رغم تأكيد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يختتم جولاته المكوكية في ألمانيا، أن تركيا تعد من أهم الحلفاء للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ البلدين مستمران في التواصل والحوار الرامي لحل الأزمة السورية وإنهاء الاقتتال في هذا البلد، إلَّا أن مؤشرات الزيارات تقول إن هناك حالة من عدم التوافق الأمريكي التركي، فأوباما زار تقريبًا جميع حلفائه المؤثرين الذين تربطه بهم الملفات الشائكة بمنطقة الشرق الأوسط باستثناء تركيا؛ كما حدث في اللقاء المجمع الذي عقده الرئيس الأمريكي في السعودية مع قادة دول الخليج، وعلى المستوى الأوروبي زار أوباما كلًّا من بريطانياوألمانيا، حيث استقبلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمس 24 أبريل، أوباما في قصر «هيرنهاوزن» بمدينة هانوفر في زيارة تستمر ليومين. تركيا والمنطقة العازلة يبدو أن صلابة الجيش العربي السوري وحلفائه التي أثبتت جدارتها في الميدان السوري، خلطت أوراق الإدارة الأمريكية، خاصة بعد تدخل الروس العسكري المباشر في سوريا، حيث أصبحت التصريحات الأمريكية لا تبتعد كثيرًا عن السياق الروسي، بل إن بعض تصريحات واشنطن أصبحت قيصرية أكثر من القيصر نفسه. فبالأمس وجه أوباما الضربة القاضية لأي أحلام تركية للرئيس رجب طيب أردوغان بإنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا، حيث قال أوباما من ألمانيا إن «مشكلة منطقة عازلة لا تكمن في أنني لا أريد إقامتها إنما في كيفية ضمان الأمن فيها دون مشاركة عسكرية واسعة». وحتى الراهن على قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بأي عمل عسكري في سوري فلا يعول عليه هو الآخر، فأوباما نفسه كان قد وضع هذا الخيار في مهب الريح، في ختام زيارته إلى بريطانيا والتي استغرقت ثلاثة أيام، حيث أكد أوباما أنه سيكون من الخطأ إرسال الغرب قوات برية إلى سوريا، والإطاحة بنظام بشار الأسد، موقف أوباما راه محللون أن أوباما استنفد جميع وسائل الضغط والتأثير ولم يبق أمامه سوى الخيارات الروسية ليطرحها كبديل حقيقي للحل في الأزمة السورية. ويبدو أن كلام أوباما انعكس على موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فتراجعت خطوة إلى الوراء، فالمعروف أن المستشارة الألمانية كانت قد أيدت خلال زيارتها السبت الماضي لتركيا، إقامة منطقة عازلة في سوريا لحماية النازحين، وقالت في مقابلة مع صحيفة «شتوتجارتر تسايتونج» الألمانية في وقت سابق، إنه «في الوضع الحالي سيكون مفيدًا إقامة منطقة لا يقصفها أي من المتناحرين نوع من منطقة حظر جوي». ورغم أن ميركل أصرت على أن اقتراحها الخاص بإنشاء مناطق آمنة في سوريا يتسق مع الجهود الدولية لإحلال السلام هناك، إلَّا أنها قالت: إن إنشاء مناطق آمنة يجب أن يكون جزءًا من مفاوضات السلام التي تشمل الحكومة السورية وجماعات المعارضة المعتدلة، وألَّا تخضع هذه المناطق لحماية غربية، الأمر الذي يعد تراجعًا واضحًا عن سياستها حول المناطق العازلة، الأمر الذي يقلل من سقف التمنيات التركية. أمريكا وتعزيز الدور الكردي بالمنطقة مازال أوباما يتجاهل كلام أردوغان، الذي كان قد طالب فيه الرئيس الأمريكي بالاختيار بين تركيا أو الأكراد، حيث قال مسؤولون أمريكيون: إن أوباما سيعلن اليوم الاثنين من ألمانيا، اعتزامه إرسال 250 عسكريًّا أمريكيًّا إضافيًّا إلى سوريا، وبهذه الخطوة سيزيد عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى نحو 300 عسكري، الزيادة النسبية للوجود الأمريكي في سوريا تشكل خطرًا على الأتراك، فهدف القوات الأمريكية هو مساندة ميلشيات سوريا الديمقراطية المكونة بشكل أساسي من ميلشيا الوحدات الكردية. الخطوة الأمريكية بزيادة قواتها في سوريا لا يمكن لتركيا النظر إليها إلَّا أنها انعكاس عن تزايد الثقة بين الميلشيات الكردية والولاياتالمتحدة التي تدعمها، الأمر الذي قد يشكل خطرًا استراتيجيًّا على تركيا، خاصة أن أمريكا تدعم الأكراد في العراقوسوريا، الأمر الذي يهدد تركيا في ظل وجود إقليمين كرديين باتا قريبين من حدودها، ففي العراق هناك إقليم كردستان، الذي يسعى للانفصال عن العراق، وفي الشمال السوري هناك مسعى كردي لإقليم فيدرالي للأكراد في سوريا. ويبدو أن الدعم الأمريكي للأكراد بات يلقي بظلاله حتى على مستوى التصريحات الكردية الموجهة لتركيا، التي باتت أكثر ثقلًا وزخمًا، حيث قال، جميل بايك، الزعيم بحزب العمال الكردستاني التركي الانفصالي: «إن الحزب مستعد لتكثيف معركته ضد تركيا لأن انقره مصممة على تركعيه» وأضاف: «إن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هو الذي يصعّد هذه الحرب»، وتابع أن «الأكراد سيدافعون عن أنفسهم إلى النهاية، مازالت هذه هي نظرة الاتراك، بالطبع سيصعد حزب العمال الحرب». أحداث 1915 العلاقات الأمريكية والتركية ليست في أحسن أحوالها، ففي 23 أبريل الماضي، انتقدت وزارة الخارجية التركية البيان الصادر عن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الجمعة الماضية، حول أحداث عام 1915، مشيرة إلى أن البيان «يعد مثالًا جديدًا لتقييم تم على أساس رواية تاريخية أُحادية الجانب للآلام التي وقعت في الحرب العالمية الأولى» وأضاف البيان «أن الجهود الرامية لاستغلال الآلام التي وقعت عبر التاريخ، إلى يومنا الحالي، لتحقيق أهداف سياسية، لم تجلب أية فائدة لأحد»، معتبرًا أن «الأطراف التي تحاول الاستفادة من مواقف دول ثالثة كل عام، أمر لا يقوض فرص السلام والصداقة فحسب، وإنما يسيء للآلام المشتركة التي شهدتها تلك المرحلة». كان أوباما قد استخدم في البيان الصادر عنه، في معرض تعليقه على أحداث 1915 التي شهدتها منطقة الأناضول في أواخر العهد العثماني، عبارة «ميدس يغيرن» باللغة الأرمنية، التي تعني «الكارثة الكبرى»؛ لتوصيف تلك الأحداث، التي راح ضحيتها أكثر من مليون أرمني، ووُصفت بالمجازر، الأمر الذي لم يرق لتركيا.