ظل القائد العام للجيش الليبي اللواء خليفة حفتر، رافضًا للمفاوضات والاجتماعات التي خاضتها الأطراف المتنازعة في ليبيا بالمغرب وتونس ومالطا، محذرًا من أنها وصاية دولية تفرض واقع سياسي على ليبيا يؤدي إلى تحجيم دور الجيش في مكافحة الإرهاب، بحسب قوله، الأمر الذي أدى إلى فشل جميع المبادرات السابقة الساعية لتشكيل حكومة ليبية، خاصة في ظل وجود جبهة بالبرلمان تتبنى موقف حفتر. في خلفية الأحداث أرجع مراقبون سبب رفض خليفة حفتر لجميع المفاوضات السابقة إلى اقتناعه وتأكده بأنها ستؤدي حتمًا إلى عزله من منصبه بالجيش؛ لاعتراض أحد الأطراف على وجوده بالمشهد المستقبلي لليبيا، وهو ما ظهر بوضوح في الفترة الأخيرة، فبعد الحشد الدولي الكبير الداعم لتشكيل حكومة ليبية برئاسة فايز السراج، خرجت الأسماء المرشحة في وزارت الحكومة للإعلام بترشيح مهدي البرغثي لاستلام وزارة الدفاع، ولم يكن حفتر ضمن التشكيلة الجديدة. تنتظر الحكومة تصديق البرلمان الليبي خلال أيام، وهو ما يثير عدة تساؤلات، هل سيوافق البرلمان على تشكيل الحكومة الجديدة وإقصاء حفتر من المشهد الليبي؟، أم سيكون لديه القدرة على إعاقة تشكيلها وإقناع النواب برفضها؟. ما يظهر الآن على الساحة الليبية خلط أوراق المشهد، خاصة بعد الكشف عن بعض الانشقاقات داخل الجيش، حيث خرج الناطق باسم عملية «الكرامة» الرائد محمد الحجازي ليتهم حفتر بالفساد ويحمله مسؤولية تأزم الأوضاع في بنغازي. ما يؤكد وجود انشقاقات واسعة داخل الجيش، والقناة التي أعلن من خلالها الحجازي انقلابه على حفتر تابعة عمليا لقيادة الجيش، وأفسح هذا التطور المجال أمام الكثير من التكهنات حول دوافع الحجازي والجهات التي تدعمه في ظل هذا التوقيت الحرج، كما أثار تساؤلا مفاده هل سيكون هذا الانشقاق له تداعياته التي تتيح الفرصة للمناهضين لتعزيز موقفهم من حفتر استناداً إلى اتهامات الحجازي؟. وقال حجازي على قناة الكرامة: حفتر وحاشيته هم من قاموا بتشكيل ميليشيات على غرار كتائب القذافي تنتهك الأعراض والبيوت وتقطع الرؤوس وتقوم بحرق المنازل وهدمها، مضيفا أن حفتر غاص في السرقات والاختلاسات للأموال التي تأتي للشعب الليبي وهو يقوم بشراء الشقق والفنادق هو وأبناؤه في الخارج، فحين يعاني النازحون في بنغازي أشد المعاناة وأقساها. وأعلن الحجازي، أن عددان قادة المحاور في الجيش يشاركونه موقفه، واقترح تشكيل مجلس عسكري من الشرفاء، مؤكداً أنه ليس لهم مطامع أو غايات سياسية في حكم أو سلطة، مضيفاً أن هذا المجلس سيقوم بقيادة المعركة على الإرهاب ولن يتدخل في الشؤون السياسية والمؤامرات العسكرية، فيما تمسك الموالون لقائد الجيش بولائهم له، معتبرين أن ظهور الحجازي يؤدي إلى شق صف المؤيدين للجيش، ويسفر عنه اصطفافات عنيفة بين مؤيدي حفتر وخصومه، لا يستبعد أن تتحول إلى مواجهات في بنغازي. وعقب الضجة التي ظهرت بعد تصريحات الحجازي التي اتهم فيها حفتر بارتكاب تجاوزات مالية واستغلال منصبه، اضطر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة تحقيق، فكلف اللجنة بالاستماع إلى الحجازي وكل من ترى الحاجة إلى سماع أقواله وتقديم تقرير بنتائج التحقيق والتوصية باتخاذ ما تراه من إجراءات. ورغم الحشد الدولي وبعض التقارير التي تشير إلى وصول قوات أمريكية وبريطانية وروسية لتمكين حكومة الوفاق الليبية، أكد مستشار رئيس برلمان ليبيا عيسي عبد المجيد في تصريحات لإحدى الصحف العربية، أن هناك ضغوطا دولية كبيرة لتمكين الحكومة التي اقترحتها الأممالمتحدة في حوار الصخيرات قبل شهر، برئاسة فايز السراج، لكنه أكد أن أكثر من ثلث النواب وقعوا على عريضة برفض الحكومة في حال تقدمت لنيل الثقة من البرلمان خلال الأيام المقبلة، وهو ما يعني أن النواب المؤيدين لحكومة السراج أقل من النصاب الدستوري، ووسط ذلك يتسم المشهد الليبي بضبابية شديدة، فهل سيحسم البرلمان الأمر ويقر حكومة الوفاق أم سيظل الوضع كما هو عليه؟.