في أوائل يونيو من العام الماضي، شددت توصيات مؤتمر هرتسليا الإستراتيجي على أن تتوجه إسرائيل لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية بدول مجلس التعاون الخليجي، بخلق مجالات تعاون وتحالف استراتيجي مع هذه الدول. وذلك كبديل حتمي لمواجهة تحديات استراتيجية أخفقت تل أبيب في مواجهتها على مدار العقديين؛ الماضي والحالي، حيث أثبت هذه الهزائم المتوالية أن العقيدة الأمنية العسكرية لإسرائيل تحتاج إلى إصلاح جذري، تمثل بشكل أولي في تغييرات تكتيكية وإجرائية في نهج الدفاع، فمن مشاريع التصدي للصواريخ الباليستية ومتوسطة وقصيرة المدى (القبة الحديدية، مقلاع داوود، حيتس) والضربات الوقائية خارج الحدود، إلى الاغتيالات والحرب المعلوماتية والسيبيرانية. بعض من هذه الوسائل والأساليب "الدفاعية" المشار إليها تعتمدها إسرائيل منذ الستينات (الاغتيالات على سبيل المثال)، إلا أنها كانت في النهاية استثنائية وتحتاج إلى المرور بمراحل معقدة سياسياً وتتطلب تمهيد ظرف إقليمي ودولي يسمح بتنفيذها دون توابع سلبية، لكن الجديد الذي طُرح في مؤتمر هرتسليا العام الماضي هو أن يتم اعتماد هذه الوسائل ضمن مجال استراتيجي جديد بالتحالف مع دول إقليمية على رأسها دول الخليج. وبالفعل شهدت الفترة الماضية تعزيز العلاقات بين تل أبيب وعواصم خليجية على رأسها الرياض، التي لم تعد تحرص كما سبق على سرية هذه العلاقات وعدم مباشرتها، وأضحت تتعامل بشكل رسمي وعلني عن انفتاح متبادل يقوم على أعمدة التعاون المشترك ضد إيران، وإحياء المبادرة العربية للسلام الممهدة لتصفية القضية الفلسطينية, فلم يقتصر الأمر على تعزيز العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين تل أبيب ودول خليجية -بشقيها العلني والسري- ولكن أمتد حتى لمحاولات تطويره على مستويات شعبية، فركزت مراكز أبحاث ودوائر إعلامية غربية وإسرائيلية على ارتفاع نسبة قبول شعوب دول خليجية بالتطبيع مع إسرائيل، على أساس تطبيق المبادرة العربية مسبقاً، واستعداء مشترك لهذه الدول مع إسرائيل لمحور المقاومة. وخلال ما يتجاوز العام من إعلان التوصيات السابقة، التي كان قد بدأ تنفيذها بالفعل منذ سنوات مضت ولكن ضمن أطر مغلقة وغير علانية معظم الأوقات، خاصة فيما يتعلق بعلاقة إسرائيل مع دول خليجية على رأسها السعودية، الذي يشكل أساس تطوير علاقتهم حالياً، إحياء وتفعيل المبادرة العربية، والتصدي لطموحات إيران السياسية في المنطقة، والتي ضمنها الملف النووي، حيث شرعت كل من الرياض وإسرائيل في بحث بدائل مشتركة لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، على مستويات دبلوماسية وسياسية وحتى عسكرية. أقرا أيضاً: الاتفاق النووي الإيراني ..إسرائيل والسعودية واللعب في الوقت الضائع النووي الإيراني بين السعودية وإسرائيل .. تطبيع قاب قوسين أو أدنى تقاطع مصالح إسرائيل والسعودية ..