علي مقربة من محطة الرمل بالإسكندرية في حي فلمينج بمنطقة زيزينيا الراقية، يقع متحف المجوهرات الملكية داخل قصر الأميرة فاطمة الزهراء، ابنة شقيق الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر بين عامي 1863، 1879 ويحتوي علي العديد من اللوحات الملكية والزخارف والقطع الفنية النادرة ومجموعة من المجوهرات الثمينة الذي صادرها مجلس قيادة ثورة يوليو 52 بعد الإطاحة بالملكية ليتم عرضها عبر هذا المتحف الراقي. يحتل المتحف مساحة كبيرة تتجاوز 4 آلاف متر مربع، ويحتوي على نفائس المجوهرات والحلي التي تزينت بها صدور أميرات الأسرة العلوية المصرية والتحف والأنتيكات النفيسة التي امتلأت بها قصورهم وبالمتحف ردهة مُزينة بجدارين كاملين من الزجاج المعشق الذي يخطف الأبصار وأسقف غرف مزخرفة بزخارف تختلف من غرفة لأخرى، كذلك الحوائط والحمامات والأوفيس وكل قطعة فنية من المجوهرات المعروضة وأنواع الفصوص التي لم تسمع عنها من قبل، كل ذلك يجبرك على الوقوف أمامها لفترات طويلة. المتحف الذي يضم مقتنيات الأسرة العلوية التي حكمت مصر منذ عهد محمد علي باشا حتى عصر فاروق الأول والذي تم اغلاقه مرتين وأعيد افتتاحه في عامي 2010 و2014 لتنفيذ أعمال ترميم وحمايته من السرقة بعد الثورة إذ تعطلت أجهزة الأمن بسبب دخان نجم عن حريق استراحة محافظ الإسكندرية التي أحرقها المتظاهرون أيام الثورة. تقول الدكتورة سهير أمين، المدير العام للمتاحف بالإسكندرية، إن المتحف تم إغلاقه أكثر من أربع سنوات، نتيجة سوء الأوضاع الأمنية التي كانت تمر بها البلاد عقب أحداث ثورة 25 يناير وحالة الانفلات الأمني، وتم إنفاق ما يقرب من 50 مليون جنيه علي أعمال ترميمه معماريًا وفنيًا، لعرض مقتنيات الأسرة الملكية العلوية التي تصل إلي نحو 11 ألفا و500 قطعة ملكية نادرة مع إعادة تجديد سيناريو العرض المتحفي وتثبيت بطاقات حديثة شارحه لمقتنياته الثمينة. وأضافت أمين ل"البديل" أنه تمت مصادرة القطع الملكية النادرة عقب ثورة 52 حتي وضعت في خزائن الإدارة العامة للأموال المستردة وكانت حبيسة الصناديق ولم تخرج من عزلتها إلا بصدور تقرير من قبل المجالس القومية المتخصصة، مؤكدة أن القطع الملكية النادرة وصلت إلي المتحف بأوراق وبيانات تفصيلية ولجان جرد وتسليم عهده من قبل البنك المركزي ولم يتسلمها المتحف عدديا بلا وصف أو وزن أو فحص كما يروج البعض، حيث تم افتتاحه يوم 19 أكتوبر من العام قبل الماضي، لإعادة عرض المجوهرات الملكية بشكل متحفي موثق يليق بالأسرة العلوية. جرد المجوهرات بعد الثورة.. بأمر حواس بمنطق الحفاظ على المجوهرات الملكية، تم نقلها من خزائن البنك المركزي للبنك الأهلي المصري، لكن غير المنطقي في القصة بحسب ما توصل إليه الباحث إسلام صالحين، الذي حاول فك طلاسم اختفاء المجوهرات الملكية عبر ما نشره بمدونة البصارة الخاصة بسالي سليمان، هو خروج الودائع من البنوك لمخازن المتاحف، خاصة متحف المجوهرات الملكية بقصر الأميرة فاطمة الزهراء