- أقرت الحكومة السعودية يوم الخميس ميزانية توسعية لعام 2015 ورفعت الإنفاق لمستوى قياسي فيما قالت إنها ستمول عجزا متوقعا من الاحتياطيات المالية الضخمة ما يبدد المخاوف بشأن تأثر اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم بهبوط أسعار الخام. وكانت الأسواق المالية تخشى أن تقلص السعودية الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية ومشروعات التنمية في 2015 لكن الموازنة عكست ثقة الحكومة في قدرتها على التعامل مع هبوط أسعار النفط دون الحاجة لإجراءات تقشفية قاسية. ووفقا للموازنة التي أعلنتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني تتوقع الوزارة أن تبلغ النفقات العامة 860 مليار ريال (229.3 مليار دولار) في 2015 ارتفاعا من 855 مليارا في الموازنة الأصلية لعام 2014 والذي كان أول خفض في الإنفاق منذ 2002. ومن المتوقع أن تبلغ الإيرادات 715 مليار ريال في 2015 وهو ما يجعل المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم تسجل عجزا في الموازنة - للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009 - بقيمة 145 مليار ريال. يقول الاقتصادي السعودي البارز عبد الوهاب أبو داهش "الموازنة تعكس نية الحكومة للاستمرار في الإنفاق التوسعي...860 مليار ريال جاء أكثر من المتوقع في ظل أسعار النفط الحالية." ويوافقه الرأي مازن السديري مدير الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال بقوله إن الإنفاق الحكومي الضخم الذي يمثل 34 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي "يعكس رغبة السعودية في استمرار الإنفاق حتى ان اقتضى ذلك اللجوء للاحتياطيات...لأن مواصلة النمو في المملكة أمر حيوي." ومنذ يونيو حزيران تراجع خام القياس العالمي مزيج برنت من حوالي 115 دولارا للبرميل - وهو مستوى ساعد المملكة على تسجيل فوائض متوالية في الميزانية - ليصل إلى ما يزيد قليلا عن 60 دولارا للبرميل. وقال جون سفاكياناكيس المستشار السابق لوزارة المالية السعودية والمدير الإقليمي الحالي لشركة إدارة الأصول أشمور في الرياض إن الرسالة التي تعكسها الميزانية هو أن الحكومة "لديها النية والقدرة المالية على تشغيل الاقتصاد." ويزيد الإنفاق المتوقع لعام 2015 بنسبة 0.6 بالمئة عن الرقم الأصلي لميزانية 2014 وهي أقل زيادة في الإنفاق منذ أكثر من عشر سنوات. وستواصل الحكومة الإنفاق السخي على مشروعات التنمية عبر اللجوء إلى احتياطياتها المالية الضخمة التي تراكمت عبر سنوات ازدهار أسعار النفط والتي بلغت 2.8 تريليون ريال بنهاية نوفمبر تشرين الثاني. وسيكون ذلك أمرا إيجابيا ليس فقط للمملكة ولكن لباقي دول مجلس التعاون الخليجي إذ أن حركة الأموال السعودية تساعد على دعم المنطقة بداية من سوق العقارات في دبي إلى قطاع السياحة في البحرين وشركات المقاولات في الكويت. وقال بيان الوزارة "ستستمر المملكة في الاستثمار في المشاريع التنموية لقطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية...وستواصل انتهاج سياسة مالية معاكسة للدورات الاقتصادية لتقوية وضع المالية العامة وتعزيز استدامتها." وأضاف البيان أن ذلك يتم عبر "بناء احتياطيات مالية من الفوائض المالية الناتجة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة في بعض الأعوام للاستفادة منها عند انخفاض هذه الإيرادات في أعوام أخرى." وقدرت الوزارة أن تبلغ المصروفات الفعلية 1100 مليار ريال في 2014 والإيرادات الفعلية 1046 مليارا بنهاية العام وهو ما يعني تسجيل عجز بواقع 54 مليار ريال خلال العام. المشروعات الكبرى كعادتها لم تعلن الوزارة عن السعر الذي افترضته لبرميل النفط عند إعداد الموازنة لكن توقعات المحللين دارت بين 50 و63 دولارا للبرميل. وتوقع أبو داهش أن تكون الوزارة قد بنت الموازنة على أساس سعر يقل عن 50 دولارا للبرميل فيما قال السديري إنه يتوقع ان يكون ذلك على أساس 63 دولارا للبرميل. وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري إنه يبدو أن الوزارة حددت سعر النفط في الموازنة عند 55 دولارا للبرميل وعند إنتاج مستقر تقريبا في حدود 9.5 مليون برميل يوميا. وقالت "السعودية في وضع قوي لتمويل العجز...بإمكانها تحمل السعر الجيد للنفط لعام أو عامين". وأضافت أنه في حال استمرار تراجع الأسعار لفترة أطول فمن المرجح أن تبدأ الحكومة في كبح جماح الإنفاق. وأشارت الموازنة إلى الإنفاق بقوة على مشروعات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وخصصت 217 مليار ريال للإنفاق على قطاع التعليم بما ما يمثل 25 بالمئة من النفقات كما شملت تخصيص 160 مليار ريال للإنفاق على قطاع الرعاية الصحية. ويجري تمويل عدد كبير من مشروعات البنية التحتية الضخمة خارج الموازنة مثل مشروع مترو الرياض البالغة قيمته 22.5 مليار ريال والمتوقع استكماله بحلول 2019. النمو قالت الوزارة إن الناتج المحلي الإجمالي الفعلي نما بنسبة تقدر عند 3.6 بالمئة في 2014 مقارنة مع 2.7 بالمئة العام الماضي وإن القطاع الخاص سجل نموا بنسبة 5.7 بالمئة في 2014. ويتوقع المحللون تباطؤ النمو العام المقبل لكن سفاكياناكيس قال إن من المستبعد دخول الاقتصاد في مرحلة الركود بغض النظر عن أسعار النفط وقال إن نمو القطاع الخاص سيعوض أي تباطؤ في القطاع النفطي. إلا أن أبو داهش توقع ألا يحقق القطاع الخاص أيضا نموا كبيرا العام المقبل وقال إن النمو المتوقع للقطاعين الحكومي والخاص سيكون في حدود أربعة بالمئة وتوقع أن يؤثر ذلك على معدلات التوظيف والبطالة. وقال "بوجه عام، 2015 مؤشراتها ليست جيدة وأخشى أن يكون عام 2016 أصعب." وتابع "نتمنى أن 2015 تعدي على خير كما يقولون ...ستكون اختبارا قويا للاقتصاد السعودي وان لم ترتد أسعار النفط قد نشهد عاما أصعب في 2016."