كالعادة، دفعت معركة حلب و تطورات ديناميتها الميدانية دفة السياسة و العسكرية في الميدان السوري إلي نحو مغاير و كذلك إلي قواعد جديدة للإشتباك العسكري. ف بعد أن حسم الجيش السوري و حلفائه ثغرة حلب، و حذف معادلة ثغرة "الراموسة" من جعبة المسلحين و داعميهم، ظهر محور طريق "الكاستلو" عنواناً لهدنة جديدة قد تشبه هدنة فبراير الماضي، و بنداً مفصلياً للاتفاق و الخلاف بين قطبي العالم في غرف التفاوض المغلقة. إقتضي الإتفاق الروسي الأمريكي الاخير لوقف إطلاق النار، تراجع وحدات الجيش السوري مسافة تتراوح من 1 ل 3 كيلومترات عن نقاط تمركزها علي طريق " الكاستلو" تمهيداً لدخول شاحنات المساعدات الإنسانية لأحياء حلب الشرقية، والتي بدا واضحاً ان هنالك خلاف حاد بين التنظيمات المسلحة النشطة في حلب علي تقسيمها و نِسبها فيما بينها و من ثم التهديد بقصفها و مصادرتها حال دخولها لمناطق سيطرتهم. تُوِجَت تلك الخلافات في شن هجوم مشترك بدأه مسلحو جبهة النصرة و انضم إليهم مسلحو احرار الشام علي منطقة الملاح و منطقة الكاستلو بعدة قذائف، ليس بهدف إفشال ارسال المساعدات الانسانية فحسب، و لكن قد يبدوا أن الهجوم المشترك سعي لاختبار جاهزية الجيش السوري في الحفاظ علي مفتاح انتصاره الاخير في حلب " طريق الكاستلو" داخل اطار الهدنة. جاء هذا الأختراق من قبل النصرة و احرار الشام امام أعين الامريكيين الذين يراقبون الوضع الميداني في حلب عن طريق 3 طائرات استطلاع تحلق علي مدار الساعة، كما جاء الرد السوري حاسماً بإعادة انتشاره في النقاط التي اخلاها من طريق الكاستلو بناءاً علي طلب روسي كما رد ايضاً علي مصادر النيران. بعث الجيش السوري برسالة هامة تتفق عليها اجندات حلفاء الجيش السوري "روسيا و إيران"، كانت مفادها " حلب مغلقة امامكم". و من هنا ظهرت جبهة الجنوب السوري من جديد، و طفت علي الساحة الإعلامية و اتخذت شكلاً جديداً من أشكال الصراع، تتضَمّن مبدئياً قواعد اشتباك جديدة و لأول مرة منذ اندلاع الازمة السورية. فما الذي يدور بالجنوب السوري بعد انحسار الجبهة الشمالية وسط تعقيدات المشهد الحالي؟ و كيف بدت قواعد الإشتباك الجديدة؟ و ما الأهداف السياسية و العسكرية وراء تصعيد هذه الجبهة جبهة الجنوب ؟ فشل موجات و معارك الجنوب الهجومية الأولية: تخضع الجبهة الجنوبية السورية لغرف عمليات كثيرة، أهمها غرفة الموك التي تدار من الاردن بقيادة الأمريكي، و تعمل تلك الغرف علي طرد الجيش السوري من نقاطه و تمركزاته داخل نطاق مثلث الموت ارياف " درعا القنيطرةدمشق"، المتاخمة للجولان المحرر و الحدود مع فلسطينالمحتلة و الاردن. إذ تم اطلاق العديد من الموجات الهجومية و المعارك الكبيرة لهذا الهدف الإستراتيجي، و مثال معركة "هي لله"، و التي انطلقت بمشاركة 11 فصيل مسلح (ألوية الفرقان، فوج المدفعية، جبهة ثوار سوريا، جبهة أنصار الإسلام، لواء بركان حوران، لواء بدر الإسلام، أجناد الشام، فرقة شهداء الحرية، الفرقة 64، كتائب توحيد حوران، فرقة أحرار نوى). فشلت تلك المعركة في تحقيق أيّ من الانتصارات الملموسة خاصة بعد اعتماد الجيش السوري استراتيجية فرض طوق آمن حول العاصمة دمشق، و وضع تحرير بلدات الغوطة في بنك أهدافه، و هو ما تم بتحرير مدينة "داريا" الهامة إستراتيجياً، و جعلها خارج نطاق المسلحين تماماً و في هذا التحرير اوردنا تقريراً يوضح اهمية درايا و كيف تشكل حلقة وصل بين الجنوب السوري و العاصمة. حتي بدأت معركة قادسية الجنوب بالتزامن مع خطط الهدنة السورية، لتزيح تلك المعركة الستار عن حجم التنسيق الاسرائيلي مع المجموعات المسلحة في الجنوب و ماهية قواعد الاشتباك الجديدة