تسبب الكشف عن وثائق مثيرة تثبت تورط المملكة في هجمات 11 سبتمبر عام 2001، في اضطربت العلاقات بين السعودية وأمريكا، الأمر الذي يشير إلى تعقد الأمور بين الدولتين. تهديد سعودي لأمريكا أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن السلطات الرسمية بالمملكة العربية السعودية حذرت الرئيس الأمريكى باراك أوباما وأعضاء الكونجرس من تداعيات اقتصادية، في حالة إذا ما أقر الكونجرس مشروع قانون يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر وهجمات إرهابية أخرى بمقاضاة حكومات أجنبية، وهو القانون الذي من شأنه أن يورط الحكومة السعودية، لتكون مسؤولة أمام المحاكم الأمريكية عن هجمات 11 سبتمبر 2001. يأتي هذا التهديد السعودي بعدما ظهرت وثائق تثبت تورط السعودية في الهجمات الإرهابية، حيث كشفت قناة «سي بي أس» الأمريكية، خلال الأسبوع الماضي، ما اعتبرته وثائق مهمة توضح الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في أحداث 11 سبتمبر، الذي يمكن تلخيصها في ال«28 صفحة» التي سعت الإدارة الأمريكية إلى ضمان سريتها حتى وقت قريب. وقال تقرير القناة الأمريكية: إن مسؤولين بالمخابرات الأمريكية يدرسون إمكانية الكشف عن أكثر الوثائق سرية في البلد، والمعروف ب28 صفحة، الذي يكشف عن أحداث 11 سبتمبر، بجانب احتمال وجود شبكة دعم سعودية للمختطفين أثناء تواجدهم في الولاياتالمتحدة، حيث تعتبر هذه الوثائق جزءًا من تقرير أعدته ونشرته لجنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عام 2003، تحت عنوان «البحث والمناقشة والسرد فيما يتعلق بمسائل أمن قومي حساسة بعينها»، ويبلغ عددها 800 صفحة، وقد تم كشف تلك الصفحات، فيما عدا الجزء الأخير والمكون من 28صفحة، فقد بقي سريًّا لأسباب أمنية لم يعرفها إلَّا القليل من الذين كانوا مطلعين على أسرار التحقيقات، ففي عام 2002، أزالت إدارة الرئيس السابق جورج بوش هذه الصفحات من تقرير تحقيق الكونجرس، وقال بوش حينها: إن نشر هذا الجزء من التقرير سيضر بعمليات المخابرات الأمريكية، وسيكشف عن مصادر وأساليب ستجعل انتصارنا في الحرب على الإرهاب أصعب. عواقب أمريكية قال الموقع الإلكترونى لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: إن أول التداعيات سيكون بيع مئات المليارات من الدولارات من الأصول الأمريكية التى تحتفظ بها المملكة، حيث سلم وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، رسالة رسمية من المملكة إلى واشنطن خلال زيارته لها في مارس الماضي، وقال فيها، إن المملكة العربية السعودية ستضطر لبيع ما يصل إلى 750 مليار دولار من السندات الأمريكية في الخزينة السعودية، وغيرها من الأصول فى الولاياتالمتحدة وقت أن تفكر أمريكا في الزج باسم السعودية في قضية 11 سبتمبر أمام المحاكم الأمريكية. في الشأن ذاته، قال رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن، والخبير المالي والاقتصادي الدولي، فواز جرجس: إن الأصول التي تمتلكها المملكة في أمريكا، تتراوح قيمتها بين 700 مليار إلى تريليون دولار، وأضاف أن القيادة السعودية تخشى من تجميد مليارات الدولارات التي تمتلكها بقرارات من المحاكم الأمريكية، إذا تم تمرير مشروع القانون في الكونجرس، وأكد جرجس أنه أمر مهم جدًّا للسعودية. من جانبه أكد الكاتب المتخصص بالاقتصاد، لويس كاماروسانو، أن للسعودية دورًا كبيرًا في الحفاظ على الدولار كعملة احتياط رئيسة في العالم، وأشار إلى أنه ليس المهم مقدار النفط الذي تبيعه السعودية لأمريكا، خاصة أنها تبيع النفط للكثير من دول العالم، لكن المهم دور السعودية في التوافق مع أمريكا على إبقاء