فى مثل هذا اليوم من عام 1969، وتحديدا فى يوم 9 مارس، سقط الفريق عبدالمنعم رياض شهيداً بنيران إسرائيلية غادرة حين كان فى أحد المواقع العسكرية المتقدمة شرق القناة، يقود بنفسه معركة شرسة ضد القوات الإسرائيلية المحتلة، ويسطر بدمائه الذكية يوم الشهيد على أرض مصر. وجاء صعود عبدالمنعم رياض بعد نكسة 67 حين عرف الجيش المصرى أكبر عملية تطهير فى تاريخه بإقصاء كل القادة المسؤولين عن الهزيمة، وتحوله من جيش يتدخل مباشرة فى السياسة إلى جيش مهنى محترف، فاختير الشهيد الراحل فى 11 يونيو 1967 رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، وبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزى إعادة بنائها وتنظيمها. وفى عام 1968 عين أميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية وكان آخر ما أسند إليه من مهام إدارة معارك المدفعية ضد القوات الإسرائيلية المتمركزة فى الضفة الشرقية لقناة السويس خلال ما عرف ب«حرب الاستنزاف». وحقق الرجل انتصارات عسكرية فى المعارك التى خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التى منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامى 1967 و 1968، إلى أن جاء عام 1969، وجرت اشتباكات عنيفة بين القوات المصرية والإسرائيلية فى يوم 9 مارس على امتداد الجبهة من السويس جنوبا إلى القنطرة شمالا، وأصر الفريق عبدالمنعم رياض على زيارة الجبهة رغم ما فى ذلك من خطورة ليرى سير المعارك عن كثب ويكون بين جنوده، ووصل إليها بالفعل على متن طائرة عمودية ومعه مدير المدفعية وانضم إليهما قائد الجيش. وفى ظهر ذلك اليوم أصر على زيارة إحدى وحدات المشاة الفرعية التى لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 متراً والتى كانت فى اشتباكات معه طوال اليوم الفائت وتقع تحت سمعه وبصره، وما إن وصل إلى تلك الوحدة حتى وجهت إليه إسرائيل نيران مدفعيتها، واستمرت المعركة التى كان يقودها عبدالمنعم بنفسه حوالى ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التى كان يقود المعركة منها، ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفى عبدالمنعم رياض متأثرا بجراحه، بعد 32 عاما قضاها عاملاً فى الجيش. وقد نعاه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التى تعتبر أكبر وسام عسكرى فى مصر. بالتأكيد هناك تاريخ مشرف للعسكرية المصرية ممتد منذ قرون طويلة، وهناك بطولات حقيقية قدمها الجيش دفاعا عن هذا البلد لم يعرفها كثيرون من أبناء الجيل الذى ولد فى عهد مبارك، فكثير منه اختزل مؤسسة حمت وحدة هذا البلد فى الإدارة السياسية الفاشلة للمجلس العسكرى، ولم يعرف أن خلخلة الجيوش، أو كسرها فى أى بلد، يعنى انكسار أمة بكاملها، وهذا ما حدث فى مصر بعد هزيمة 67، وما جرى فى العراق وليبيا وسوريا واليمن، فبعضها دول كان من السهل تفكيكها ومن الصعب للغاية إعادة بنائها. فلنحافظ على كرامة الجيش المصرى، ولنسرع فى تسليم السلطة لرئيس مدنى، ولنتذكر شهداء مصر العظام من العسكريين والمدنيين. نقلا عن المصرى اليوم