إحياء تنسيق عسكري ودبلوماسي لإجهاض اتفاق نووي إيراني وعلى المنوال نفسه، أُعلن أمس عن سابقة قد تكون الأخطر في مجال التعاون العسكري بين إسرائيل ودول خليجية، هو بحث هذه الدول شراء منظومات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، التي أشهرها نظام "القبة الحديدية" وأنظمة التصدي للصواريخ الباليستية "حيتس1، 2″ و"مقلاع داوود". حيث أعلنت عدد من وسائل الإعلام الأميركية، كشبكة "فوكس نيوز" و"سكاي نيوز" عن بدء مباحثات شراء دول السعودية وقطر والكويت والإمارات وسلطنة عمان والبحرين لأنظمة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية، عن طريق الشريك المُصنع الأميركي، "رايثيون للصناعات الحربية"، شريكة شركة "رفاييل" الإسرائيلية للأسلحة، والمنتجين سوياً للأنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية سابقة الذكر. ونقلت "سكاي نيوز" عن أحد مسئولي "رايثيون" قوله بأن عائد المبيعات المنتظر لدول مجلس التعاون سيبلغ عشرات وربما مئات المليارات من الدولارات. وصممت "القبة الحديدية" مصممة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى من 4-70كيلومتر، بينما "حيتس" بطرازيها للصواريخ طويلة المدى، و"مقلاع داوود" للصواريخ متوسطة المدى، ولكن لتطور فكرة ونظام تشغيل "القبة الحديدية" على أثر دخولها الخدمة وتجربتها ميدانياً أعلن الجيش الإسرائيلي في 2012 تطوير المنظومة وتعميمها ليشمل كل فلسطينالمحتلة. التطوير شمل تعديل رادار المنظومة بحيث يتيح تتبع مصدر إطلاق الصاروخ المعادي، وتوقع مكان سقوطه بنسبة كبيرة، وهو ما يجعل إمكانية عدم اعتراضه إذا وضح انه سيسقط في منطقة مفتوحة متاح، وذلك توفيراً لنفقات بطارية صواريخ المنظومة حيث أن تكلفة اعتراض صاروخ جراد أو القسام تتراوح ما بين 50 ألف و100ألف دولار، في حين أن صواريخ المقاومة تكلفتها زهيدة بالمقارنة بالرقم السابق. وجدير بالذكر أنه بخلاف "القبة الحديدية"، فأن أنظمة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية لم تجرب ميدانياً حتى الأن، خاصة وأن "حيتس" و"مقلاع داوود" مخصصتين للصواريخ طويلة ومتوسطة المدى، فيما تختص "القبة الحديدية بالصواريخ قصيرة المدى، التي تستخدمها المقاومة في حروبها مع إسرائيل. ومنذ حرب 2006 وحتى حرب العام الماضي، لم تسجل "القبة الحديدية كفاءة تصل إلى 50% لتجعل منها ذات جدوى عملياتية، ناهيك عن نجاح المنظومة في دخول مرحلة البيع لدول أخرى، وذلك لأسباب عدة منها تكلفتها العالية، التي كثيراً ما أثارت عاصفة من الاحتجاجات السياسية داخل الحكومة والكنيست بسبب مخصصاتها المالية المرتفعة في الإنتاج والتشغيل، وهو الأمر الذي كانت الولاياتالمتحدة تتكفل بمعظمه وبنسبة تصل إلى 70% من مجمل تكلفة الإنتاج والتشغيل. وبالإضافة لعامل التكلفة العالية للقبة الحديدية وعدم نجاحها بشكل كامل، وعدم تجربة منظومتي "حيتس" و"مقلاع داوود" ميدانياً، وبالتالي عدم طلب أي دولة شرائهم على عكس المعتاد في الصناعات العسكرية الإسرائيلية، فأن دول الخليج وعلى رأسها السعودية شكلوا أكبر مستورد للأسلحة وأهم زبون للدول المصدرة للأسلحة، فالسعودية وحدها أشترت أسلحة منذ2010 وحتى العام الماضي بقيمة 98 مليار دولار، وهو ما يحفز إسرائيل في ظل مناخ تطور العلاقات بينها وبين