في الإسكندرية، الذي أكد أن عملية انتقال صناديق المجوهرات الملكية لأسرة محمد علي تمت في عهد وزير الآثار الأسبق، زاهي حواس، من البنك الأهلي لمخازن المتحف المصري، عدديا دون وصف أو فحص أو وزن، خاصة بعد ثورة يناير، تحت دعوي جرد محتويات الصناديق وتقييم المحتويات وتوصيفها واعداد المحتويات للعرض. نجاة 45 صندوقًا لأسرة محمد من "التشوين" نحو 45 صندوقا خاصا بالمجوهرات الملكية لأسرة محمد علي، تم استلامها من قبل البنك المركزي في عام 2009 مشونة حتى الآن داخل المتحف المصري لحين جردها وتجهيزها للعرض المتحفي في قصر البارون، فضلا عن246 قطعة ملكية أخري تم ضبطها مؤخرا من قبل مباحث السياحة والأثار لسيدة مجهولة وتم إيداعها لدي "بنك مصر" ولم يتم استلامها حتي الآن من قبل المتاحف الخاصة بوزارة الآثار. الأمر الذي أكده الدكتور زاهي حواس، وزير الدولة السابق لشؤون الآثار، الذي أوضح أنهم تسلموا 45 صندوقا لمجوهرات الأسرة العلوية بالإضافة إلى 8 صناديق أخرى خاصة بالمستندات والوثائق التاريخية، وحينذاك أمر بتشكيل لجنة مختصة لتسلم الصناديق بالتنسيق مع وزارة الثقافة، وتمت عمليات الجرد لما يقرب من ألف قطعة ثمينة داخل بدروم المتحف المصري. وأعلن حواس ل"البديل" أن عمليات فرز مقتنيات أسرة محمد علي تستغرق أوقاتا طويلة، خاصة بعد تلف بعضها عبر طرق التخزين الخاطئة وتعرضها للظلم من قبل ضباط الثورة مع القرار الأول لمصادرتها وتشوينها داخل البنك المركزي منذ عام 1952 مرورا بالبنك الأهلي والمتحف المصري. انتقلنا إلى المتحف المصري للوصول إلى الغرفة المنعزلة التي يتم تشوين الصناديق الملكية بها بداية الأمن يعسكر على جميع المداخل، ونجحنا في الدخول كأحد الزائرين، وفي الداخل توجد غرفة جانبية مغلقة بقفلين، وتم تشميعها بأختام من الرصاص لمنع الدخول إليها، فسألنا الأمن عنها فأخبرنا أنه ممنوع الدخول إلى الغرفة، فسألناها عن السبب، فأكد أنها خاصة بمقتنيات أسرة محمد علي، ولا يتم فتحها إلا من خلال لجان مختصة. وتحدثنا إلى مدير المتحف المصري محمود الحلوجي، وأفصحنا له عن هويتنا حتى رافقنا إلى الغرفة الجانبية في بدروم المتحف التي لا تزيد مساحتها عن 80 مترا وتحوي صناديق متهالكة أكلها الصدأ ومجوهرات محفوظة داخل أكياس بلاستيكية في صناديق خشبية بالية مرفق بها ورقة تعريفية لصاحب المقتنيات الأثرية الثمينة، فضلا عن وجود خانات فارغة لبعض القطع وأكياس بلاستيكية خاوية بعد تعرضها للسرقة أكثر من مرة. بالصدفة.. الكشف عن مجوهرات ملكية نادرة سرقة آثار ومجوهرات الأسرة العلوية أمر بات يتكرر من حين لآخر، وما يتم ضبطه سواء بعد بيعه، كما حدث في عقد الأميرة فايزة أو ما يتم ضبطه قبل بيعه، كما حدث في الضبطية التي تم الكشف عن خيوطها بالصدفة من قبل مباحث الآثار، عبر إعلان عابر في جريدة الأهرام عن بيع جبري بالمزاد العلني يحوي مجموعة من المجوهرات الملكية عددها 110 قطع مودعة في بنك مصر، ضمانا لقرض رجل أعمال مصري تبين أنها من المجوهرات التاريخية والنادرة من مقتنيات أسرة محمد علي باشا. معارض متنقلة.. "ليت المطالب بالتمني" أثير تساؤل آخر لم تتم الاجابة عنه، حول ما تم ضبطه هل كان ضمن محتويات الصناديق أم أن الضبطية كانت إرثًا أو ضمن ممتلكات أحد أفراد الاسره الملكية ممن نجحوا في تهريبها، وهل تسلم الورثة المضبوطات الملكية بعد التحفظ عليها؟ تحقيقات نيابة الأموال العامة في القضية التي تحمل رقم 152 لسنة 1976 بخصوص مجوهرات أسرة محمد علي، أكدت عدم استفادة أي وريث من الأسرة العلوية بالمضبوطات التي تجاوزت 4 آلاف قطعة من المسروقات الأثرية المختفية، حيث يتم تسلم العهدة دفتريا دون شرح أو توصيف للمقتنيات أو رؤيتها وفحصها، وفي النهاية يتم تسليمها للبنك المركزي والمتحف المصري من أجل جردها وفرزها وإعادة عرضها متحفيا بما يليق بها. "دا اسمه طرمخة ونهب رسمي لمجوهرات ملكية".. هكذا قال الدكتور أسامة النحاس، المدير السابق للآثار المصرية المستردة، الذي أوضح أن "الطرمخة" على محتويات باقي الصناديق الملكية بدأت من رحلة المقتنيات النادرة عبر البنك الأهلي للمركزي للمتحف المصري لمتحف الإسكندرية، لينتهي بها الأمر مختفية، ولم يعرف لها مكان، ولن يتم الإعلان عن هذا الكشف الخرافي للطرمخة عن الكنز الحقيقي الذي اختفى فعليا في ظروف غامضة، وما يزال هناك صندوقان بالبنك المركزي لم يتم جردهما أو فرز ما بهما من مجوهرات وقطع ذهبية ثمينة ووثائق مؤرخة ونياشين وأوسمة وأختام ملكية خاصة بالأسرة العلوية. وأضاف النحاس ل"البديل" أن عددا كبيرا من القطع الملكية مازالت رهائن وودائع لدي بنكي الأهلي والمركزي، رغم مطالبتهما أكثر من مرة بتخصيص جزء من قصري البارون والسكاكيني كمتحف للمجوهرات الملكية، وبالفعل تم اتفاق وزارة الآثار مع شركة بلجيكية كبيرة لتنفيذ ذلك في عهد الوزير السابق الدكتور محمد إبراهيم، مع تنظيم العديد من المعارض المتنقلة الخاصة بمجوهرات أسرة محمد علي، حيث لا يكفي متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية الذي أصبح مكتظا اليوم لعرض كل هذا الكنز الهائل من التراث المصري الحديث، مشيرا إلي ضرورة توزيع القطع النادرة علي متاحف الأسرة العلوية المنتشرة في كل مكان. وأكد المدير السابق للأثار المصرية المستردة أن المشكلة الأكبر أمام الوزارة تتمثل في نقص التمويل الكافي من أجل ترميم وتطوير المتاحف الموجودة لتغيير طرق العرض المتحفي، ومن ثم فلابد من البحث عن "رعاة" ورجال أعمال مصريين، لتمويل ذلك كما معمول به في العديد من الدول الأوروبية، فضلا عن تولي تمويل عمليات تأمين التراث المصري والمواقع والمتاحف الأثرية، لكن يبدو أن منظومة الفساد ما تزال قائمة، على حد قوله. فتش عن سوزان مبارك وزكريا عزمي رموز نظام مبارك كان لهم دور بارز في اختفاء الصناديق الملكية النادرة بأوامر وتوصيات من وزير الآثار الأسبق خلال عهد مبارك لصالح كبار رجاله، وعلى رأسهم زوجته سوزان مبارك ورئيس ديوانه زكريا عزمي، المسؤول الأول