تبدأ الاثنين، أول أيام التشريق الثلاثة وهى آخر مرحلة في رحلة الحج المباركة، حيث يتجمع ملايين الحجاج في منطقة واحدة للمبيت والإقامة والصلاة والدعاء والذكر لمدة ليلتين أو ثلاث ليال. أكثر من ثلاثة ملايين حاج يتعين عليهم التجمع في منطقة لاتتجاوز مساحتها 50 كيلومترا مربعا محددة من الجهات الأربع ولا يجوز لأى حاج أن يبيت في مكان آخر خارج "منى"، إلا لأصحاب الأعذار القهرية التى يقبلها العلماء ويجيزون لصاحبها الميبت خارج "منى"، كما حدث في عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) حين استأذنه أحد الصحابة في المبيت في أيام التشريق بمكة لظرف قهري، ويذهب جمهور العلماء إلى أن المبيت ب"منى" واجب ومن يترك الواجب فعليه دم، كما يفضل للحاج أن يلتزم بحدود المكان في الاقامة أيضا لتحصيل الأجر والثواب الجزيل لأنه يؤدي نسكًا وطاعة يتقرب بها إلى الله عز وجل ويجب أن يؤدي هذه الطاعة بشروطها الشرعية وليس بشروطه الشخصية. ومن الأعمال التى يقوم بها الحاج خلال هذه الأيام المباركة، رمى الجمرات الثلاث "الصغرى والوسطى والكبرى" كل واحدة بسبع حصيات على مدى اليومين أو الثلاثة أيام. ومن الأخطاء الشائعة أن البعض يسىء الفهم، حيث يظن أن إقامته فى "منى" لمجرد رمى الجمار ثم له بعد ذلك أن يتخير مكانا خارج "منى" بحثا عن الخدمات والترفيه ويقضي فيه معظم الوقت ويحرم نفسه من ثواب التزام "منى" مكانا وزمانا. وكما يقول العلماء: إن البعض لا يبيتون ب"منى" ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، بل يبيتون خارج منى من غير عذر، يريدون أن يرفهوا عن أنفسهم، وأن يشموا الهواء - كما يقولون - وهذا جهل وضلال، ومخالفة لسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والإنسان الذي يريد أن يترفه لا يأتي للحج، فإن بقاءه في بلده أشد ترفهًا وأسلم من تكلف المشاق والنفقات. ومن الأخطاء التى يقع فيها بعض الحجاج أيضا، أنه لايبذل الجهد لإيجاد مكان في "منى"، فتجده إذا دخل في الخطوط ووجد ما حول الخطوط ممتلئا قال إنه ليس في "منى" مكان، ثم يذهب وينزل في خارج "منى"، والواجب عليه أن يبحث بحثا تاما فيما حول الخطوط وما كان داخلها، لعله يجد مكانا يمكث فيه في أيام وليالي "منى"، لأن البقاء في "منى" واجب لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "خذوا عني مناسككم". ويقول العلماء: "إذا لم يجد الحاج مكانا في منى بعد أن يبذل أقصى ما في وسعه، فإن عليه أن ينزل عند آخر خيمة من خيام الحجاج ليبقى الحجيج كله في مكان واحد متصلا بعضه ببعض"، كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين، فإنه يصلي مع الجماعة، حيث تتصل الصفوف ولو كان خارج المسجد. ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة ب"منى"، أن بعض الناس يبيت في "منى"، ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة ليترفه في الظل الظليل والمكيفات والمبردات، ويسلم من حر الشمس ولفح الحر، وهذا وإن كان جائزا عند البعض ، فإنه خلاف السنة، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) بقي في منى ليالي وأيامًا فكان (عليه الصلاة والسلام) يمكث في "منى" ليالي أيام التشريق وأيام التشريق، نعم لو كان الإنسان محتاجا إلى ذلك كما لو كان مريضا أو مرافقا لمريض فهذا لا بأس به. وأيام التشريق هذه أيام ذكر لله تعالى وشكره، وإن كان الحق أن يذكر الله تعالى ويشكر في كل وقت وحين، لكن يتأكد في هذه الأيام المباركة. روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله"، كما روى عنه (صلى الله عليه وسلم) قوله: "من كان صائما فليفطر فإنها أيام أكل وشرب". ولما كانت هذه الأيام هي آخر أيام موسم مبارك، فالحجاج فيها يكملون حجهم بحسن أداء هذه النسك بشروطه كاملة غير منقوصة، وغير الحجاج يختمونها بكثرة الذكر والدعاء وتلاوة القرآن وصلة الرحم، وكذلك بالتقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي "أجاز العلماء الذبح من بعد صلاة عيد الأضحى حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق"، وهكذا استحب أن يختم هذا الموسم بذكر الله تعالى للحجاج وغيرهم.