في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي، يلجأ العديد من المواطنين في قطاع غزة إلى العرف العشائري، الذي لا يعتبر بديلاً عن القضاء الوضعي في المحاكم الفلسطينية بقطاع غزة، بل مكملاً له وأسرع في مجريات الأمور. ويعتبر المواطنون أن العرف العشائري بمثابة مظلة يحتمون تحتها من الانتهاكات، ويستمد العرف العشائري في قطاع غزةوفلسطين عامةً من معطيات وحقب تاريخية شكلته، إضافة للقيم التي امتزجت ببعضها، التي قد تتداخل عليها جزئيات من بعض القيم في الدول المجاورة، نتيجة لقدم هذا العرف وتقارب العادات والتقاليد مع الجوار قديماً. وقال الحاج أبو غازي مختار، أحد أكبر العائلات في حي الشجاعية بغزة، إن اتجاه المواطن إلى العرف العشائري جاء نتيجةً لحكم فلسطين من المحتل على مر العصور، فتوارث الناس أن يتجهوا لمن منهم لحل مسائلهم القضائية، كنوع من الوطنية والتلاحم الشعبي في ظل وجود طرف محتل. وأضاف مختار أن العرف العشائري يستطيع تأمين الأرواح على خلاف القانون الوضعي؛ من خلال المصالحات والوجهاء الذين يجمدون أي خلاف عائلي بمجرد تدخلهم وحضورهم لما لهم من هيبة واحترام بين الناس، مؤكدا أن العرف العشائري لا يلغي القانون الوضعي، ولا يعارضه، بل يعتبر أداة مساعدة له، والأقرب للناس، حيث يضمن الحقوق بشكل سريع بدل الخوض في القضاء الذي يستغرق البت فيه وقتا طويلاً، قد تكبر فيه الخلافات وتتطور، إلا أن العرف يكبته. ويعود تاريخ العرف العشائري في فلسطين إلى تاريخ وجود الشعب الفلسطيني، حيث كانت أثناء حكم الدولة العثمانية يجتمع كبار القبائل، خصوصا في بئر السبع، لوجود قبائل بدوية، حيث اعتمد الناس اللجوء إليهم في حل نزاعاتهم، ولم تتدخل حينذاك الدولة العثمانية ولم تصدر أي تشريعات لتنظيمه. وتشكل القضاء العشائري من مجموعة من القوانين والأعراف التي وضعها الأجداد وتوارثها جيل بعد جيل حتى وصل إلى يومنا هذا، ويساعد بشكل كبير على التخفيف عن القضاة الشرعيين في المحاكم الفلسطيني، والبالغ عددهم 45 قاضٍ ينظرون في قضايا أكثر من مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة. وكان المجلس الوطني الفلسطيني في عمان أصدر قرارا بتأسيس الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح عام 1979، وكانت هذه الخطوة الأولى التي تنظم القضاء العشائري بشكل رسمي، إلى أن تم إلحاق الادارة لوزارة الداخلية الفلسطينية في عام 2005. وبيّن مدير الإدارة بوزارة الداخلية، حسين السرحي، إن هذه الإدارة تم تأسيسها لتنظيم القضاء العشائري في فلسطين، عن طريق متابعة لجان الإصلاح والعشائر، للتأكد أنهم يجرون أعمالهم الإصلاحية ضمن حدود القانون العشائري، إضافة لإصدار بطاقات خاصة برجال الإصلاح. وأكد رئيس محكمة الاستئناف النظامية، عمر نوفل، أن القضاء العشائري يختلف عن القضاء النظامي بشكل كبير، لكن المحاكم النظامية تحترم العرف العشائري لما له من قيمة في المجتمع، غير أن المحاكم النظامية تلتزم بحكم العرف العشائري في حال توافق طرفي النزاع على حكمهم. ورغم قسوة أحكام العرف العشائري التي تقع على المعتدين، إلا أن المواطنين يلتزمون بها، وقد يقدم الجناة طعناً في حكمهم ويطلب استئناف الحكم، ويتم تغيير الحكام حينها، لكنه بالفعل يعمل على حقن الدماء وإنهاء النزاعات بطرق سلمية تتناسب مع المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، حيث يذهب القضاة العشائريين إلى أخف الأحكام التي تتناسب مع الظروف التي يمر بها قطاع غزة.