قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية "إن الغرب في مكافحة الإرهاب يشن حربه ضد طرف داعش، ويمسك بيد طرف آخر للإرهاب، وهو السعودية"، مشيرة إلى أن الوهابية هي أصل الفكر المتطرف الذي يعتنقه إرهابيو داعش وغيرهم. وكرر المقال في متنه القول بأن السعودية هي داعش. العامل المشترك بين السعودية وداعش لا يتوقف عند تبني المعتقد الوهابي لكلٍ منهما. فلا يخفى على أحد أن الفصائل السورية المسلحة تلقت تمويلها وتسليحها من السعودية وقطر بتسهيلات تركية ومباركة أمريكية. وباعتراف الجميع فإن هذه الأسلحة حولت المعارضة السورية إلى جماعات إرهابية، ومن وقتها بدأنا نسمع عن جبهة النصرة وداعش وجيش الإسلام. كما أن فشل أمريكا حتى الآن في إيجاد ما تسميه ب "المعارضة المعتدلة" في سوريا؛ لدعمها بالسلاح، يبرهن على الواقع الكارثي الذي ساهمت السعودية في تشكيله في سوريا. ورغم الإعلان الدولي لمحاربة الإرهاب، إلا أن دعم السعودية وحليفها القطري للجماعات الإرهابية في سوريا لم ينقطع حتى الآن، فحسب وكالة سبوتنيك الروسية أول يناير فإن قطر تعمل على شراء أنظمة دفاع جوي لصالح تنظيم داعش، وأضافت أن قطر قدمت طلبات إلى أوكرانيا لشرائها. ولفتت سبوتنيك إلى أن قطر تسعى لشراء منظومة بيتشورا 2، وهو ما كشفه اختراق الهاكرز للبريد الخاص ب "ويتولد كجيكوفسكي" رئيس شركة بولندية لتجارة السلاح اسمها Level 11. كما أوضحت مراسلات كجيكوفسكي أنّ Level 11وهي إحدى الشركات الوسيطة تقوم بشراء أسلحة تحت ادّعاءات مختلفة، ثم تحوّلها إلى دول خليجية؛ حتى تقوم هذه الحكومات بدورها بتسليم السلاح إلى ميليشيات تدعمها في سوريا وباقي دول المنطقة. وتشير الوكالة إلى تلقي نائب رئيس الشركة رسالة من دبلوماسي أوكراني يعمل في سفارة بلاده في قطر، يشكره فيها على الصلاتالمغربية والسعودية التي زوده بها. وبالعودة إلى مؤتمر الرياض للمعارضة السورية الذي عُقد في 8 ديسمبر من العام الماضي، نجد أن بعض الأطراف الدولية، ومن بينها روسيا، اتهمت المملكة السعودية بأنها تحاول اتخاذ خطوة استباقية؛ لحماية بعض الجماعات الإرهابية، عبر دعوة السعودية لأطراف من الفصائل السورية المسلحة كجيش الإسلام لحضور المؤتمر قبل الانتهاء من إعداد قوائم الجماعات الإرهابية من قِبَل الأردن. تحرك السعودية الأبرز كان عند إقدامها على إعدام الشيخ نمر باقر النمر في 2 يناير من الشهر الحالي، خاصة أن الإعدام أثار موجه من الاستياء العالمي، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في بيان أصدره المتحدث الرسمي باسمه، إن "إعدام رجل الدين السعودي نمر باقر النمر وعدد آخر من السجناء جاء بعد محاكمات أثارت مخاوف جدية حول طبيعة التهم ونزاهة العملية". كما أعرب بان كي مون عن "الاستياء العميق" إزاء ما حدث. وأصبح توجه السعودية لإشعال المنطقة طائفيًّا مسارًا للقلق والشك، فقد لفتت صحيفة الإندبندنت أون صانداي أمس الأول إلى أن آل سعود ربما لم يكونوا راغبين في هذه الإعدامات سوى لاستفزاز إيران لإشعال صراع طائفي أكثر قوة. ورأى محللون أن السعودية سعت جاهدة إلى إعدام النمر؛ من أجل تحويل الصراع في المنطقة من محاربة الإرهاب "داعش" إلى حرب مذهبية مع إيران؛ وذلك لحماية ذراعها الداعشي في المنطقة، والذي تستخدمه المملكة كورقة للتفاوض عليها في المحافل الدولية، سواء في الملف السوري أو اللبناني أو الليبي أو اليمني؛ للوصول إلى تسويات ترضيها. وبالرجوع قليلًا للتحركات السعودية في