ما يحدث في مصر الآن على السطح لايعكس حقيقة ما يجري وراء الكواليس أو في اعماق الأرض.. هناك شواهد كثيرة ولكنها لا تحمل شيئا مما يجري في الخفاء.. هناك صراعات دامية بين القوى وأيها ينتصر على الآخر.. وهناك أياد خفية خارجية وداخلية ترتب اوضاعا وترسم مستقبلا.. وهناك اشباح من الماضي تحاول استنساخ واقع افتراضي جديد لا يشبه ملامح من ذهبوا ولكنه يحمل نفس الجينات حيث يتشكل مولود جديد يحمل نفس الصفات وان ارتدى اقنعة جديدة.. وهناك ايضا ميراث قديم لصراعات مضى زمنها وتبحث عن شكل جديد للمواجهة.. وقبل هذا كله نحن امام آخر فصل في المسرحية حيث خرج الجميع على المسرح بلا اقنعة، نحن امام مشهد النهاية وعلى ضوء ما سيجري سوف نرى مستقبل هذا الوطن الذي لعبت به طوال اكثر من عام اياد كثيرة لا اعتقد انها كانت حريصة عليه كما ينبغي، لقد فشلت هذه القوى في إيجاد صيغة للحوار تتناسب مع خطورة اللحظة التاريخية التي نعيشها وعلينا ان ننتظر الأحداث والأشخاص وآخر مشاهد المسرحية. في الوقت الذي ينتظر فيه المصريون انفراج الغمة وعودة الأمن.. واستقرار الموقف الاقتصادي المتأزم بدأت مواجهات جديدة بين القوى السياسية في الشارع وللأسف الشديد انها لا تتحاور ولكنها فيما يبدو اقتربت كثيرا من مناطق الصدام بعد ان فشلت تماما في إيجاد لغة للحوار منذ قيام ثورة يناير وحتي الآن. المشهد في الشارع المصري الآن ينتظر عدة أشياء يترقب نتائجها: الشارع المصري يستعد لمعركة الرئاسة وانتخاب رئيس الدولة ورغم كل مايقال عن الانتخابات البرلمانية التي سبقت أو الإعلان الدستوري والاستفتاء عليه أو إعداد الدستور، إلا أن الفيصل في كل أوراق اللعبة هو ما ستسفر عنه انتخابات الرئاسة وهذا الشبح الذي ينتظره المصريون وهل سيكون فرعونا جديدا بسلطة مطلقة ام إنسانا عاديا يعيش بين الناس؟.. هل تشهد مصر ميلاد عصر جديد لرئيس يختلف في مواصفاته وصورته ومسئولياته عن نماذج سبقت ام ان اللعبة ستعيد استنساخ وجه آخر ربما لا يحمل نفس الملامح ولكنه من نفس الفصيلة؟ هل نحن امام حاكم يسمع آلام شعبه أم أمام مستبد وطاغية جديد؟.. وفيما يبدو فإن الصراع في الكواليس الآن بين القوى السياسية العادية والقوى الأخرى المؤهلة يعكس حالة من الترقب ليس في حدود الوطن وحده ولكنها تهم اطرافا كثيرة تريد ان تطمئن على مواقعها ومكاسبها ومصالحها في ظل نظام قادم تحلم ان يعيد جسور ماض رحل، يبقى كرسي الرئاسة آخر مشاهد ثورة يناير وهل سيكون بداية زمن جديد أم استنساخ زمن آخر يشبهه؟. الشارع المصري ينتظر حكم القضاء في محاكمة القرن كما اطلق عليها وما تصل إليه نتائج محاكمة الرئيس السابق وابنيه ورموز عهده في كل القضايا ابتداء بدماء الشهداء وانتهاء بالاموال المنهوبة.. ومع انتظار مشهد الرئيس القادم وخلفه صورة تذكارية لثورة يناير تبدو صورة الحكم التاريخي. لم يكن غريبا ابدا ان تنطلق تصريحات مريبة في الأيام الماضية تستعيد ذكريات ما بعد الثورة حول حسابات الرئيس السابق والتهويل فيها وسؤال هؤلاء الذين اطلقوا الشائعات حول هذه الأرصدة الوهمية أوما ذكرته مصادر خارجية افتقدت الأمانة والمسئولية وهى تتحدث عن هذه الثروات.. إنها محاولة تطهير بأثر رجعي فلماذا لم تذكر كل هذه الأشياء في حينها ولماذا تتصدر المشهد الآن؟ ولم يكن غريبا وفي نفس السياق ان تصدر تبرئة قضائية من لجنة جرد القصور الرئاسية وأن ثروة الشعب المصري لم تمس ولم يختف شيء من هذه القصور كما اشاع المغرضون، وانا واحد منهم، ويعلم الله ان نفس الأشخاص الذين تحدثوا عن سلامة القصور الرئاسية الآن هم اول من تحدث معي وليس شخصا آخر عن نهب هذه القصور ولم اكن مغيبا في مكتب وزير العدل السابق المستشار عبد العزيز الجندي بحضور المستشار احمد إدريس الذي اكد وجود هذه التجاوزات، وكان د. عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، أول من فتح هذه القضية معي، مؤكدا ان القصور تعرضت لمخاطر كبيرة ومازلت اطالب بكشف ما جاء في تقرير اللجنة الأولى وهو موجود لدى إحدى الجهات السيادية.. ولم يكن غريبا وسط هذا كله ان تعود وجوه كثيرة من النظام السابق لتتصدر المشهد الإعلامي تتحدث عن مآثر الراحلين الغائبين خلف قضبان السجون. خلف هذا الضباب الكثيف يبدو موقف مجلس الشعب وهو ينتظر حكما قضائيا من المحكمة الدستورية العليا امام الطعن ببطلانه وهو اهم وربما أخطر حصون التيار الإسلامي في اللعبة السياسية. يستعيد الشارع المصري من خلال بيانات متبادلة صورة صراعات تاريخية قديمة ولم تتردد القوى السياسية في ان تكشف اوراقها كاملة في صيغ أقرب للتهديد منها إلى المناورة.. ثم تظهر اشباح الصراع الكامن على السطح وتدخل في اختبارات للقوى.. مابين سحب الثقة من الحكومة في برلمان بلا صلاحيات وتكوين لجنة للدستور بعيدا عن المجلس العسكري ثم التراجع عن مواقف ماضية حول ترشيحات الرئاسة ثم التلويح بمواجهات قديمة لم تكن فقط بهدف التذكرة.. ولا أحد يعلم لماذا حدث ذلك كله.. فالمجلس العسكري وقف بجانب الانتخابات البرلمانية التي جاءت بالإخوان وكان يستطيع- وهذا حقه- ان يضع ضوابط مسبقة لاختيارات لجنة الدستور ولكنه ابدى عدم ارتياحه بعد إعلانها.. على جانب آخر فإن التيار الإسلامي لم يتردد في المشاركة في تهميش الكثير من رموز الثورة حتى تم إجهاضها ولعل هذا ماجاء في بيان جماعة 6 أبريل وما فيه من اللوم والعتاب على رفاق الميدان. وسط هذا كله تدفقت في الشارع المصري اموال كثيرة تخفت جميعها خلف ستار غريب يسمى التمويل الأجنبي.. وفي الوقت الذي أخفت فيه الدولة وهى تعلم مصادر التمويل الأخرى فإنها وجهت كل اتهاماتها إلى مجموعات حقوق الإنسان وحصرت كل ما لديها في عشرات الملايين من الدولارات متجاهلة تماما ماجاء من مصادر تمويل خارجية لإنشاء احزاب سياسية أو دعم الانتخابات الرئاسية أو الجمعيات الاهلية التي تتستر وراء الخدمات الاجتماعية، كان ينبغي على الدولة ان تكشف مصادر الأموال التي جاءت إلى مصر بعد ثورة يناير والقوى السياسية التي استفادت منها.. إن حجم الاموال التي تقف الآن خلف الانتخابات الرئاسية وما سيظهر منها في المستقبل يعكس حالة من حالات الانفلات وربما التواطؤ. مع هذا كله كان الطرح الجديد لقضية المصالحة مع رموز النظام السابق تحت دعوى رد الاموال وفتح الابواب القانونية والمالية لهذه المصالحة، حيث اتضح ان هناك تشريعات تم تعديلها في سرية تامة منذ شهور مضت ودون إعلانها لوضع صيغة لتنفيذ هذه المصالحات تمهيدا للعفو والتسامح وإغلاق ملفات الماضي. مع اقتراب ميعاد انتخابات الرئاسة وإعلان الحكم في محاكمة القرن يشهد الشارع المصري حالة ارتباك شديدة تبدأ بأزمة في القضاء بسبب سفر المتهمين في قضايا التمويل الاجنبي وظهور أزمة حادة في العلاقات المصرية - الأمريكية انتهت بسفر المتهمين الأمريكان، وقد ترتبت على ذلك أزمة شديدة وصلت إلى درجة التشكيك في البيت القضائي، ثم كانت أزمة البنزين والسولار وتوقف وسائل الحياة ومعها إضرابات عمال النقل العام.. ثم عقوبات بورسعيد وتهديد قناة السويس وعشرات المصابين في أحداث دامية ثم أزمة لجنة إعداد الدستور وما ترتب عليها من مضاعفات بين القوى السياسية.. لا أتصور ان كل هذه الاحداث كانت بعيدة عن ظواهر أخرى يجب ان نتوقف عندها لأن بينها خيوطا كثيرة.. لماذا يزداد هذا الكم الرهيب من الأعباء على المواطن المصري وهو على ابواب انتخابات رئاسية جديدة؟.. لماذا كثر الحديث عن مآثر الماضي حتى ولو كان ذلك بصورة خفية؟..