* هيكل يرفع كأس الفودكا في صحة أي رئيس ! * رفض الهجوم على عبد الناصر ووقع في نفس الخطأ بهجومه على السادات * السادات الذي ظهر بكتابات هيكل "فاسداً عظيما" هو نفسه الفارس الذي دفع بهيكل ليكون خليفة عبد الناصر * هيكل دفع بالسادات لزيارة القدس وهو نفسه من انتقده بعنف ظل هيكل رافضاً مبدأ الهجوم على عبد الناصر بأثر رجعى، وفى مقاله المشار إليه ( ما أكثر الشجاعة هذه الأيام على الغائبين ) انتقد تلك الحملات التي تبقر بطن عبد الناصر ،مؤكداً أن الرجل رحل ولم يعد من اللائق التطاول عليه، وقال بالحرف : “ ما أكثر الشجاعة هذه الأيام على الغائبين .. الفئران تعربد في غياب القطط، ولم يكن جمال عبد الناصر قطاً، وإنما كان أسداً مهيباً “ . وبعد أربع سنوات فقط أي ( عام 1983) يقع هيكل فيما انتقده ورآه عيباً وكتب ( خريف الغضب ) معرضاً بحياة الرئيس السادات، وبالعقد النفسية التي تحكمت في حياته، بل وصل الكلام إلى النيل من أصول السادات ومستواه الاجتماعي والتعليمي ...لدرجة أن د. فؤاد زكريا “ يعلق على هذا التناقض في كتابه (كم عمر الغضب .. أزمة العقل العربي مطبوعات القاهرة 1984 ) قائلاً : “ ليقل لي الأستاذ هيكل بصراحة : لو كان السادات لا يزال حيا أكان يستطيع أن يتكلم عن ( ست البرين ) وهى والدة السادات وعن كأس الفودكا الذي يؤخذ بعد كل غداء ؟ “ !. وفى خريف الغضب مضى هيكل في الكتاب من اتهام إلى آخر أشد وأقوى،وألمح هيكل في خبث كبير إلى المستوى التعليمي للسادات، بل وصل هيكل في كتابه إلى سرد فضيحة تورط فيها السادات وكادت تكلفه منصبه كنائب رئيس الجمهورية ،وهى استيلاؤه بالقوة والابتزاز على قصر في حي الهرم كان يمتلكه ضابط سابق، ذلك بخلاف التلميح الواضح عن وجود علاقات سرية قديمة بين السادات والأمريكان جعلته متيم ولهان ببلاد العم سام وعلى استعداد لتقديم أي تنازلات لإرضاء رؤسائها . هذا استعراض سريع لجزء بسيط من مدفعية الهجوم التدميرية التي شنها هيكل على السادات في خريف الغضب الذي دفع الناصريون إلى التهليل، وخرج “هيكل” منتصراً وفى صورة الولد المحب لوطنه المخلص لعبد الناصر والبريء تماما من التورط في التعامل مع رئيس بكل هذه المساوئ ! !، ونسى الجميع أن هيكل الذي كتب تلك الوثيقة القاسية الجارحة عن السادات هو نفسه “ المهندس “ الذي خطط له وأعد له الطريق، والتاريخ لا يرحم فكما حاكم السادات بالتاريخ والمعلومات ،ها نحن نستخدم الطريقة نفسها ومن خلال كتاباته وليس من خارجها، فالسادات الذي ظهر عام 1983 في كتاب “خريف الغضب “ فاسداً عظيما وسبباً في خراب البلد ودمارها هو نفسه الفارس الذي حمله هيكل على جواده الخاص ومهد له الطريق وسانده وسعى لتقديمه ليس فقط كخليفة لعبد الناصر بل كضحية للمؤامرات الكبرى التي تحاك ضده .
