تشهد العلاقات التركية مع دول إفريقيا تطورًا كبيرًا في الفترة الأخيرة، لاسيما في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، في ضوء مساعي أنقرة الدائمة إلى تعزيز تواجدها ونفوذها الإقليمي في هذه المنطقة؛ نظرًا لكونها منطقة استراتيجية مهمة، بها الكثير من الثورات الطبيعية، وتعتبر من أهم مصادر الطاقة في العالم قديمًا وحديثًا، فضلًا عن خصوصيتها الجغرافية، والتي تحاول القوى الدولية الاستفادة منها في فرض نفوذها لتحقيق أهدافها السياسية. التوسع الاقتصادي التركي في إفريقيا واهتمت انقرة بشكل موسع بتطوير العلاقات مع دول إفريقيا، وخصوصًا مع إثيوبيا، التي أصبحت واجهة الاستثمار الدولي في السنوات القليلة الماضية. وتشير المعلومات إلى أن حجم التعاون الاقتصادي بين أنقرةوأديس أبابا في أعلى مستوياته الآن، حيث تؤكد إثيوبيا أنها تأخذ النصيب الأكبر من الاستثمارات التركية في إفريقيا، وهو 3 مليارات دولار من إجمالي 6 مليارات دولار تستثمرها تركيا في القارة، متفوقة بذلك على الصين والهند، وحاليًّا يوجد بها 350 شركة تركية، دخلت منها 120 شركة في 2014، ويعمل بها أكثر من 500 ألف إثيوبي. وقبل يومين زار وفد من المستثمرين الأتراك مؤلف من 23 عضوًا أديس أبابا، والتقوا الرئيس الإثيوبي مولاتو تشوم، الذي حثهم على مزيد من الاستثمار، متعهدًا بأن تقدم بلاده امتيازات وفرصًا استثمارية لهم في إثيوبيا، واعدًا بالدعم الحكومي المستمر، وقدم إيضاحات حول وجود بيئة مواتية في مجالات الغزل والنسيج والزراعة، والجلود، وتجهيز الأغذية والأدوية. ووفقًا للسفير التركي فإن إثيوبيا بلد استراتيجي للاستثمار، والذي أكد أن البلاد تجذب العديد من المستثمرين من أنحاء العالم، وأن البلدين يعملان الآن لتعزيز تبادلاتهما التجارية، ملهمين باتفاقيات العام الماضي بين رئيس الوزراء الإثيوبي هيل ماريام دسالن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعلى صعيد آخر تحركت تركيا في منطقة دول جنوب الصحراء الكبرى في السنوات الأخيرة؛ لإقامة تعاون اقتصادي معها، لاسيما مع غانا وكوت ديفوار، الشريك الأكبر لتركيا على الصعيد التجارى فى هذه المنطقة، حيث وقع أردوغان خلال جولته الأخيرة، التي شملت أبيدجان، على 9 اتفاقيات اقتصادية؛ بهدف زيادة التبادلات التجارية بين البلدين؛ لتصل إلى مليار دولار بحلول عام 2020، كما تناولت الاتفاقيات تعزيز حماية الاستثمارات والمجالات الضريبية فى الإطار القانوني؛ لتنمية الأعمال بين الأتراك والإيفواريين. وفي غانا سعت تركىا إلى توسيع دورها اقتصاديًّا؛ بهدف تعزيز التبادل التجارى بين البلدين، كما عمدت تركيا إلى اعتبار الصومال البوابة الأوسع لها فى سعيها لتوسيع نفوذها بإفريقيا، حيث ركزت تركيا على ضخ الاستثمارات في هذا البلد الفقير والمساعدات الإغاثية للصومال؛ نظرًا لأهمية موقعها الجغرافي الذي يربط بين القارات، وباعتبارها ممرًّا مهمًّا للطاقة في العالم، إضافة إلى الثروات الكثيرة التي تمتلكها الصومال ومخزونها من البترول. الملف السياسي والأمني وفي نفس الصدد كانت العلاقات الاقتصادية المميزة بين تركيا وإفريقيا ذات تأثير إيجابي على الملف السياسي والأمني، حيث بدا واضحًا أن التحركات التركية في القارة الإفريقية، وخاصة في دول القرن الإفريقي، لا تستهدف التعاون الاقتصادي فقط، بل توسيع نفوذ أنقرة على الصعيد الدولي، ومحاولة البحث عن دور في مناطق إقليمية جديدة؛ تعويضًا للخسائر التي لحقت بها بعد تعدد مشاكلها مع الجوار الإقليمي، بعد ثورات الربيع العربي وتوتر العلاقات مع روسيا ومع باقي جيرانها، مثل مصر وسوريا وأرمنيا وقبرص واليونان. واعتمدت تركيا في تحركاتها على عدد من الدول الإفريقية ذات الأهمية الاستراتيجية، وكان أبرزها إثيوبيا والصومال وجيبوتي، إذ عمدت أنقرة إلى التوقيع على اتفاقيات أمنية مع أديس أبابا وجيبوتي ومقديشو في الفترة الأخيرة. ووقع البرلمان التركي العام الماضي على اتفاقية الدفاع المشترك مع أديس أبابا، الأمر الذي أثار الكثير من التكهنات، خاصة في مصر حول الهدف منها، لاسيما مع توسع هوة الخلاف بين القاهرةوأديس أبابا بشأن سد النهضة في الفترة الأخيرة، وفضلًا عن ذلك سعت أنقرة إلى إنشاء قواعد عسكرية في منطقة القرن الإفريقي، حيث ساعد الحراك التركي في إفريقيا على إقامة قاعدة عسكرية تركية في الصومال بعد إقامة قاعدة فى قطر، وكشف ذلك عن الأبعاد "الجيوسياسية" المهمة التي تنتهجها سياسة تركيا إزاء القارة الإفريقية. تأثير التعاون على مصر وحوض النيل مع توتر العلاقات المصرية التركية في السنوات الأخيرة، لاسيما مع سقوط حكومة الإخوان في مصر، تنظر القاهرة بتوجس وحذر إلى التوغل التركي في إفريقيا، وخاصة فيما يتعلق بعلاقات أنقرة مع أديس أبابا وتأثيرها على سد النهضة الإثيوبي، الذي تؤكد مصر أنها سيقع عليها ضرر منه، كما تشير تصريحات المسؤولين والخبراء بصورة كبيرة إلى أن تركيا تدعم إثيوبيا من خلال تمويل السد أو الاستثمارات التركية في أديس أبابان وذلك على خلفية تحجيم الدور المصري، كما أثار توقيع تركيا اتفاقيات عسكرية مع أديس أبابا وتزويدها بصواريخ جديدة حفيظة المصريين. ومن ناحية تركيا فيما يتعلق بالسدود عامة وسد النهضة خاصة فهي تعيش ظروفًا مشابهة لحالة إثيوبيا؛ لكونها دولة منبع، ومرت بنفس التجرية مع سوريا والعراق، عندما قامت بإنشاء سد أتاتورك في نهري دجلة والفرات، معتبرة أنها لها الحق الأوحد في مياه هذين النهرين؛ لذا فإنها قد تنظر من نفس المنظور، وهذا لا يمنع أن يكون الأمر وسيلة ضغط من تركيا على مصر، ويفسر في القاهرة على أنه موقف مُعادٍ للإدارة الحالية.