ولماذا كان الصدام في هذا التوقيت بالذات بين قوى سياسية كانت على وفاق منذ شهور قليلة.. هل انتهت الادوار والمسرح يستعد لاستقبال وجوه أخرى وهناك احداث اخرى وشخوص أخرى؟.. هل لأن سيناريو تصفية الثورة قد وصل إلى مداه وعلى جميع القوى ان تعيد حساباتها في ظل واقع جديد يمكن ان نسميه وماذا بعد انتهاء الثورة؟ في تقديري ان حصاد هذا المشهد يؤكد مجموعة من الحقائق: أولا: ان لعبة المساومات والتنازلات بين القوى السياسية وصلت إلى نهايتها وكسب فيها من كسب.. وخسر من خسر.. ولكنها بكل المقاييس افتقدت الأمانة والمصداقية والمسئولية التاريخية من جميع الأطراف. ثانيا: ان القوى السياسية أضاعت على مصر وشعبها اكبر فرصة في تاريخها الحديث لبناء وطن جديد.. وايا كانت الأسباب فهناك من دافع عن مكاسب قديمة ثابتة وهناك من جرى وراء غنائم لم يفرح بها كثيرا وهناك عصابة المزايدين والمستفيدين والأدعياء الذين ينتهزون الفرص حتى وإن كانت هزيلة. ثالثا: إن القضية ليست امنا غائبا أو استقرارا ضائعا ولكنها قضية شعب ترك مصيره في يد جماعات سياسية تحكمها المصالح الخاصة ولا يحكمها الولاء للوطن ولهذا ضاعت اكبر فرصة لإخراج 85 مليون مصري من ظلمات الفقر والتخلف إلى آفاق دولة عصرية متقدمة. رابعا: لعب الإعلام المصري بكل وسائله دورا مريبا ومشبوها في إشعال الفتن وتغييب الشعب وإهدار لحظة تاريخية حاسمة وامام مكاسب سريعة سقطت منظومة القيم المهنية والأخلاقية وحتى الوطنية وسوف يحاسب التاريخ الإعلام المصري على هذه الخطيئة الكبرى.. لقد شارك الإعلام بقسوة في تصفية تيارات ودعم تيارات وحارب رموزا بل قضى على عضها وحين عادت فلول الماضي إلى الساحة تقاوم الثورة وتواجهها بعنف وضراوة كان الإعلام حصانها الرابح ووسيلتها المضمونة لتدمير اعظم إنجازات المصريين في عصرهم الحديث وهو ثورة يناير صنعتها دماء شعب عظيم.. ودمرها إعلام مشبوه. ..ويبقى الشعر شاخت سنين العمر والطفل الصغير بداخلي مازال يسأل.. عن لوعة الأشواق حين يذوب فينا القلب عن شبح يطاردني من المهد الصغير إلي رصاصة قاتلي عن فرقة الأحباب حين يشدنا ركب الرحيل بخطوه المتثاقل عن آخر الأخبار في أيامنا الخائنون.. البائعون.. الراكعون.. لكل عرش زائل عن رحلة سافرت فيها راضيا ورجعت منها ما عرفت.. وما اقتنعت.. وما سلمت.. وما أجبتك سائلي عن ليلة شتوية اشتقت فيها صحبة الأحباب والجلاد يشرب من دمي وأنا علي نار المهانة أصطلي قد تسألين الآن يا أماه عن حالي وماذا جد في القلب الخلي الحب سافر من حدائق عمرنا وتغرب المسكين.. في الزمن الوضيع الأهطل ما عاد طفلك يجمع الأطيار والعصفور يشرب من يدي قتلوا العصافير الجميلة في حديقة منزلي أخشي عليه من الكلاب السود والوجه الكئيب الجاهل أين الذي قد كان.. أين مواكب الأشعار في عمري وكل الكون يسمع شدوها وأنا أغني في الفضاء.. وأنجلي شاخ الزمان وطفلك المجنون.. مشتاق لأول منزل مازال يطرب للزمان الأول شيء سيبقي بيننا.. وحبيبتي لا ترحلي في كل يوم سوف أغرس وردة بيضاء فوق جبينها ليضيء قلب الأمهات إن ماتت الدنيا حرام أن نقول بأن نبع الحب مات قد علمتني الصبر في سفر النوارس.. علمتني العشق في دفء المدائن.. علمتني أن تاج المرء في نبل الصفات أن الشجاعة أن أقاوم شح نفسي.. أن أقاوم خسة الغايات بالأمس زارتني.. وفوق وسادتي تركت شريط الذكريات كم قلت لي صبرا جميلا إن ضوء الصبح آت شاخت سنين العمر يا أمي وقلبي حائر ما بين حلم لا يجيء.. وطيف حب.. مات وأفقت من نومي دعوت الله أن يحمي جميع الأمهات.. من قصيدة طيف نسميه الحنين سنة2009 نقلاً عن "الأهرام"