عن تهريب الآثار الفرعونية والملكية التي كانت تخرج بالأمر المباشر من مقابر الأقصر وأسوان وسوهاج عبر طيارة هليكوبتر، بحسب تعبير الدكتور عبد الحليم نور الدين، مقرر لجنة الآثار ورئيس اتحاد الأثريين العرب، الذي أكد أن البلد كانت منهوبة وما تزال حتى هذه اللحظة. وتسائل نور الدين عن آثار المتحف المصري التي سُرقت خلال جمعة الغضب 28 يناير 2011 ومصير ال 18 قطعة الأثرية التي لم تُسترد حتى الآن، قائلًا: "آثار مصر ضاعت في مهب الريح بسبب شوية مسؤولين ووزراء أتباع وخدامين عند الرئيس". وأعلن رئيس هيئة الأثار السابق في تصريحات خاصة أن مجوهرات أسرة محمد علي ليست ملكًا لأحد ولكنها ملكًا للأمة ولا يحق لأحد أن يتصرف فيما تملكه الدولة لا بيعًا أو شراءًا أو تجارة أو سرقة طبقًا لنصوص الدستور، مضيفًا أنه ليس لدى وزارة الأثار حصرًا شاملًا أو احصاءًا محددًا عن القطع الأثرية التي خرجت أو التي ما تزال موجودة في مصر حتى الآن. مجوهرات أسرة محمد علي.. رهن قروض وفي سياق متصل، أكد الدكتور محمود عباس، رئيس لجنة الفحص والتقييم التابعة لوزارة الآثار، أن بنوك مصر تقبل رهون للقروض عبارة عن مجوهرات لا يعرفوا قيمتها إلا حين يراد بيعها، لكن عند وضعها كرهان يتم أخذها هكذا اعتباطا دون تقييم أو كشف عن قيمة وأثرية تلك المجوهرات عند وضعها كرهن للقرض، مؤكدا أن من ضمن ما عثر عليه مؤخرا كانت جوهرة من الماس تزن 44.8 قيراطا، تعد ثالث أكبر ماسة فى العالم. وأضاف عباس أن متحف الإسكندرية للمجوهرات الملكية مؤمن بصورة شديدة الحراسة حتى وإن ضرب بالنابالم، مشيرا إلي أن ماعثرت عليه مباحث السياحة والأثار مؤخرا بالصندوق المحفوظ فى البنك لسيدة مجهولة يعد أنفس من كل المعروض في متحف المجوهرات بالإسكندرية حتى أنه إذا ما قورنت المعروضات من المجوهرات بالمتحف، بما تم الكشف عنه تصبح مجوهرات المتحف كأنها فتات، وسيتم وضع ال 120 قطعة التي تم الكشف عنها مؤخرا، للعرض المتحفي في الإسكندرية. نأسف للإزعاج.. "ودائع" أسرة محمد علي سرية وعلى صعيد قانوني، ذكر الخبير الأثري والسياحي الدكتور عبدالرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية، أنه بموجب قانون الأموال المسترده بعد ثورة 1952، فكل ما تملكه أسرة محمد علي ملك للدولة، ومن ثم وطبقا لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة2010 والقانون رقم61 لسنة2010، يجب تسجيل القطع المضبوطة بالسجلات الخاصة بالوزارة، لما تتميز به من طبيعة فريدة وأنها كانت تصنع خصيصا للأسرة العلوية، وكانت تتحلي بها الملكات والأميرات من أسرة محمد علي باشا، حيث تمثل إضافة جديدة ليست للتراث الأثري فقط، بل للتراث الإنساني والحضاري والجمالي، وهي جزء من تاريخ مصر. حاولنا التواصل مع طارق عامر، محافظ البنك المركزي، لكنه رفض الإدلاء بأي تفاصيل أو معلومات حول القطع الملكية، ورفض الكشف عن عدد الصناديق أو الودائع البنكية المحفوظة لدي البنك المركزي، تحت دعوي "سرية الودائع".