الدولار عملة تقويم للنفط لدى منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، مما يعني أن العملة الأمريكية هي الاحتياط الرئيس لتلك الدول، وتابع كاماروسانو إن هذا التفاهم القائم منذ العقد السابع من القرن الماضي، هو السبب في خلق ما يعرف بظاهرة البترودولار، وما نتج عنها من طلب عالمي لا يتوقف على الدولار الأمريكي أو على الأوراق المالية المقومة بالدولار الأمريكي. أمريكا بين القلق والتشكيك التهديد السعودي دفع إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إلى الضغط بقوة على الكونجرس لمنع تمرير مشروع القانون، كما حذر مسؤولون كبار في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، الشهر الماضي، أعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، من أن تمرير مشروع القانون قد يعرض الاقتصاد الأمريكي للخطر، وانضم إلى هذه الأصوات الرافضة لتمرير القانون، وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، الذي قال في فبراير الماضي: إن مشروع القانون قد تكون له عواقب وخيمة إذا تم تمريره. مقابل القلق الأمريكي من بيع السعودية أصولها المالية في واشنطن، والعواقب الاقتصادية والدبلوماسية التي يمكن أن تلحق بأمريكا جراء هذه الخطوة، شكك عدد من الاقتصاديين الدوليين في أن السعودية يمكن أن تقوم بمثل هذه العملية، مؤكدين أنها أولًا صعبة التنفيذ، وثانيًا ستتسبب في شلل لاقتصاد المملكة قبل الولاياتالمتحدة، محذرين من أن الخطر الأكبر من وراء هذا التهديد هو أن ذلك يعني تصاعد التوتر بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية. الباحث في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إدوين ترومان، توافق مع هؤلاء الاقتصاديين في الرأي، حيث وصف رسالة السعوديين بالتهديد الأجوف، مضيفًا أن بيع مئات المليارات من الدولارات في الأصول الأمريكية لن يكون صعبًا فقط من الناحية الفنية، لكن من المرجح جدًّا أن يسبب اضطرابًا في السوق العالمية، وأكد ترومان، أن تنفيذ مثل هذا القرار قد يزعزع استقرار الدولار الأمريكي العملة التي يرتبط بها الريال السعودي. انتقاد شعبي الضغوط التي يمارسها المسؤولون بالإدارة الأمريكية على أعضاء الكونجرس من أجل تجنب تمرير هذا المشروع، أثارت انتقادات عديد من قِبَل أسر وعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر، حيث أعربت مؤسسة هيئة «عائلات الناجين من أحداث 11 سبتمبر، متحدون من أجل العدالة ضد الإرهاب»، تيري سترادا، عن استنكارها لما وصفته بمدى نفوذ وسلطة السعودية على الحكومة الأمريكية، وقالت: أنا مصدومة مما يحدث هنا، أعني هل للسعوديين فعلًا كل هذا النفوذ والسلطة على حكومتنا؟ هل يتحكمون بالقرارات في واشنطن، هل لا نستطيع أن نمرر مشروع قانون في مجلس نوابنا بسبب السعوديين؟ إنه أمر لا يُصدق. وأضافت مؤسسة الهيئة المدافعة عن أسر الضحايا: بعد وقت قصير من تولي الرئيس الأمريكي باراك أوباما منصبه، وعد ضحايا أحداث 11 سبتمبر وأفراد أسرهم بأنه سيُصدر الوثائق المكونة من 28 صفحة، التي تحتوي على تقرير التحقيقات حول 11 سبتمبر، يُقال إنها تتناول دور الحكومات الأجنبية في المخطط، وجدد أوباما وعده عندما قُتل أسامة بن لادن، بالكشف عن ال28 صفحة. وناشدت سترادا البيت الأبيض قائلة: أولًا أوفوا بوعدكم وأنشروا ال28 صفحة، عائلات ضحايا 11 سبتمبر لها الحق في معرفة ما في ذلك التقرير، والشعب الأمريكي له الحق أيضًا، لا نستطيع استيعاب ما يحدث بالكامل في دولتنا الآن بشأن الإرهاب، حتى نعرف بالضبط ما حدث قبل أحداث 11 سبتمبر، وكيف وقعت وكيف تأسست الشبكة المسؤولة وكيف تم تمويلها؟