منذ نهاية الحرب الباردة، لا يوجد فترة كانت فيها العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة سيئة للغاية مثل الفترة التي نشهدها الآن. وقد تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صراحة عن المناخ المتدهور بين واشنطنوموسكو، مصرا على أن إدارة أوباما تريد فرض أملاءات بدلا من حوار فيما يتعلق بالأزمة السورية. لكن من دون أدنى مستوى من الثقة والتفاهم بينهما، أي حوار سيكون مبنيا على أسس هشة. فلماذا جرت الأمور على غير ما يرام؟ لماذا لم تستطع روسيا والغرب إقامة نوع مختلف من العلاقات؟ على من يقع اللوم؟ هل بسبب تجاوز وعدم اكتراث الولاياتالمتحدة، أو حنين روسيا لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي؟ وهل يكون صحيحا وصف الوضع الراهن بأنه "حرب باردة جديدة"؟ من الصعب إعطاء إجابات شاملة لجميع هذه الأسئلة لأن تعقيدات هذه القصة تتطلب كتابا صفحاته تتعدى رواية "الحرب والسلام" لتولستوي. ولكن يجدر الإشارة لبعض النقاط. يرى بول بيلر، زميل بارز في مركز دراسات الأمن بجامعة جورج تاون وضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أن الخطأ الأولي يكمن في جانب الغرب. وقال: "العلاقة ساءت عندما لم يتعامل الغرب مع روسيا باعتبارها دولة انتفضت من الشيوعية السوفيتية"، مضيفا: "كان ينبغي أن روسيا الجديدة تلقى ترحيبا على هذا النحو ولكن بدلا من ذلك تم النظر إليها باعتبارها دولة وريثة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية". هذا الخطأ الأساسي تمت مضاعفته بواسطة حماسة الغرب لتوسع الناتو، تم ضم أولا دول مثل بولندا وجمهورية التشيك والمجر، الذين كان لديهم تقاليد قومية طويلة للكفاح ضد حكم موسكو. ولكن توسع الناتو لم ينتهي عند هذا الحد، حيث أضاف بلدان مثل دول البلطيق الثلاث، التي كانت أراضيهم جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق. فلا عجب بعد ذلك أن موسكو أيضا تقف عائقة ضد فكرة دخول جورجيا أو أوكرانيا المدار الغربي. باختصار، روسيا تعتقد أنه يتم التعامل معها بشكل غير عادل من قبل الغرب منذ نهاية الحرب الباردة. هناك نقاش مثير للاهتمام يحدث بين الخبراء في المراكز البحثية الأمريكية لمعرفة هل ينبغي التركيز على الأخطاء الاستراتيجية الأولية للغرب في التعامل مع روسيا الجديدة أم النظر في سلوك موسكو حديثا الأكثر حزما في جورجياوسوريا أو أوكرانيا؟ في هذا الصدد، يرى السير جون ساورز، سفير المملكة المتحدة السابق لدى الأممالمتحدة، انه يفضل التركيز على الفترة الأكثر حداثة. في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مؤخرا قال السير ساورز أن الغرب لا يولي اهتماما كافيا لبناء علاقة استراتيجية صحيحة مع روسيا خلال السنوات الثماني الماضية. وأضاف "إذا كان هناك تفاهم واضح بين واشنطنوموسكو حول قواعد الطريق – التي تبدأ بعدم وجود سعي لإسقاط أنظمة بعضهم البعض – ثم حل المشاكل الإقليمية مثل سوريا أو أوكرانيا أو كوريا الشمالية – كان الوضع بين البلدين سيكون أفضل". كما أشار العديد من الخبراء أيضا إلى أن الدبلوماسية السطحية لإدارة أوباما والإشارات المتضاربة التي أرسلها في كثير من الأحيان هي السبب وراء هذا الوضع المتدهور من العلاقات مع روسيا. مهما كانت أخطاء الماضي وأيا كان المسؤول عنها – حتى لو كان الغرب يشير العديد من المحللين – هل الولاياتالمتحدةوروسيا حقا على حافة الصراع العسكري المباشر في سوريا أم أننا جميعا على حافة الدخول في "حرب باردة جديدة". يعتقد ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق، بول بيلار، أن هذه ليست الصيغة الصحيحة. يقول "ليس هناك نوع من المنافسة الأيديولوجية العالمية التي اتسمت بها الحرب الباردة ولحسن الحظ ليس لدينا سباق تسلح نووي آخر.. ما تبقى هو منافسة كبيرة من أجل النفوذ" لذلك ماذا عن المستقبل؟ مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية تلوح في الأفق، موسكو ترى أن لديها الكثير من الحرية في الوقت الحاضر وتنوي استخدامها لتشكيل مجموعة متنوعة من مناطق الصراع بطريقة تجعل الرئيس الأمريكي المقبل يواجه أمرا واقعا. الوضع يذكرنا 2008 عندما تجمدت العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا في أعقاب الحرب بين روسياوجورجيا. هذا ترك سياسة إدارة بوش تجاه موسكو في حالة من الفوضى وهذه هي الفوضى التي ورثها الرئيس أوباما. وقال السير جون ل "بي بي سي": "هناك مسؤولية كبيرة على الرئيس الأمريكي القادم لإقامة نوع مختلف من العلاقات مع روسيا.. علاقة لا أكثر دفئا ولا أكثر برودة". وأضاف "ما نبحث عنه هو تفاهم استراتيجي مع موسكو حول كيفية توفير الاستقرار العالمي من خلال علاقات روسية أمريكية أكثر رسوخا مما كانت عليه لأن فترة الأحادية القطبية الأمريكية انتهت الآن". بي بي سي