تطورات متلاحقة وقفزات نوعية ومحادثات مكثفة تثير القلق الدولي بين روسياوإيران وتركيا، اتضحت خلال الزيارات المكثفة التي أجراها مسؤولو الأطراف الثلاثة، لكنها تطورت وتعمقت مؤخرًا مع الأنباء عن تعميق الحوار الثلاثي فيما يخص الشأن السوري، الأمر الذي قض مضاجع الكيان الصهيوني، وأثار انزعاجه. مقاتلات روسية في السماء الإيرانية قالت وزارة الدفاع الروسية إن قاذفاتها الاستراتيجية وجهت ضربات إلى إرهابيي تنظيم داعش في سوريا من قاعدة همدان الإيرانية، وذلك بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع عن وصول طائرات قاذفة من طراز "TU-22M3" التابعة لسلاح الجو الروسي إلى مطار همدان الإيراني، للمشاركة في توجيه ضربات ضد مواقع التنظيمات الإرهابية في سوريا، وأوضحت وسائل إعلام روسية أن نشر الطائرات الحربية الروسية في الأراضي الإيرانية يُتيح الفرصة لتقليص زمن التحليقات بنسبة ستين في المائة، مشيرة إلى أن هذه القاذفات تستخدم حاليًّا مطارًا عسكريًّا يقع في جمهورية أوسيتيا جنوبروسيا، وأن قاعدة حميميم السورية ليست مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات التي تُعد من الأضخم في العالم. العراق تفتح أجواءها أكد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن العراق فتح أجواءه لمرور الطائرات الروسية وفق شروط، ونفى تسلم أي طلب من موسكو يتعلق بمرور صواريخ عبر مجاله الجوي، وشدد العبادي على أن العراق لم يسمح بمرور أنواع من الصواريخ عبر أجوائه؛ لأنه لم يتسلم طلبًا رسميًّا من روسيا لمرور الصواريخ من الأساس. التحالف الثلاثي يزعج إسرائيل خلال الفترة الأخيرة تكثفت الاتصالات والزيارات والمشاورات الروسية الإيرانية التركية، الأمر الذي أثار قلق واندهاش الكثير من المراقبين والخبراء وحتى الدول الصديقة للأطراف الثلاثة، حيث بدت العلاقات الروسية التركية على وجه الخصوص دافئة بشكل أثار علامات استفهام متعددة حول تخبط وازدواجيه السياسة الخارجية التركية، فالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كان قبل أشهر قليلة العدو اللدود للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أصبح الآن الصديق المقرب له، الأمر الذي أثار قلق وترقب العديد من الأطراف الدولية وعلى رأسها إسرائيل. بعيدًا عن التقارب الروسي التركي الذي أثار القلق والانزعاج الإسرائيلي، فقد جاء دخول إيران على خط هذا التحالف ليزيده خطورة، ويزيد تل أبيب قلقًا، بل ورعبًا من تعاون الأطراف الثلاثة، خاصة مع تكثيف الزيارات والمشاورات وخروج تصريحات توحي بأن هناك طبخة ما يتم تحضيرها بشأن سوريا بتنسيق بين الأطراف الثلاثة وموافقة الرئيس السوري، بشار الأسد، من شأنها تعميق العلاقات والحوار الروسي الإيراني التركي. ازداد القلق الصهيوني مع بدء ظهور المقاتلات الروسية في سماء طهران، وفتح العراق مجالها الجوي لمرور الطائرات الروسية، حيث أعرب خبراء إسرائيليون عن اعتقادهم أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن أن تبقى غير مبالية لظهور القاذفات الروسية في إيران, ولكن يبدو أن المواجهة لتوضيح العلاقات مع موسكو سوف تجري بالشكل التقليدي المعتاد وراء الكواليس دون تصريحات علنية حادة، وقال السفير الإسرائيلي السابق في موسكو، تسفي مغين: وضع القاذفات الروسية في القواعد الإيرانية ليس مجرد مسألة تقنية، بل مسألة لتقارب بين إيرانوروسيا، وفي هذه الحالة لا يمكننا أن نبقى في المجهول، إسرائيل لها موقف غير متحيز وموضوعي تجاه هذه المسألة الإشكالية، وإذا كانت روسيا تتقرب من إيران، نود أن نعرف على حساب من سوف يتم ذلك"، مشيرًا إلى أن السلطات في الكيان الإسرائيلي صنفت إيران منذ زمن بعيد على أنها التهديد رقم واحد للأمن القومي، مؤكدًا أن طهران لم تُخفِ نواياها يومًا فيما يتعلق بإسرائيل. بدوره قال المحلل العسكري، أندريه كوجينوف: لا يمكن ألا تقلق إسرائيل من حقيقة ظهور القاذفات الاستراتيجية في المنطقة وخاصة في إيران، وعلاوة على ذلك فإن القاذفات ذات قدرة على حمل الأسلحة النووية، وأضاف كوجينوف أنه لا يستثني أن مطار همدان لن يتم استخدامه بشكل متقطع، إنما سوف تصبح القاعدة الجوية الثانية في الشرق الأوسط بعد قاعدة حميميم السورية، وأول حالة وجود عسكري في إيران منذ الثورة عام 1979. في ذات السياق رأى محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن روسياوإيران عبر هذه العملية تعرضان حلف مصالح يعتمد على فرضيات باردة، وأضاف أن منح إيرانلروسيا الفرصة لاستخدام أراضيها يؤكد وجود تحول جذري إيجابي في العلاقات بينهما، ولكن الأخطر من ذلك أن إيرانوروسيا يمكنهما الآن الهجوم على أهداف أخرى وتفعيل أجندات مختلفة تحت غطاء الكفاح المشترك ضد تنظيم "داعش"، وأشار إلى أن السماح الإيرانيلروسيا باستخدام أراضيها يمنح موسكو تفوقًا عسكريًّا مُهمًّا للغاية، ذلك لأنه يُقصر الطريق للمقاتلات الروسية للوصول إلى الأهداف المُعدة للضرب في سوريا، كما شدد المُحلل الإسرائيلي على أن لهذا التطور بعدًا آخر، وهو بمثابة رسالة إيرانية حادة كالموس للمملكة العربية السعودية، والتي أرادت عبرها إبلاغ خصمها الرئيسي في المنطقة، الرياض، بأنها لن تسمح لها بأي شكل من الأشكال، أنْ تُقرر جدول الأعمال في منطقة الشرق الأوسط. لم يستبعد الخبراء والمحللون أن يحمل رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، مخاوفه هذه، وينقلها في زيارة سريعة وربما مفاجئة لروسيا، حيث أعتاد نتنياهو السفر إلى روسيا كلما تخوف من تهديد معين يختص بالشأن السوري، لكن يبدو أنه لم يتعلم الدرس بعد، ولم يفهم أن روسيا لن تقدم له أي تعهد بخصوص هذا الشأن. محاولات طمأنة إيرانية أكد ساسة إيرانيون أن إقلاع قاذفات روسية من قاعدة إيرانية في غرب البلاد لقصف مواقع إرهابيين في سوريا يمثل أمرًا طبيعيًّا في إطار التعاون الروسي الإيراني مع الحكومة السورية لمحاربة الإرهاب، ومنسجمًا مع الدستور الإيراني، وقال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، إن تواجد هذه الطائرات جاء بناء على موافقة المجلس، وأوضح أن إقلاع الطائرات الروسية من قاعدة نوجه في همدان جاء بموافقة مجلس الأمن القومي وضمن التعاون الرباعي بين إيرانوروسياوالعراقوسوريا. من جانبه أكد مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي، أن الروابط الاستراتيجية التي تجمع بلاده وروسيا تتطلب تعاونًا وثيقًا في مجال محاربة الإرهاب، لافتًا إلى أن التعاون العسكري بين البلدين أمر غير مستغرب، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي على الرياض أو واشنطن أو أي عاصمة أوروبية أن تنظر إلى هذا التعاون الروسي الإيراني واستخدام موسكو قاعدة همدان الإيرانية برعب ودهشة مختلطين بالإهمال، فهذا الأمر هو نتيجة لتقديرنا الشامل للأوضاع في المنطقة ولا سيما في سوريا، فيما قال رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، إن التعاون مع روسيا في قضايا المنطقة مثل سوريا لا يعني أن إيران منحتها قاعدة عسكرية على أراضيها.