رفعت ثورة 25 يناير ضمن ما رفعت من شعارات "العدالة الاجتماعية" وكان لهذا الشعار سحره لدى جمهور المواطنين المصريين الذين التحموا مع شباب منجزى الثورة، وذلك نظرًا لافتقادهم الحياة الكريمة لاسيما شعورهم الحقيقى بالفوارق الهائلة بين فئات وطبقات الشعب. ومن خلال هذا الشعار الذى جمع حوله ملايين المصريين وكان له إيقاع السحر أن يسقط نظام مستبد غير عادل إضافة إلى مساوئه السياسية التى لا يدركها العديد من قوى المجتمع.. فقط كان لشعار العدالة الاجتماعية مذاقه الخاص فى أن يحرك وجدان الامة بكاملها. وبعد مرور عام على الثورة وتداعياتها ومع انتهاء مراحل بناء مؤسسات الدولة "الهلامية الشكلية" برلمان بغرفتيه ورئيس ملتبس صلاحياته.. ودستور مبهم فى توجهاته ليست السياسية والقانونية فقط وإنما الاقتصادية أيضًا. هنا لابد من التعريج على شعار مفجر الثورة والذى ساهم فى جذب ملايين المواطنين لإسقاط نظام غير عادل سياسيًا واقتصاديًا وقانونيًا.. ألا وهو شعار العدالة الاجتماعية، ما المقصود وكيفية تحقيقها رغم طبيعة النظام السياسى ورغم التوجهات الاقتصادية لهذا النظام قيد التشكيل سياسيًا فى دولة قيد التحول من نظام مستبد إلى نظام لا يعلم ملامحه إلا الله، خاصة فى ظل سيطرة جناح من اليمين المتطرف اقتصاديًا وسياسيًا وهو تيار الإسلام السياسى بجناحيه الإخوان والسلفيون. من حيث المبدأ تمثل الحقوق السياسية والاجتماعية الأساسية الواردة فى ميثاق الأممالمتحدة قاعدة معيارية لإضفاء الشرعية على الديمقراطية – أى ديمقراطية – اجتماعية كانت أم ليبرالية نظريًا وسياسيًا.. ولايستطيع نظام سياسى أيا كان شكله وطبيعيته – أن يكتسب الشرعية لنفسه من خلال مأسسة الحقوق الأساسية فقط، بل من الأهمية أن يتولد لدى المواطنين الإحساس بالعدالة أيضًا فى توزيع الإنجازات المجتمعية وفرص العيش فى مجتمعهم. ولمهام العدالة فى الديمقراطية أيا كان شكل هذه الديمقراطية مهام رئيسية متعددة أولها أن النظام الاقتصادى الاجتماعى الهادف للعدالة والذى يقر الجميع بإنصافه هو الشرط الضرورى الذى يجب أن يتوفر لاستقرار دولة القانون الديمقراطية.. وأن الحرمان من مثل هذا النظام العادل قد يقود إلى كارثة سياسية. ومعايير العدالة على المستوى المجتمعى تقتضى أولاً صون كرامة وحماية حقوق كافة الأفراد على قدم المساواة من خلال تدخل وتنظيم لدور الدولة.. وثانيًا على المستوى التفصيلى تتطلب معايير العدالة هيكلة عادلة فى كل المجالات المجتمعية الجزئية حتى يتبع مضمون العدالة من عقلانية الرجوع إلى وجهة نظر أولئك الذين تمسهم القرارات. وهنا يمكن الفصل بين الصلاحية الشكلية لحقوق المواطن المتساوية من جهة وبين تحقيقها على أفضل وجه من جهة أخرى. فالمواطنة والعدالة مفهومان متداخلان ولا يتجزأن فإذا تم التعرف على العقبات التى تقف دومًا فى سبيل تحقيق ذلك، خاصة عندما لا تتوفر الوسائل اللازمة لدى كافة المواطنين لتحقيق هذه الحقوق، فإن المفهومين يضيعان معًا.. وبالتالى تفتقد الدولة لمعيار وجودها الرئيسى لعدم قدرتها على تحقيق هذين المبدأين الرئيسيين... أما إذا تم التعرف على تلك العقبات وأمكن إزالتها كما تقدم تطور حقوق المواطن السياسية ليظهر حقوقا اجتماعية.. وتكون الصبغة العالمية التى تكتسبها حقوق المواطنين بمثابة المحرك الديناميكى للعملية السياسية برمتها ويكتسب المواطنون جميعًا المقومات الاجتماعية اللازمة لكى يتمكنوا من تحقيق حقوقهم الأساسية فى حياتهم العملية. ترى.. هل يمكن تحقيق ذلك فى ظل نظام قيد التشكل فى مصر وفى ظل ظروف سياسية أفرزت برلمانًا وستفرز رئيسًا وربما دستورًا.. دون الكشف عن ماهية النظام السياسى وملامحه وأدواره.. وللحديث بقية