السعودية خاصة ودول خليجية عموماَ، بأن تسعى لأخذ قطعة من كعكة مشتريات الأسلحة الخليجية الهائلة والغير مبررة عملياً حتى شهور مضت. فحتى عشية العدوان الذي تقوده الرياض ضد اليمن وشعبها، لم تكن السعودية في حاجة لتكديس الأسلحة، وحتى الدفاعية منها لم تكن المنظومات الصاروخية الإسرائيلية مرشحة لأن تكون خياراً للسعودية ودول الخليج كعامل أمان أمام هاجس الصواريخ الباليستية الإيرانية، بل كان يدور الحديث حتى وقت قريب عن منظومة "باتريوت" الأميركية، إلا أنه فيما يبدو أن واشنطن قررت تلعب دور وسيط هادئ يوازن بين عدم استعداء إيران الصريح خاصة بعد اتمام الاتفاق النووي، وبين التعهد باستمرار حماية أمن الخليج، وبالتالي تكون الصفقة الإسرائيلية ذات الوساطة الأميركية الأنسب لعدم نشوب سباق تسلح برعاية أميركية مما يهدد الاتفاق النووي ويفسد ثماره السياسية، وأيضاً تكون خطوة هامة ومؤسسة في تاريخ تطوير العلاقات الإسرائيلية-الخليجية، والعربية على حد سواء. من جهة أخرى، فأن إخفاق السعودية ودول التحالف في تحييد القوة الصاروخية للجيش اليمني وقوات أنصار الله، والتي أصابت وقتلت العشرات من جنود التحالف، وأخرها قصف قاعدة ومركز تجمع لقوات العدوان في منطقة صافر باليمن، وفشل المضادات الصاروخية والجوية في التصدي له، بالإضافة إلى معاناة السعودية من ضربات الحوثيين الصاروخية التي طالت عمق الأراضي السعودية، فأنه من الطبيعي أن تبحث الرياض والعواصم الخليجية الأخرى عن إجراء دفاعي وقائي تجاه هذه الضربات الموجعة. وفي السياق نفسه، وحسب ما نُشر أمس في تقرير "فوكس نيوز" و"سكاي نيوز"، حيث تصريح وزير الخارجية البحريني، خالد بن محمد آل خليفة، الذي يقوم بزيارة إلى بريطانيا حالياً، بأن بلاده ودول مجلس التعاون الخليجي سيكون لها قبة حديدية مثل التي تمتلكها إسرائيل. وهذا بعد يومين من لقاء ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لبحث تداعيات التدخل الروسي الأخير في سوريا والذي تعارضه السعودية وحلفائها في الخليج، فأنه من غير المستبعد أن تكون تصريحات الوزير البحريني والمحادثات بشأن المنظومات الإسرائيلية يأتي كرد على فشل السعودية الثاني في كبح خطوات روسيا في سوريا. وعلى صعيد أخر، لا يمكن إغفال تطور خطير على الصعيد السابق، وهو استخدام الجيش الروسي لصواريخ جوالة أطلقت من سفن في بحر قزوين لضرب معسكرات داعش والإرهابيين في سوريا الأسبوع الماضي، وتكرار ذلك أكثر من مرة خلال الأيام السابقة والذي لم يثبت فقط فاعلية ودقة في الإصابة على الرغم من طول المسافة، ولكن أيضاً أتى كرسالة مبطنة أطلقتها موسكو أنها بإمكانها إصابة أهداف على نفس المسافة بصواريخ "كاليبر" الجوالة ولكن خارج سوريا إذا ما استدعى الأمر ذلك، وهذا بعد يوم من دفعة جديدة من صواريخ "تاو" الأميركية سلمتها السعودية للتنظيمات الإرهابية في سوريا. وهذا إن دل على شيء فأنه يدل على بوادر عض أصابع حاولت السعودية توجيه روسيا إليها، وكانت أخر جولاتها الإعلان عن صفقة الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية. موضوعات متعلقة: