كانت المرة الأولى عندما ظهر المحروس وأخوه في عزاء لرجلهم.. رجل كل العصور وكل الدول وكل الأجهزة.. عندما توفت والدته.. ذهب جمال وعلاء إلى ميدان التحرير.. قدما العزاء إلى مصطفى وأخوه وتدافع حولهما الناس أيضا.. ودارت الكاميرات.. وكأن كل شيء برئ وغير مرتب.. ويومها كنت هناك.. تحولت منطقة وسط البلد وشوارعها الجانبية إلى منطقة عسكرية.. ازدحمت بالرتب الكبيرة والصغيرة.. واخترقت السيارات ذات الدفع الرباعي الميدان.. وجاءت الأوامر من أعلى إلى أسفل.. المحروس وأخوه في الطريق.. وصلا الميدان.. تنفسا هواءه الحرام عليهما.. طافوا حول الأرض الحرام عليهما.. الأرض التي ارتوت بدماء أوامر أبوهما الذي يقاوم الفناء.. وتم إخراج الفيلم الرخيص على عجل.. وذهب جمال وأخوه.. وتكرر المشهد للمرة الثانية في مدخل مدينة أكتوبر.. ذهب المحروس وأخوه أيضا.. ودارت الكاميرات للمرة الثانية.. وتدافع الناس للتصوير.. وكأن كل شيء بريء أيضا.. وكأننا شعب من المهاطيل أو المعاقين الذين فقدوا السمع والبصر والإحساس والإدراك.. تحركت أجهزة الدولة التي يقال عنها سيادية.. وجاءت الأوامر من أعلى.. وجاءت الردود بالعبارة الشهيرة (كله تمام يا فندم).. وصل المحروس وأخوه إلى المكان.. ووصل الأُجراء بحكم الوظيفة قبلهم، وانتشروا وأجادوا الأداء، تدافعوا حولهما ودارت الكاميرات والكلمات الرخيصة الممجوجة (كل سنة وانت طيب) وابتسم الأخوان ابتسامتهما الصفراء لهؤلاء الأجراء أو البلهاء. ربما يتكرر الفيلم في مكان آخر.. ربما يكون الهدف هو اعتياد ظهورهما.. ربما يكون بداية مرحلة جديدة في حياتهما، وربما لهدف لا نعرفه، ولكن كلمة أخيرة لمن فكر ومن رتب ومن حمى المحروس وأخوه (هذا الهواء حرام عليهما.. هذه الأرض لا ينتمون إليها.. هذا الشعب لا علاقة لهما به غير علاقة الرصاص الحي وجت في عين أمه يا باشا.. اتركهما بلا سيارات ولا عساكر ولا إجراء وشماشرجية.. اتركهما للمصريين وسنرى.