في سابقة هي الأولي من نوعها نجح فنّانان في أكتوبر من العام الماضي بالدخول إلي برلين، حيث قاما سراً، بتصوير و مسح ثلاثي الأبعاد لتمثال الملكة الجميلة " نفرتيتي"، أفضل القطع الأثرية من الحجر الجيري الموجودة بالعالم و المتحف. و بعدها ثلاثة أشهر و بعدما نجحوا في اتمام عمليات المسح بتقنية " الثري دي"، قاموا بنشر كل بيانات و أبعاد التمثال علي شبكة الأنترنت. و أصبح بإمكان أي شخص تحميل بيانات التمثال و من ثم طباعته بتقنية "الثري دي". لم ينتظر حينها الفنّانان اللذان قاما بعملية المسح و التصوير سراً، و طبعا أول نموذج ثلاثي الأبعاد من التمثال الأشهر بالعالم. و مع اختلافات بسيطة لا تصل إلي بضع مليمترات وصل أول نموذج لتمثال الملكة نفرتيتي إلي الجامعة الأمريكية في القاهرة. بدلاً عن التمثال الأصلي صاحب ال 3.300 عام قبل الميلاد و الذي تم أكتشافه بواسطة علماء آثار ألمان عام 1912 في تل العمارنة. المشروع الذي أُطلق عليه " أوسكار نفرتيتي" تم بواسطة "نورا البدي" فنانة ألمانية من أصل عراقي، و "نيكولاي نيلس" فنان ألماني. حيث اعتبر كل منهما أن قرارهما بالتصوير ثلاثي الأبعاد لتمثال الملكة نفرتيتي يعد خطوة مهمة نحو إتاحة القطع الأثرية الثمينة للجمهور ككل. الجدير بالذكر أنه علي مدي سنوات طويلة، دخلت مصر و ألمانيا في جدال كبير حول أحقية كل منهما للتمثال الأصلي المصنوع من الحجر الجيري، حيث أعتبر المسؤولون المصريون أن التمثال قد غادر البلاد بطريقة غير شرعية و طلب من ألمانيا و متحف برلين استرجاع التمثال مرات عديدة لكن دون إجابة. و مع هذا الجدال المستمر بين الحكومتين الألمانية و المصرية، اراد نيكولاي و البدري أن يقولا لإدارة المتحف أن ما يمتلكوه هو خاص بثقافات و حضارات شعوب أخري، قد وصلت أغلب تلك القطع إلي ألمانيا في حقبة الإستعمار الأوروبي. و رغم ان نيكولاي و البدري قد راسلا إدارة المتحف عدة مرات و اخبروهم بمشروعهم الذي يتيح تلك القطع الأثرية امام الجمهور مع امكانية التصوير و المسح حتي تتاح تلك القطع بدقة كاملة للجميع من مختلف العالم بنفس الدقة تقريبا ، فلم يحصلوا علي إجابة. فضلاً أن ادارة المتحف لو وافقت علي هذا المشروع لما أتاحت بيانات التمثال و القطع الأثرية للجميع. و علي نقيض آخر فقد سمح المتحف البريطاني بتصوير قطعه الأثرية بتقنيات مختلفة أمام جمهوره و لذلك لإقامة أرشيف رقمي للمساعدة في استنساخ تلك القطع، و بالنظر الي سياسات متحف برلين، قرر نيكولاي و البدري تصوير تمثال نفرتيتي سراً و نشر بياناته للجميع. " لقد راسلنا المتحف و المسؤولين فيه، و لكن لم نلق إجابة. الأمر بسيط جداً لكي نحقق توعيه كبيرة و فتح اشريفهم الرقمي الأمر الذي يسمح لهم بالإحتفاظ بالقطع الفنية المنهوبة دون إحتكارها. و في تحدِ واضح لإدارة المتحف، قاما نيكولاي و البدري بنشر بيانات التمثال في واحد من أكبر مؤتمرات الهاكرز الأوروبي و في غضون 24 ساعة قام نحو 1000 شخص بتحميل بيانات التمثال، كما راسلت العديد من الجماعات المصرية " نيكولاي و البدري"، للحصول علي معلومات طباعة التمثال، هذا فضلاً عن رجال الأعمال الذين راسلوا الفنانيّن الألمانيين للحصول علي نسخ ثلاثية الأبعاد من تمثال الملكة نفرتيتي. لإستخدامها كهدايا و بعيداً عن تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد، فإن محاولات نسخ و تقليد تمثال الملكة نفرتيتي كانت تعتدم علي التصوير الفوتوغرافي، الأمر الذي نتج عنه نماذج ليست مطابقة للأصل و قليلة في الجودة بالنظر الي تقنيات "الثري دي". و علي صعيد آخر فإن تمثال الملكة نفرتيتي في ألمانيا الآن يمثل ملايين من القطع الأثرية المنهوبة في العالم و علي سبيل المثال مصر و العراق و سوريا. البدري قالت أن التحف الفنية و التماثيل الأثرية لا تتصل بأوروبا و لا ثقافاتها بل تعود إلي دول العالم الجنوبي اصحاب الحضارات القديمة. نيكولاي و البدري قالا أن تمثال الملكة نفرتيتي المعروض الآن في ألمانيا لا يحمل أي شروحات توضيحية عليه أو معلومات عن كيفيه وصوله إلي هنا، مما يخلق تاريخ جديد و مزيف تماماً عن التاريخ الأصلي لتلك القطع الفنية. حيث شكل هذا التمثال حسبما ذكرت البدري، رمزاً ألمانياً خالصاً. مما دفع مصر عبر فترة طويلة إلي إدانة طريقة عرض تمثال نفرتيتي، الذي يعبر عن إرث ثقافي مصري ضارب في القِدَم. في النهاية يأمل "نيكولاي و البدري"، أن خطوتهم تلك و تصوريهم تمثال نفرتيتي بتقنية الثري دي أن تلقَ إرتياحاً واسعاً ليس فقط بالنسبة ل ادارة متحف برلين، بل لكل متاحف العالم و ذلك لإعادة القطع الأثرية إلي المجتمعات و الدول التي جائت منها، و لعل وجود أول نموذج ثلاثي الأبعاد من تمثال نفرتيتي في الجامعة الأمريكية في القاهرة حدثا يقد يغير من مستقبل المتاحف في العالم.. و تختم البدري متسائلةً " اين الاشخاص الذين سيتعاملون مع المتاحف و احتكارها للقطع الأثرية علي طريقتهم الخاصة كما فعلنا انا و نيكولاي"؟.