بينما تحاول بريطانيا تجاوز الأزمات المتعاقبة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، يواجه حزب العمال البريطاني أحد أقطاب الحكم في المملكة، وصاحب التمثيل اليساري الواسع في البرلمان، أزمة كبيرة تتمثل في زيادة الخلافات بداخله. ففي الوقت الذي يقترب فيه موعد الانتخابات على زعامة الحزب والمرشح لها الرئيس الحالي للحزب جيرمي كوربين، وأحد الأشخاص البارزين بالحزب أوين سميث، بدأت ملامح انقسام واسعة في الظهور بين من يؤيد كوربين للاستمرار في الرئاسة وبين من يرفض توليه فترة تالية. وكشف استطلاع للرأي أجري منذ فترة أن غالبية البريطانيين يعتقدون أنه يجب أن يتولى أوين سميث زعامة حزب العمال المعارض، رغم الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها السياسي اليساري وسط أعضاء الحزب، واتجاهه نحو الفوز في الانتخابات، وكشف استطلاع مؤسسة "بي إم جي" الذي أجرته لصالح صحيفة "ذي إفننج ستاندارد" عن اتساع الفارق بين رأي الشارع البريطاني ورأي أعضاء الحزب. وواجه حزب العمال الذي يعد الحزب الرئيسي المعارض في بريطانيا أزمة عميقة منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، وتبادل المعسكران المختلفان في الرأي الاتهامات أمام أعين المحافظين (الحزب الحاكم وصاحب الأغلبية في البرلمان) الذين كانوا يراقبون الوضع بهدوء. بدأ أعضاء الحزب اختيار الزعيم المقبل من بين المرشحين، يوم الاثنين، في ظل أجواء مشحونة تهدد الحزب الذي تأسس عام 1900، وتستمر عملية الاختيار حتى 21 سبتمبر المقبل، وتعلن النتيجة بعد 3 أيام على ذلك الموعد في مؤتمر استثنائي يعقد في ليفربول. وعلى الرغم من كافة الاستطلاعات التى أبرزت تفوق أوين، فإن كوربين، الذي حقق فوزا ساحقا في انتخابات سبتمبر 2015 حصل فيها على 59,5 % من الأصوات، يبقى المرشح الأوفر حظا لقيادة الحزب، حيث يتمتع بدعم النقابات وغالبية الناشطين الذين ارتفع عددهم بشكل كبير في عهده وتجاوز عتبة النصف مليون، رغم أن أكثر من ثلاثة أرباع نواب الحزب البالغ عددهم 230 نائبا يعارضونه. غداة التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي قام 172 من النواب من أعضاء الحزب بتوقيع مذكرة بحجب الثقة عن زعيمهم الذي يتهمونه بالتقصير في الدفاع عن بقاء المملكة المتحدة في الكتلة الأوروبية. من ناحية أخرى، أعلن عمدة لندن صادق خان، رأيه في الانتخابات ودعا إلى إسقاط كوربن، وقال إن "جيريمي أثبت أنه غير قادر على كسب ثقة واحترام الشعب البريطاني وشعبيته في أدنى مستوى تاريخي لزعيم للمعارضة"، وأشار إلى أنه "خسر دعم أكثر من 80% من النواب العماليين"، وتابع: "لا يمكننا ببساطة الاستمرار بهذا الشكل". ويشير هذا الاختلاف أن هناك انشقاقات كبيرة قد تحدث في الحزب في الوقت الراهن، وكتب تيم بيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري، في صحيفة "إيفنينج ستاندارد" "لا أرى بديلا عن انشقاق في الحزب إذا فاز مرة ثانية جيرمي كوربين". ويبدو الحزب على وشك الانفجار من الداخل لأن قوتين لا يمكن الجمع بينهما ظاهريا تتواجهان فيه، فمن جهة هناك البرلمانيون الذين لم يؤمنوا يوما بأن الزعيم اليساري الراديكالي يمكن أن يفوز في انتخابات تشكل هدف أي حزب سياسي، وفي الجهة الثانية هناك الناشطون ومعهم النقابات الذين يرون أنه الرجل الوحيد القادر على ممارسة قيادة سياسة يسارية حقيقية واستعادة دعم ملايين الناخبين المستائين في شمال إنجلترا معقله التقليدي. حزب العمال أسسته النقابات في العام 1900، وتطور باتجاه عقيدة وسطية بين 1997 و2010 بقيادة رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي فاز في الانتخابات 3 مرات متتالية، ومنذ عودة "المحافظين" إلى السلطة في 2010، يبحث الحزب عن هويته بين هذا الخط الوسطي وتيار يميل إلى اليسار دفع به قدما إيد ميليباند وسرعه جيريمي كوربن. من هو كوربين؟ كوربين، المعجب بآراء كارل ماركس، حصل عام 2015 على 59.5% من الأصوات، وحين أعلنت النتائج قوبل بالهتاف والعناق حتى من بعض منافسيه، وهو البرلماني المحنك الذي له باع طويل في التصويت ضد مشروعات قوانين طرحها حزبه، وقد فاز بزعامة "العمال" بناء على وعود بزيادة الاستثمارات الحكومية من خلال طبع الأموال وإعادة تأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد، وكان يؤكد مرارًا أنه يسعى للتخلص من أسلحة بريطانيا النووية، ويصفه البعض بنصير العرب والمسلمين، فقد رفض الحرب على العراق، بل يراه آخرون داعما للقضايا العادلة في العالم، وأشار كوربين عام 2012 إلى أنه "إذا لم نعترف بالحقوق الفلسطينية فإننا سنكون أمام عواقب وخيمة، وبريطانيا تتحمل مسؤولية خاصة"، وهو عضو بحملة التضامن مع فلسطين، فضلا عن منظمة العفو الدولية، كما أنه ينتسب للحملة "من أجل نزع السلاح النووي" وتحالف "أوقفوا الحرب". أوين سميث أوين سميث، 46عاما، كان وزير ظل لشؤون ويلز في حكومة ظل مليباند، وحكومة ظل جيرمي كوربن، وكان مسؤولًا عن أحد الملفات الملتهبة فيما يخص وحدة المملكة المتحدة، إذ أعقب استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو الفائت بروز جديد لقضية استقلال بعض أقاليم بريطانيا وبالذات اسكتلندا وويلز. لذا من المؤكد أنه إذا نجح أوين سميث، في الوصول لرئاسة حزب العمال، فإنه سيجد نفسه أمام قضية أخرى تتصل بمعنى وحدة الوطن، وسيجد أوين سميث نفسه ممزقا بين التزامه بفكر وسياسة حزب العمال وإيمانه (كأى ويلزي) باستقلال كارديف عن سيطرة لندن.