المنطقة، نجد أنها تحاول بلورة صراع مذهبي في المنطقة على حساب الصراع الحقيقي ضد الإرهاب. ومن أبرز ملامح هذا النهج علاقة السعودية وإيران الدبلوماسية، التي تأزمت مؤخرًا على خلفية إعدام السعودية للشيخ النمر؛ ما استتبعه قرار سعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران. وإلى هنا قد يبدو الوضع طبيعيًّا كأي خلاف قد ينجم بين بلدين، ولكن غير الطبيعي هو تصدير السعودية لخلافاتها مع إيران إلى كل الدول العربية، حيث طالبتها الرياض بقطع علاقاتها مع إيران. مسار آخر لمذهبة السعودية للأزمات عبر تشكيل ما يُسمَّى التحالف الإسلامي العسكري في 14 ديسمبر من العام الماضي، والذي أعلن عنه وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان. ومنذ بدء الدعوة لتشكيل هذا التحالف وصفه مراقبون بحلف "الناتو السُّنِّي" على حد تعبيرهم، واستندوا في طرحهم هذا إلى تعمد السعودية لاستثناء الدول الشيعية كإيران والعراق، بالإضافة إلى استبعاد الدول التي يُشهَد لها بالوسطية في التعامل مع كل المذاهب كسلطنة عمان. وفي 29 ديسمبر أعلنت السعودية عن اتفاقها مع تركيا على ضرورة إنشاء «مجلس تعاون استراتيجي»؛ لتعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي، والهدف منه – حسب عادل الجبير وزير المملكة السعودية – "أن هذا التحالف بين أنقرةوالرياض مطلب حتمي من شأنه تنسيق الجهود ضد النفوذ الإيراني". التصعيد السعودي في التعامل مع إيران كان واضحًا جدًّا، بعد توصل إيران لاتفاق نووي مع مجموعة الخمسة زائد واحد في شهر يوليو من العام الماضي، فعلى الرغم من الإقرار الدولي بحق إيران في استخدام الطاقة النووية السلمية، كشرت السعودية عن غضبها، ورفضت هذا الاتفاق، كما رفضه أيضًا الكيان الصهيوني. وأبرزت طريقة التعاطي السعودي مع أزمة التدافع في مشعر منى التي راح ضحيتها في 24 سبتمبر الماضي أكثر من 2236 معظمهم من الإيرانيين بوادر هذا الأزمة، وتوالى التصعيد السعودي بعدها عبر إغلاق قناتي الميادين والمنار المواليتين لإيران. ويرى مراقبون أن سياسة المملكة العدائية تجاه إيران زادت بشكل كبير بعد توصل الأخيرة للاتفاق النووي، وكذلك بعد التدخل الروسي في سوريا ضد داعش، والذي رافقه غضب سعودي لم يكن موجودًا عندما أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية في وقت سابق تشكيل تحالف لمحاربة داعش. ويبرر تمسك السعودية بداعش أو إحدى أخواتها أزمة النفط التي تعاني منها المملكة، والتي انعكست على سياستها الاقتصادية من تقشف وفرض ضرائب. فعلى ما يبدو أنها باتت تفقد أهم أوراقها على المستوى العالمي، وهو النفط، والذي من المؤكد ستنخفض أسعاره أكثر في حال قيام إيران بتصدير نفطها المخزن من أيام الحظر المفروض عليها، وبالتالي تحاول السعودية الحفاظ على داعش كورقة إقليمية تفاوض عليها؛ لتحويل الصراع في المنطقة إلى طائفي، مع الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة، خصوصًا أن السعودية باتت تنتقد حليفها الأمريكي بتراجع نفوذه لصالح الدب الروسي في المنطقة. والجدير بالذكر أنه في وقت سابق انتقدت دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية في وثيقة تم تسريبها لوسائل الإعلام ديسمبر الماضي السعودية، وتحدثت الوثيقة عن العدوان العسكري السعودي في اليمن، ودعم الرياض لحركات مسلحة في سوريا، بالإضافة إلى أن السعودية تتبع سياسة تضخيم العداء الفكري والديني مع إيران والنظر إليها بأنها الخطر الأكبر.