تنبأ الشاعر حاتم الجوهري، في كتابه الجديد الصادر عن دار روافد بالقاهرة تحت عنوان «نبوءة خراب الصهيونية: العدمية فى الأدب الصهيونى، بين الأزمة الوجودية وصحوة العربي»، بخراب وانهيار دولة المشروع الصهيونى إسرائيل، وقدم تصوره اعتمادا على كتابات النخبة الإسرائيلية ذاتها، ومن داخل الأدب الصهيونى والمصادر العبرية الفكرية والثقافية الأصلية نفسها، ولم يقدم تصوره هذا استنادا لفكرة أيديولوجية مسبقة أو حماسة عاطفية وفق مرجعيات هوياتية ذاتية تتمركز حولها. يسلط الجوهري، الضوء على تيار جديد فى المشهد الصهيونى الثقافى والأدبى والسياسى، وهو تيار الصهيونية الوجودية وتبنيه فى أدبه وطرحه الفكرى- للاختيار العدمي ونبوءته التي رصدها الباحث كظاهرة ووسمها عبر كتابه ب«حتمية خراب الدولة وتفكك المشروع الصهيونى، ذلك الخراب الكامن والمؤجل والموقوت». فقد تأثر هذا الاتجاه بفكرتين رئيسيتين وكانا هما الدافع الأساسى وراء ظهوره، الأولى، تفكك أيديولوجية التيار السياسية الأم (الصهيونية الماركسية لمؤسسها بيرخوف) ونهايتها بلا عودة، والتى كانت تقوم على مشروع للاحتلال التقدمى المزعوم، يبدأ بمستوطنات فلسطين ذات طابع جماعى عمالى ماركسى، ثم تنشر النخبة السياسية لهذه المستوطنات فكرها الماركسى الصهيونى، بين السكان العرب الفلسطينيين وتستقطب منهم من يقبل بفكرة دولة مشتركة بينا الاحتلال الصهيونى والسكان الفلسطينيين فى مرحلتها الأولى. وفي مرحلتها الثانية ما بعد التأسيس تنتقل للمشاركة فى العمل السياسى العمالى الماركسى العالمى، وهو ما حدث عندما استجاب كوادر "الصهيونية الماركسية" لمطالب منظمة الأممية الشيوعية الدولية (الكومنترن) فى موسكو لقبولها فى عضويته فى عشرينيات القرن العشرين، ووضعت فى الواجهة بعض الفلسطينيين الذين تم استقطابهم للأيديولوجية (وهو ما مثله واقعيا حزب عمال صهيون "بوعلى زيون" عبر تطور مسمياته وانشقاقاته التنظيمية المختلفة، خاصة مرحلة تعريب الحزب واستقطاب وضم الكوادر الفلسطينية وتسميته: الحزب الشيوعى الفلسطينى، مرورا بانشقاقات العرب التنظيمية عنه واستعادة معظمهم لوعيه الذاتى، وتبنى الأغلبية اليهودية تسمية: الحزب الشيوعى الإسرائيلي قبولا بقرار تقسيم فلسطين، إلى آخر الانشقاقات الفكرية والتنظيمية لكوادر"الصهيونية الماركسية" التاريخية فى فلسطينالمحتلة)، إنما مثل قرار تقسيم فلسطين نهاية العالم والأيديولوجيا عند قطاع من تيار الصهيونية الماركسية؛ لأنه يعد ضربا فى مقتل لأيدولوجيته عن دولة مشتركة بين العرب واليهود، وكان هو المؤثر الأول فى تبنيهم للإتجاه العدمى. الفكرة الثانية التى أثرت فى تشكل تيار "الصهيونية الوجودية" أو"الصهيونية العدمية"، هو تيقنهم من أن "السلب الوجودى" والتهميش الذى تعرض له العرب الفلسطينيين أثر الاحتلال الصهيونى وفظائع وجرائم إعلان دولة "إسرائيل" بفكرتها عن "الوجود المتفوق" والهيمنة الوجودية على الفلسطينيين، وكامل البلاد العربية ومنطقة الشرق الأوسط وتحالف دولة المشروع مع القوى السياسية الغربية تحت مشروع الهيمنة و"السلب الوجودى" ذاتهما؛ لابد سترتدعلى أصحابها فى "يوم قيامة" مؤجل وقادم لا محالة، يحمل الخراب والدمارللمشروع الصهيونى، لتسيطر فكرة انتظار "الكارثة" أو "الخراب الحتمى" على فكر أفراد هذا التيار، وهو ما نتج عنه تبنيهم لحياة عبثية تفتقد للمعنىوالجدوى، وأصبحت فكرة العدمية والقلق الوجودي المستمر هي الفكرة المركزية عندهم للوجود في المشروع الصهيونى. ويقول سيد ياسين، المدير الأسبق لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن الكتاب ومؤلفه، في المقدمة: حاتم الجوهرى هو النموذج البارز لجيل الباحثين المصريين الشباب المتخصصين في الدراسات العبرية، وهم تلاميذ رواد عظام من أساتذة الدراسات العبرية، وهو كباحث علمى يتميز في الواقع بقدرة منهجية ملحوظة في تناول موضوعه "نبوءة خراب الصهيونية"، ومعرفة موسوعية بتيارات الفكر الصهيونى،ومدارس الأدب الإسرائيلى.