بعد ساعات من خروج نتائج الاستفتاء التاريخي الذي خاضته بريطانيا، الذي أظهر رغبة البريطانيين في الخروج من الاتحاد الأوروبي، ارتفعت أصوات منادية بالاستقلال عن بريطانيا، فيبدو أن قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، قد أثار الرغبات الانفصالية لدى بعض الأقاليم التابعة للمملكة المتحدة، وجاءت على رأسها اسكتلندا. تصاعد الدعوات أظهر استطلاع للرأي نشرت نتيجته صحيفة صنداي تايمز، أمس الأحد، وأجراه معهد بانيلبيس يومي الجمعة والسبت على عينة تمثيلية قوامها 620 شخصًا، أن 52% من الاسكتلنديين يؤيدون الانفصال عن بريطانيا بعد قرار أكثرية الناخبين البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث قالت الصحيفة: إن نسبة الاسكتلنديين الراغبين في استقلال مقاطعتهم عن المملكة المتحدة في تزايد، مقابل 48% منهم يعارض الانفصال. الاستطلاع الذي أجراه معهد بانيلبيس، جاء بعد تصريحات مثيرة للجدل أطلقتها رئيسة الوزراء الاسكتلندية، نيكولا سترجن، قبل ظهور نتيجة الاستفتاء البريطاني وبعدها، حيث قالت سترجن أثناء إدلائها بصوتها في استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي: إن اسكتلندا ترى مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي، وأضافت: «نحن بانتظار النتيجة النهائية، لكن التصويت هنا في اسكتلندا يدل على أن الاسكتلنديين يرون مستقبلهم داخل الاتحاد الاوروبي»، وعقب خروج نتائج الاستفتاء التي أظهرت أن أكثرية الاسكتلنديين مؤيدين للبقاء في أوروبا، إذ بلغت هذه النسبة 62%، قالت رئيس الوزراء الاسكتلندي: إن تنظيم استفتاء جديد على استقلال المقاطعة بات مرجحًا جدًّا؛ لأننا لا نريد أن يصبح الاسكتلنديون خارج الاتحاد الأوروبي رغمًا عنهم، كون أكثريتهم صوت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، وأضافت سترجن أن تنظيم استفتاء ثان على الاستقلال خيار واضح ينبغي وضعه على الطاولة، وهو بالفعل كذلك. رئيسة الوزراء الاسكتلندية لم تكتفِ بالتصريحات فقط، بل اتخذت خطوات يبدو أنها تمهيدًا لإجراء استفتاء شعبي على استقلال إقليمها عن بريطانيا، والحفاظ على مقعده في الاتحاد الأوروبي، حيث أكدت مصادر أن نيكولا سترجن عقدت اجتماعًا طارئًا واستثنائيًّا لحكومتها في ادنبرة السبت، دعت في ختامه إلى الشروع بمحادثات فورية مع بروكسل لحماية مكانة اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، وأضافت سترجن أن مجلس وزراء الحكومة الإقليمية في اسكتلندا وافق رسميًّا على العمل في الإطار التشريعي لإجراء استفتاء ثان حول الاستقلال عن بريطانيا، وتابعت سترجن: جميع الخيارات الممكنة لحماية مكان اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي سيتم خوضها، ومنها خيار إجراء استفتاء ثان، سيتم تشكيل مجموعة استشارية خاصة بهذا الأمر في الأيام المقبلة، وسيتم طرح الأمر على البرلمان لمناقشته. عواقب الانفصال رغم تعدد دعوات انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، واتخاذ رئيس الحكومة الاسكتلندية خطوات جدية على هذا الطريق، إلَّا أن هناك بعض المشكلات التي قد تعرقل الآمال الاسكتلندية، أهمها التوقيت والإطار الزمني، فالحزب القومي الاسكتلندي الذي تتزعمه رئيسة الوزراء، نيكولا سترجن، لا يحظى بالأغلبية المطلقة في برلمان اسكتلندا، فضلًا عن الأغلبية التي يتمتع بها المحافظون في برلمان لندن، الذي يجب أن يصادق على الاستفتاء قبل المضي قدمًا في إجراءاته، علاوة على ذلك، فإن الاضطراب الذي تعيشه الحكومة المركزية في لندن حاليًا يجعل من الصعب الدخول في مفاوضات ومناقشات معها بشأن الاستفتاء وشروطه، الأمر الذي يعني أن سترجن ستحتاج إلى الانتظار إلى ما بعد الانتخابات العامة المقررة في 2020، لكي تتمكن من التفاوض على أرضية صلبة مع حكومة مستقرة في لندن حول الاستفتاء. تجربة سابقة دعوات انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة لم تكن جديدة، ففي 18 سبتمبر عام 2014، أجرت الحكومة الاسكتلندية استفتاءً على الانفصال عن المملكة البريطانية، رفض خلاله الناخبين الاستقلال بنسبة 55.42%، مقابل نسبة 44.58% كانت تؤيد الاستقلال، لكن يبدو أن الزلزال الذي أحدثه استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قد جعل قاطني الإقليم يعيدون النظر من جديد في أمر الاستقلال، وهو ما أكدته رئيس الوزراء الاسكتلندية، عندما قالت: إن نتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تضع على الطاولة استفتاءً جديدًا حول استقلال اسكتلندا، وأشارت إلى بند في البيان التأسيسي للحزب القومي الاسكتلندي الذي تتزعمه، لتقول: إن هناك تغيرًا كبيرًا وملموسًا في الظروف التي صوتت خلالها اسكتلندا ضد الاستقلال في 2014. المشكلات انطلق من جديد الجدل والتحليلات بشأن الانعكاسات المتوقعة على استقلال الإقليم الاسكتلندي عن المملكة البريطانية، حيث رأى مراقبون أن العواقب ستكون خطيرة ليس فقط على الإقليم وإنما على المملكة المتحدة أيضًا، خاصة من الناحية الاقتصادية حيث من المتوقع أن تنزلق بريطانيا في أزمة اقتصادية خانقة، حيث تمثل اسكتلندا مركز ثقل استثماري واقتصادي مهمًّا للبلاد، ويقول المحللون: إن الشركات البريطانية الكبرى ستواجه هوة كبيرة في حال فقدت المملكة المتحدة اسكتلندا، مشيرة إلى أن الخسائر ستتجاوز 100 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل 162 مليار دولار. أما بالنسبة لاسكتلندا، فإن هناك مديونيات داخلية وخارجية على بريطانيا تتجاوز 1.2 تريليون جنيه إسترليني، ومن المؤكد أن إسكتلندا سيكون لها حصتها من هذه الديون، وهذا يعني أن اسكتلندا ستواجه تحديات اقتصادية جمة، وربما ستضطر الحكومة إلى زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق بمقدار يتجاوز 6 مليارات جنيه إسترليني.