السادات أسطورة عصره! ويكتب هيكل بعد تربع السادات على الحكم في مقال بعنوان “ الحكم القائم في مصر الآن وقضية عبد الناصر “ : “ لم يكن أنور السادات شخصاً عادياً في نظام عبد الناصر، ويكفى أن نتذكر المسئوليات والمناصب التي تولاها من عضو في مجلس قيادة الثورة إلى رئيس لمجلس الشعب إلى نائب لرئيس الجمهورية “ .. ويواصل هيكل : “ كان أنور السادات هو الرئاسة الثانية دستورياً في مصر بعد عبد الناصر بحكم رئاسته لمجلس الشعب فقد تولى بعدها منصب نائب رئيس الجمهورية ... وحين قدم أنور السادات نفسه إلى الأمة كانت أول كلمة قالها “ لقد جئت إليكم على طريق جمال عبد الناصر “ ... كان أنور السادات مسئولاً بالممارسة ...، وقد رفض الرجل بشجاعة وأمانة حجة المسؤولية بالصمت وأعلن أنه اشترك مع عبد الناصر في رسم كل سياسة واتخاذ كل قرار “ . انتهى كلام الأستاذ الذي كتب “ خريف الغضب “ فيما بعد وقال فيه إن السادات كان شخصا مثيراً للشبهات وأن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا يرتابون في أمره ويوجهون إليه اتهامات جارحة في هذا الشأن !، ونسب إليه كل خراب البلد ودمارها دون أن يدين نفسه في شيء ودون أن يقول أنه كان السبب وراء كل ما حدث. ويصل الأمر بهيكل إلى حد أن يمتدح في السادات نفس المظاهر التي هاجمه من أجلها فيما بعد فنشاط السادات السياسي في شبابه الذي وصف في “ خريف الغضب “ بأنه عمالة للقصر ،وفقره العائلي الذي وصف بأنه سبب عقدته النفسية وسبب تكالبه على مظاهر الترف، كان لهما وصف آخر ومختلف تماما في 28 يناير عام 1972 حيث كتب هيكل في مقال بعنوان “ قضية هذا الجيل “ يقول : “ كان أنور السادات أكثر ما يكون أمانة حين قال : إننى أفهم ما يعانيه الشباب وأنا الذي خرجت من طين مصر إلى التمرد وإلى السجن ثم الثورة .... كنت دائما من قاع السلم الاجتماعي في مصر، من قلب الطين، ولقد تعلمت بمعجزة وعندما أتممت تعليمي وجدت العمل الوطني أهم بالنسبة لي من أي وظيفة مع حاجتي الشديدة للمرتب “. هكذا يقدم الأستاذ هيكل للشعب نموذج الرئيس كما لو انه يقدم اسطورة، وهكذا يكون لون بشرة السادات أو عقدته اللونية التي ألح عليها في الخريف جزء من طين مصر الأصيل !، أما استراحة القناطر التي كانت في الخريف نموذجاً للترف الذي يتمتع به السادات على حساب الشعب فإنها كانت شيئا آخر في مقال “ على هامش التطورات الأخيرة “ الذي كتبه هيكل في 28 يوليو 1972، حيث يقول الأستاذ : “ كنت على موعد مع الرئيس السادات في استراحة القناطر التي يفضل الإقامة فيها كلما استطاع لأنها تجعله بقرب الريف الذي يعتبره مصر الأصيلة ومصر الحقيقية “ ..انتهى كلام هيكل وضع من عندك ما تشاء من علامات التعجب . ولأن الكلام لا يحتاج إلى تعليق منا تعالوا إلى تلك القنبلة التي فجرها ضياء الدين داود في مذكراته “ سنوات عبد الناصر وأيام السادات دار الخيال “ والتي تلخص الكثير مما نحن بصدده : “ ذلك ما جرى عندما اختار يقصد هيكل جانب السادات ظنا منه بأنه سوف يكون بعد الإطاحة بمجموعة عبد الناصر قادرا وحده على تملك زمام السادات وتوجيهه .. وهو على أي حال الذي سوغ للسادات كل البدايات التي انتهت إلى زيارة القدس واتفاقيات السلام وكامب ديفيد .. لكنه أيضا الذي كتب أعنف ما وجه من نقد لسياساته .