بينت سيرة وسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية شواهد كثيرة تدل على اهتمامه الكبير بقضاء حوائج المسلمين، والحث والعمل على تفريج كُرَبِهم. من السُنَّة القولية: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نفَّس (أزال) عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة رواه مسلم، (من كان في حاجة أخيه) أي: في قضائها بالفعل أو بالتسبب. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى ، وفرَّجَ بينَهما شيئًا" رواه البخاري. ومن السُنَّة الفعلية في قضاء حوائج المسلمين: كان من هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم مع أصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي، ومن ذلك أنه كان يسأل عنهم، ويتواضع معهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم، ويسعى في تفريج همومهم وقضاء حوائجهم، فكان يقوم على حاجة أصحابه عامة، وعلى حاجة الأرامل والمساكين واليتامى خاصة، فلا يأنَفُ أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي حاجتهم. عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم قال : "ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته" رواه النسائي. وعن أنس بن مالك - رضِي الله عنْه - قال: "كانت الأمَة من إماء أهل المدينة لَتأخذ بيد رسول الله فتنطَلِق به حيث شاءت" رواه البخاري، وعنه - رضِي الله عنْه -: ( أنَّ امرأةً كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إنِّي لي إليك حاجة، فقال: يا أمَّ فلان، انظُرِي أي السكك شئتِ حتى أقضي لك حاجتك، فخلاَ معها في بعض الطُّرُق حتى فرغت من حاجتها" رواه مسلم . وقال ابن القيِّم: " كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعظمَ الناس صدَقةً بما ملَكَتْ يده، وكان لا يستَكثِر شيئًا أعطاه لله - تعالى - ولا يستقلُّه، ولا يَسأَله أحدٌ شيئًا عندَه إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيرًا، وكان عَطاؤه عطاءَ مَن لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره وفرحه بما يُعطِيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه. وأضاف: وكان أجودَ الناس بالخير، يمينه كالرِّيح المرسلة، وكان إذا اعتَرض له محتاجٌ آثَرَه على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه، وتارةً بالصدقة، وتارةً بالهديَّة، وتارةً بشِراء الشيء، ثم يُعطِي البائع الثمن والسِّلعة جميعًا، كما فعَل بجابر، وتارةً كان يقتَرِض الشيءَ فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتَرِي فيعطي أكثر من ثمنه ويَقبَل الهديَّة ويُكافِئ عليها بأكثر منها أو بأَضعافِها، تلطُّفًا وتنوُّعًا في ضروب الصدقة والإحسان بكلِّ مُمكِن. وتابع: وكانت صدقته وإحسانه بما يَملِكه وبحاله وبقوله، فيُخرِج ما عنده ويَأمُر بالصدقة، ويَحُضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البَخِيل الشَّحِيح دَعاه حالُه إلى البذل والعَطاء، وكان مَن خالَطَه وصَحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسَه من السماحة والنَّدَى .. وكان هديه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدر".