قبل نحو عامين ونصف عرض التلفزيون المصري تقريرا مصورا عن نجاح الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في ابتكار جهاز جديد لعلاج المصابين بفيروسي "سي" والإيدز، أعلن فيه اللواء إبراهيم عبد العاطي قائد الفريق البحثي الذي اخترع الجهاز، أنه تمكن من هزيمة الإيدز، وقال: "لم ولن نستورد مصلًا في يوم من الأيام لعلاج أحد أبناء مصر بالإيدز"، ثم أضاف: "باخد الإيدز من المريض بغذي المريض على أيدز بدهوله صباع كفتة يتغذى عليه، باخد المرض وبدهوله غذا وهذا قمة الإعجاز العلمي". وفي اليوم التالي، كتب المتحدث العسكري حينها العقيد أحمد علي بصفحته على فيسبوك إن "القوات المسلحة تحقق أول اكتشاف عالمي لعلاج فيروسات سي والإيدز" موضحًا أن الرئيس عدلي منصور ووزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي شاهدا أحدث المبتكرات العلمية والبحثية المصرية لصالح البشرية والمتمثلة في اختراع أول نظام علاجي في العالم لاكتشاف وعلاج فيروسات الإيدز بدون الحاجة إلى أخذ عينة من دم المريض، والحصول على نتائج فورية وبأقل كلفة، وقد سجلت براءات الاختراع لها باسم رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية". وفي إطار الترويج لمرشح الضرورة الذي شاركت مؤسسات الدولة في حملة تقديمه كمنقذ ومخلص للمصريين، قبل بدء المعركة الانتخابية، نشرت "الميديا" صورا حينها ل"المؤقت" و"المخلص"، ومعهم رئيس الوزراء حازم الببلاوي وعدد من قادة القوات المسلحة وهم يستمعون إلى رئيس الهيئة الهندسية وهو يكشف أسرار جهاز الكفتة. تولى مرشح الضرورة رئاسة الدولة، وكشفت الأيام أن جهاز الكفتة كفتة، لكننا لم نأكلها واكتفينا بمشاهدتها، وتحول القائمون على هذا الاختراع إلى منصة للسخرية في كل دول العالم، "من الآخر الفضحية كانت بجلاجل"، وهو ما دعا البعض إلى الحفر خلف اللواء كفتة الذي توارى عن الأنظار تماما، لنكتشف أن عبد العاطي -الذي حصل على رتبة لواء مكلف من وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي- ليس طبيبا بالأساس، بل كان يعمل فنيا بأحد المعامل، وعرف قبل سنوات كمعالج بالأعشاب، وقدم برنامجا للتداوي بها على إحدى الفضائيات الدينية، وصدر ضده حكم بالحبس في الجنحة رقم 30238 لسنة 2007 بمحكمة جنح البساتين بتهمة مزاولة مهنة الطب دون أن يكون مقيدا بجداول الأطباء. تلاشت أخبار فضيحة "الكفتة جيت" مع الوقت، وقرر النظام أن "يكفي على الخبر مجور"، وأوعز إلى رجاله في الإعلام بقفل الموضوع، الذي أحرج المؤسسة التي يحترمها المصريون ويقدرونها، إلى أن قررت نقابة الأطباء إحالة الأطباء المشاركين في الإعلان عن جهاز الكفتة إلى المحاكمة التأديبية، بعد أن تبين للجنة التحقيق بالنقابة أن "الأطباء الذين أعلنوا وروَّجوا للجهاز المذكور والخاص بعلاج الأمراض الفيروسية قبل إتمام الخطوات العلمية المتعارف عليها، تعمدوا الإضرار بالملايين من المواطنين المصريين من جرّاء انتظارهم العلاج عن طريق الجهاز المزعوم". في الجلسة الأخيرة من محاكمته بتهمة، نشر وأشاعة أخبار كاذبة عن تكلفة الفساد في مصر، قال المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسابات السابق، أمام هيئة المحكمة الموقرة: لماذا لم يحاسب اللواء ابراهيم عبد العاطي صاحب اختراع جهاز "الكفتة"، لعلاج فيروس سي، بالرغم من عدم صحة حديثه؟. جنينة لم يشأ، أن يورط نفسه في عداء مع النظام الذي قرر التنكيل به، واكتفى بسؤاله عن عدم محاسبة اللواء كفتة، علما بأن النظام بكافة أجهزته ورجال إعلامه شاركوا في إشاعة الكذب والتلاعب بأحلام البسطاء، ثم عادوا وروجوا لعدد من الإنجازات "الكفتة"، منها على سبيل المثال لا الحصر: تفريعة قناة السويس التي خربت الاقتصاد المصري وشفطت مدخرات المصريين، ودفعت الدولة المصرية "لمد أيدها للي يسوى وما يسواش"، وتبيع أرضها ببلاش، وتعرض أمنها القومي للخطر. سيأتي الوقت الذي سيحاسب فيه "الكفتجية" على إنجازتهم الوهمية، وحتى يحين وقت الحساب، نرجو من هؤلاء أن يكتفوا بما حققوا قبل أن يدمروا البلد.