بعد مرور أكثر من عام على الحوار الليبي الذي شهد تغيرات عدة في مراحل مختلفة، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، عن اتفاق الأطراف المتحاورة على مقترح بتشكيل حكومة وفاق وطني، وعلى إثر ذلك تباينت ردود الأفعال المحلية والدولية حول هذا الإعلان. ففي الوقت الذي توقع فيه المتحاورون من أعضاء مجلس النواب الليبي بطبرق المعترف به دوليًا، والمؤتمر الوطني العام بطرابلس، رفض إعلان ليون، وعدم منح الثقة لحكومة التوافق، رحب المجتمع الدولي بهذا الاتفاق، مؤكدا أن التأخير في تشكيل حكومة وحدة لن ينتج عنه سوى إطالة أمد معاناة الشعب الليبي، وأيدت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة تشكيل الحكومة، برئاسة مصطفى السراج. وفي هذا السياق؛ يقول مراقبون إن هذا الاتفاق جاء بطريقة المحاصصة واقتسام المكاسب والحقائب في ليبيا، وإن الرافضين لهذا الاتفاق من ممثلي «برلمان طبرق» و«مؤتمر طرابلس»، هم من لم يشملهم «قطار الحل» أو لم تتم الاستجابة لطموحاتهم سواء كانت في الحكومة التي يترأسها عضو برلمان طبرق، أو في مجلس الدولة الذي يترأسه عضو في برلمان طرابلس. ومن أبرز بنود مسودة الاتفاق الليبي، أن تتمثل مهام حكومة الوفاق في ممارسة مهام السلطة التنفيذية ويكون مقرها الرئيسي طرابلس أو أي مدينة أخرى، على أن تكون مدة ولايتها عاما واحدا فقط، ومن بين اختصاصاتها مجلس رئاسة الوزراء، والقيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، كما تنص المسودة على التزام الحكومة بتشكيل لجنة مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة والحكومة ومجلس الدفاع والأمن القومي للتوافق على مشروع قانون يحدد صلاحيات منصب القائد الأعلى للجيش الليبي. وفيما يخص مجلس النواب، فيتولى السلطة التشريعية خلال المرحلة الانتقالية، ويعتمد الميزانية العامة والرقابة على السلطة التنفيذية، وإقرار السياسة العامة المقدمة من الحكومة، أما المجلس الأعلى للدولة يعمل بشكل مستقل، ويتولى إبداء الرأي في مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة خلال 21 يوما فقط، ويتولى إبداء الرأي الاستشاري والاقتراحات اللازمة لحكومة الوفاق الوطني في القضايا المتعلقة بالاتفاقيات الدولية. ورغم أن الوصول إلى اتفاق إطار بين طرفي النّزاع في ليبيا يعتبر انجازًا، إلا أن تنفيذه على أرض الواقع خاصّة فيما يتعلّق بتحديد أسماء الشّخصيات التي يمكن أن تقود المرحلة الانتقاليّة لن يكون بسيطًا ويسيرًا، لا سيما وأنه بالنظر في عملية التوقيع على الاتفاق كان يلاحظ انخفاض معدل الثّقة بين مختلف الأطراف. وفيما يبدو أنه محاولة لوضع الجميع أمام الأمر الواقع، أعلن مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون عن الأسماء المقترحة لإدارة الفترة الانتقالية في ليبيا، حيث قال إن الأطراف المشاركة في الحوار ومن بينها المؤتمر الوطني العام اتفقوا على ترأس عبد الرحمن السويحلي، عضو المؤتمر الوطني للمجلس الأعلى للدولة، وفايز السراج، عضو مجلس نواب طبرق لحكومة الوحدة وطنية، إضافة إلى ثلاثة نواب له وهم أحمد معيتيق، وفتحي المجبري، وموسى الكوني، ولكن مع أول ردة فعل من الطّرفين تبين أن ما قيل عن وجود اتفاق حول هذه الأسماء جاء على خلفية ضغط لإنهاء المسألة في أقصر وقت ممكن، حيث قال عبد السلام العاشور، عضو برلمان طرابلس "لسنا طرفا في الحكومة المقترحة، إنها لا تعني شيئا لنا ولم تتم استشارتنا بشأنها"، مضيفًا "لم نقدم أي أسماء، ونحن لسنا جزءا من هذه الحكومة المقترحة، فهي لا تعني شيئا بالنسبة لنا". وقال إبراهيم زاغيات، عضو برلمان طبرق "هذه الحكومة المقترحة سوف تؤدي إلى تقسيم ليبيا وتحولها إلى نكتة، اختيار ليون لم يكن حكيما، وهو لا ينسجم مع الاتفاق السياسي المطروح على الطاولة، وليون زاد الوضع تعقيدا، الاقتراح ليس متوازنا وكان يجب عليه التشاور معنا قبل الإعلان عنه". وبالإضافة إلى ردود الفعل الأولى الغاضبة من الأسماء المطروحة، خرجت الجمعة مظاهرات مؤيدة لحفتر بساحة الكيش بمدينة بنغازي رافضة لمقترح المبعوث الأممي ولأسماء حكومة التوافق، وداعمة للبرلمان والقيادة العامة للقوات المسلحة، وعبر المشاركون في المظاهرة عن رفضهم المطلق للحكومة التي وصفوها ب"حكومة الوصايا"، وأكد المتظاهرون على استمرار العمليات العسكرية لتحرير بنغازي ممن وصفوهم بالتكفيريين والمليشيات الإرهابية التي أكدوا أنها تتلقى الدعم من بعض الأشخاص الذين تم تنصيبهم في الحكومة الجديدة. وبدت بنود الاتّفاق فضفاضة فيما يخص الجيش ووضعه بعد الاتفاق، لدرجة أنها ستعجز أمام أول تنفيذ فعلي لها، فعدم تحديد مصير الجسم المُسلّح الليبي بتعبيراته المُختلفة، ومصير اللواء خليفة حفتر ومن معه، لا يعدو أن يكون سوى تأجيل لإعلان الفشل، وكأن هذا الاتّفاق تم فقط من أجل التسويق لحصول تقدّم في المسألة الليبية، رغم أنه تم تجنّب الخوض في أمهات المشاكل.