تحركات عسكرية جديدة ومناورات لحلف شمال الأطلسى "الناتو"، تعد الأوسع نطاقًا منذ انهيار النظام الشيوعي عام 1989، خطوات استفزازية يُقدم عليها الناتو من وقت إلى آخر، تُعجل بتنامى الحرب الباردة المشتعلة بين روسيا والغرب منذ سنوات، وربما وصولها لمرحلة تضع المنطقة برمتها على حافة سقف جديد من التصعيد. مناورات "أناكوندا-16" بدأ حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أمس الاثنين، واحدة من أكبر المناورات على الطرف الشرقي لحلف الأطلسي، حيث انطلقت مناورة عسكرية ضخمه في بولندا، أطلق عليها اسم "أناكوندا-16″، بمشاركة أكثر من 24 دولة في الناتو وشركاء آخرين من خارج الحلف مثل السويد وفنلندا، وتستمر المناورة لأكثر من عشرة أيام، ويشارك فيها 31 ألف جندي، نحو 14 ألف من الولاياتالمتحدة، و12 ألفًا من بولندا، إضافة إلى ألف جندي بريطاني، ويدعمهم نحو 3 آلاف آلية عسكرية، بما في ذلك دبابات وناقلات جنود مدرعة، وأكثر من 100 طائرة ومروحية، إضافة إلى 12 سفينة برمائية، وتشمل المناورة تدريبات مثل هجوم ليلي بطائرات هليكوبتر، وإسقاط مظليين أمريكيين لبناء جسر مؤقت على نهر فيستولا. تشارك في المناورة للمرة الأولى، قوات شبه عسكرية بولندية، فيسعى وزير الدفاع البولندي، انتونى ماتسيريفيتش، إلى تحويلها خلال العام المقبل لوحدات دفاع عن الأراضي تخصص لاعتراض عمليات روسية محتملة على غرار أنشطتها في القرم وشرق أوكرانيا، وفق قوله، ومن المقرر أن تتألف قوى حماية الأراضي من 35 ألف مدني يتلقون تدريبًا عسكريًا، وستلحق هذه القوى بالجيش البولندي الذي سيرتفع عديده في العام المقبل من 100 إلى 150 ألف عنصر. مناورات روسية في الوقت نفسه، تنطلق اليوم الثلاثاء، مناورات ساحلية روسية للقوات البرية والبحرية الموحدة لأسطول الشمال الروسي، بدأت في شمال إقليم مورمانسك، حيث قال رئيس القسم الصحفي لأسطول الشمال الروسي، العقيد البحري فاديم سيرجا: بدأ جنود القوات البرية والبحرية الموحدة لأسطول الشمال، المرحلة النشطة من التدريبات الساحلية على القتال في ميدان رماية القطب الشمالي، الواقع شمال منطقة مورمانسك، وستشهد التدريبات الميدانية لقوات المشاة المعنية بالمناورات، مشاركة الدبابات، ووحدات المدفعية، وكذلك قوات للكشافة ووحدات لإزالة الألغام. تأتي المناورات الروسية في خضم التدريبات التي تجريها موسكو من فترة إلى أخرى، لكنها زادت خلال الفترة الأخيرة في مناطق شمال البلاد وغربها، وبالذات بالقرب من الحدود الشمالية قرب منطقة القطب، وبمحاذاة الحدود الغربية مع دول أوروبا الشرقية، نظرًا لقيام حلف شمال الأطلسي بالعديد من المناورات على طول الحدود مع روسيا. انزعاج روسي المناورات التي يجريها حلف شمال الأطلسي تشكل استفزازًا متصاعدًا بالنسبة لروسيا، حيث تتهم الأخيرة الحلف الذي تقوده الولاياتالمتحدة بتهديد أمنها من خلال توسعه شرقًا، وتعتبر المناورات التي تجريها قوات الحلف خرقًا للاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها مع الحلف، في الوقت الذي ينفي فيه حلف الناتو أن تكون هذه المناورات موجهة ضد روسيا. وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أمس الاثنين، أن لدى موسكو الحق السيادي في الرد المناسب على توسع الناتو وتوريط بلدان أخرى في أنشطة التحالف، مضيفا: أكدنا موقفنا أن كل بلد سيادي يختار تلك السياسة التي تضمن أمنه الذي يرى أنه ضروري، في هذه الحالة، نحن لا نخفي أن موقفنا سلبي تجاه نهج حلف شمال الأطلسي في تقدم بنيته التحتية العسكرية نحو حدودنا، وفي جر دول أخرى إلى الأنشطة العسكرية للحلف، وهنا يدخل حيز التنفيذ حق روسيا السيادي بضمان أمنها عن طريق الأساليب المناسبة لمواجهة مخاطر اليوم. تأتي هذه الخطوة الاستفزازية الجديدة من قبل الحلف الأطلسي بعد أسابيع قليلة من وضع الرئيس البولندى، أندريه دودا، بحضور ضيوف أجانب من رتب عسكرية عالية، بالإضافة إلى وزير الخارجية البولندي، حجر الأساس لقاعدة أخرى ضمن منظومة الدفاع الصاروخية التي يسعى حلف شمال الأطلسي ناتو لإنشائها في القسم الشرقي من أوروبا، وتزامن أيضًا مع تدشين الحلف لأول قاعدة للدرع الصاروخية الأمريكية فى رومانيا، وهي الخطوات التي أثارت غضب روسيا وأعربت حينها عن قلقها بشأن توسع نشاط حلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية. وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن هذه المنظومة ليست دفاعية على الإطلاق، بل جزء من القدرات الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة تم نقله إلى مناطق أخرى، وفى هذا الحال بالذات إلى أوروبا الشرقية، وحذر بوتين: على أصحاب القرار الذين قبلوا بعناصر من الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيهم، أن يتذكروا أنهم عاشوا حتى اليوم بهدوء وأمان، أما الآن، وبعد نشر عناصر الدرع الصاروخية فى هذه المناطق، فإننا فى روسيا سنضطر للتفكير فى سبل وقف المخاطر التى تنشأ وتهدد أمن روسيا الاتحادية. توقيت المناورات تأتي المناورة قبل شهر من القمة المرتقبة لحلف الأطلسي في العاصمة البولندية "وارسو" مطلع يوليو المقبل، المتوقع أن تطلق أكبر ورشة لتحديث الحلف منذ الحرب الباردة، من خلال إعلان الحلف عن نشر قوات في أوروبا الشرقية خصوصًا بولندا، في بادرة وصفها الحلف بأنها استراتيجية ردع وحوار، حيث تنتقد وارسو بشدة أفعال موسكو في أوكرانيا، فمنذ سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم، تتخوف بولندا وحلف الناتو من أن تغزو موسكووارسو بسرعة، ما دفع بولندا إلى حث الحلف مرارًا على تعزيز وجوده على الأراضي البولندية، وبالفعل عمل الحلف على تعزيز الدفاعات على جانبه الشرقي، فيما نفت روسيا هذه الاتهامات مرارًا، حيث يجدد الكرملين من فترة لأخرى نفي الاتهامات الموجهة إلى بلاده بانتهاك حدود أوكرانيا، بالقول إن موسكو تسمع هذه الاتهامات على مدى العامين الماضيين، بالإضافة إلى نشر مزاعم حول دخول قوات وآليات روسية إلى أراضي أوكرانيا، مؤكدًا أن كل الاتهامات تبقى عديمة الأساس إذ لم يقدم أحد حتى الآن أي أدلة لإثباتها. تزامن انطلاق مناورات الناتو مع نشر الحلف لمنظومة دفاع جوي جديدة في جنوبتركيا، حيث وصلت أمس الاثنين، 36 شاحنة تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى ولاية قهرمان مرعش جنوبتركيا، محملة ببطاريات صواريخ دفاع جوي ومستلزمات عسكرية وفنية، وقالت مصادر أمنية تركية إن نشر منظومة الدفاع الجوي هدفها التصدي لأي تهديد من الأراضي السورية، ويأتي نشر هذه المنظومة كتعويض عن وحدة الباتريوت الألمانية التابعة للناتو، التي انتهت مهمتها في ولاية قهرمان مرعش، نهاية عام 2015، وكانت استمرت 3 سنوات، في إطار عملية "السياج الفعال" التي أعلن الناتو عن إطلاقها في ديسمبر عام 2012، بعد أن طلبت تركيا من الحلف المساعدة لمواجهة هجمات صاروخية محتملة، إثر سقوط عدة قذائف داخل الأراضي التركية في أكتوبر من نفس العام، أدت إلى مقتل 5 أشخاص في بلدة آقجة قلعة الحدودية، وقيل حينها أن مصدرها الأراضي السورية.