رغم ما تعانيه مصر في الوقت الحالي من أزمات طاحنة ضربت اقتصادها في مقتل، إلَّا أننا لا يمكن أن نغفل الدور التاريخي الذي لعبته مصر تجاه أمتها العربية في العصور والأزمنة الماضية، الأمر الذي جعلها صاحبة مركز قوى في المنطقة العربية. ولعل الصورة التي نعرضها لكم اليوم في سلسلة حكاية صورة، التي يظهر فيها الملك فاروق جالسًا على كرسي وحوله أمراء السعودية جميعًا وقوفًا خير دليل على قوة مصر وقتها. فمصر دائمًا كانت صاحبة فضل على الدول العربية جميعًا بما فيها السعودية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر التكية المصرية بالحجاز، حيث ظهرت التكية المصرية في السعودية للمرة الأولى عام 1811 م على يد محمد علي باشا وبأوامر من الدولة العثمانية في ثلاثة أماكن: مكة والمدينة وجدة، وكان الهدف منها خدمة الفقراء في الحرم المكي من جميع الجنسيات والشعوب المختلفة الذين لا يجدون مأوى ولا طعامًا، فضلًا عن خدمة أهل البلد أنفسهم. وذكر إبراهيم رفعت باشا، الذي كان يتولى حراسة المحمل المصري وكسوة الكعبة في كتابه «مرآة الحرمين»، أن عدد الأشخاص المستفيدين يوميًّا من التكية كان يبلغ في الأيام العادية أكثر من 400 شخص، ويرتفع العدد في شهر رمضان ليصل إلى أكثر من 4 آلاف، فضلًا عن موسم الحج، وكانت وجباتها تقدم مرتين يوميًّا صباحًا ومساءً، وتتكون من رغيفين وبعض من «الشربة»، وكانت بعض الأسر بمكة تعتمد في غذائها يوميًّا على وجبة التكية المصرية، وتزيد الكميات كل يوم خميس، وكذلك طوال أيام شهر رمضان المبارك وأيام الحج، وأتيح للمصريين دون غيرهم الإقامة والسكن داخل التكية طوال مدة أدائهم شعائر الحج أو العمرة. وكان يشرف على التكية ناظر ومعاون وكتبة يخدمون جميعًا الفقراء، وتتكون التكية من طاحونة للقمح ومطبخ به ثمانية أماكن، يوضع عليها ثمانية أوانٍ من الحجم الكبير، بجانب مخبز يخبز به العيش ومخزن، وبركة ماء وفيها حنفيات يتوضأ منها الناس، إضافة إلى وحدة صحية يتواجد دومًا بها كبار الأطباء المصريين، خاصة في موسم الحج؛ لمعالجة الفقراء مجانًا، سواء المقيمون أو الوافدون، وتولى الإنفاق على التكية حكام الأسرة العلوية الذين تنافسوا فيما بينهم على تقديم الهبات لها. وعقب الثورة المصرية وإخراج أسرة محمد علي باشا من الحكم، غيرت وزارة الأوقاف في مصر اسمها من التكية المصرية إلى المبرة المصرية، وضمها الملك عبد العزيز إثر ذلك إلى الدولة السعودية؛ لتتولى الأخيرة الإشراف على إطعام فقراء الحرم بدلًا من مصر. وفي عام 1983 هدمت السلطات السعودية التكية المصرية؛ كوسيلة لطمس كل ما يحمل هوية مصرية على أرض الحجاز ولمحو ذاكرة ما يزيد على 100 عام من تقديم مصر العون لكل المحتاجين من أمتها الإسلامية. أضف إلى ما سبق أن مصادر دخل سكان الحجاز من مصر تعددت خلال العصرين الفاطمي والأيوبي، فقد وضعت مصر قسطًا كبيرًا من أموالها لمساعدة أهل مكة والمدينة؛ نظرًا لأنها مهبط الوحي وقبلة المسلمين، بالإضافة لما كانت توفره قافلة الحج المصرية سنويًّا لهؤلاء السكان من مصادر رزق ثابتة مقابل الخدمات التي يقدمونها لهم أثناء موسم الحج، غير أن أمير الحج كان يأخذ مبلغًا سنويًّا من الخزانة المصرية لإعطاء الراتب السنوي لأمير مكة، ونفقات أخرى لمهام كان يكلف بها وكسوة الكعبة التي ظلت مصر تعطيها للسعودية وغيرها؛ ليثبت التاريخ أن فضل مصر كان على الجميع.