التي صاغها الجيش السوري بجراءة. قبل ساعات من إعلان اتفاق الهدنة بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ليل الجمعة الماضي، استبقت إسرائيل المرحلة السياسية والميدانية الجديدة في سوريا، بدفعها الجماعات المسلّحة المرتبطة بها في الجنوب، إلى بدء عملية عسكرية " قادسية الجنوب" على مواقع الجيش السوري في القطاع الشمالي من محافظة القنيطرة. إذ سبق ذلك الهجوم تنسيق اسرائيلي تمحور حول تمهيد مدفعي و غطاء جوي للمجموعات المسلحة، لينتقل التنسيق الاسرائيلي مع المجموعات المسلحة في الجنوب نطاق الدعم اللوجيستي و تقديم العناية الطبية. من هنا، يأتي تقرير مراسل الشؤون العسكرية للقناة العاشرة العبرية، أول أمس، عن «الحوار» بين إسرائيل والجماعات المسلحة، وتحديداً «جبهة النصرة» المنتشرة على الحدود السورية في الجولان، والتأكيد على ضرورة «عدم خداع النفس، لان الحوار قائم وموجود بين الجيش الاسرائيلي وجبهة النصرة، بغض النظر إن كانوا سيئين وأشرارا»، مع ذلك يضيف المراسل وكتقدير للآتي: «سيأتي اليوم الذي نقرر فيه محاربتهم. على الأرض، لم يكن التحضير الذي قامت به المجموعات المسلّحة لمعركتي «قادسية الجنوب» و«مجاهدون حتى النصر»، على مستوى نتائج الأيام الماضية، في ظلّ الفشل الذريع الذي أصيبت به منذ فجر يوم الجمعة، من دون تحقيق أي تقدّم لافت ضد مواقع الجيش. فتحضيرات للهجوم على السريّة الرابعة التابعة للواء 90 في جنوب بلدة حضر، وبعدها على مدينة البعث وخان أرنبة، وفي الوقت نفسه الهجوم على تل قرين في «مثلّث الموت» أو مثلّث ريف دمشق درعا القنيطرة، بدأت بحسب تقارير صحافية قبل نحو شهرين. بدا واضحاً أن إسرائيل تبحث عن دور في ظل اتفاق الهدنة، وتحاول أن تشكّل غطاءً ميدانياً لجبهة النصرة بعد انحسار الغطاء الأميركي عنها، فضلاً عن قربها الجغرافي من حدود فلسطينالمحتلة و نقاط تواجد جيش الاحتلال الاسرائيلي في الجولان المحتل. قواعد اشتباك جديدة .. دلائل و رسائل: الغارات الاسرائيلية على مدينة البعث، و مثلث الموت " درعا القنيطرة ت دمشق " بدأت منذ شهرين ، حيث تحتشد وحدات المقاومة والجيش . التزامن بين عدم الرد السوري على الغارات ، وبين فشل قادسية الجنوب ، جعل الاسرائيليين يعتقدون ان بامكانهم مواصلة عملياتهم الجوية ، وفرض حظر طيران على سلاح الجو السوري، و خاصة بعد اسقاط اسرائيل لقاذفة سوخوي سورية قبل عاميين في نفس المنطقة، الا ان الغارات الإسرائيلية الاخيرة التي تعرضت لها مواقع الجيش السوري في ريف القنيطرة الشمالي قبل ستة أيام، قد عجلت بإعادة تشغيل ما تبقي من شبكات الدفاع الجوي السورية في وجه المقاتلات الإسرائيلية. و لأول مرة يشتبك الدفاع الجوي السوري صواريخ S200 مع طائرتين اسرائيليتين، احداهما مقاتلة و الاخري طائرة استطلاع، و قد اعلن الجيش السوري في بيان له اسقاط الطائرتين، فيما التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت في بداية الامر، لكنها اكتفت بالإعلان ان الدفاع الجوي السوري قد اشتبك نارياً مع الطائرات الإسرائيلية. هنا بعثت دمشق برسالة مفصيلة و جريئة تفيد" بأن سوريا لن تقبل احتضاناً إسرائيلياً للنصرة يمهّد لمنطقة نفوذ إسرائيلي في الجنوب السوري، أو بالأحري لا وجود لحزام امني في الجنوب السوري علي غرار الحزام الامني الاسرائيلي في جنوبلبنان و الذي أداره " جيش لحد " إبان الاحتلال الإسرائيلي. بيد أن التضارب حول إسقاط الدفاعات الجوية السورية للطائرتين الإسرائيليتين لا يبدوا هاماً بقدر اهمية اتخاذ دمشق لقرار الإسقاط، لتدشن مرحلة جديدة من قواعد الإشتباك سيكون مسرحها الجنوب السوري و الجولان خاصة.