزب الجبهة الوطنية هو القوة الصاعدة على الساحة السياسية في فرنسا.. لقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الجبهة على حافة اكتساح المشهد السياسي الفرنسي .. وهذا استطلاع آخر يظهر أن زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان قادرة على إنزال الهزيمة بالرئيس أولاند والحصول نسبة 54 بالمئة من الأصوات ودخول قصر الإليزيه. ونوّه راخمان بمدى عنصرية وتعصب حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، مشيرا إلى ما أظهره استطلاع حديث للرأي من أنه بينما توافق نسبة 65 بالمئة من الفرنسيين على أن يحمل الشخص المسلم الجنسية الفرنسية كغيره من المواطنين، فإن نسبة الموافقة على ذلك بين مؤيدي حزب الجبهة لم تتجاوز 21 بالمئة.. كما أظهر أن نسبة 51 بالمئة من مؤيدي الجبهة الوطنية يقولون إنهم لا يرغبون في أن يكون رئيس فرنسا يهوديا، فيما تفضل نسبة 28 بالمئة منهم العلاج لدى أطباء غير يهود. ورأى الكاتب أن الاتجاه الذي ستسير فيه فرنسا سيؤثر بشكل كبير على باقي دول العالم؛ فعلى الرغم من كافة ما تعانيه من مشكلات، لا تزال فرنسا أحد أقوى الدول اقتصاديا وعسكريا، كما أنها عضو لا غنى عنه في الاتحاد الأوروبي. وأكد راخمان أن استفاقة فرنسا وتجديد نشاطها غداة تظاهرة الوحدة التي شهدها يوم الأحد كفيلة بتجديد نشاط أوروبا بأسرها .. لكن لو انزلقت فرنسا، أكثر الدول الأوروبية تعدادا للمسلمين، لحمأة التوترات الطائفية الداخلية والتطرف السياسي، فإن باقي أوروبا سينجرّ وراءها. وحذر الكاتب من صعود لوبان إلى الرئاسة في انتخابات 2017، وما قد يسفر عنه هذا الصعود من انهيار الاتحاد الأوروبي إذ سيتعذر على ألمانيا التعاطي مع حكومة يمينية متطرفة في فرنسا .. هذا في ظل ارتفاع نغمة النزعات القومية والطائفية العرقية في أوروبا في الوقت الراهن. واختتم راخمان بالقول إن مشهد خروج الملايين واعتصامهم بقيم الحرية والتسامح والديمقراطية في لحظة مصيرية أكد أن الفرنسيين حينما اختاروا أن يسيروا معا إنما اختاروا الاتجاه الصائب.