هي الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" إلى المغرب، في إطار المساعي الهادفة لتوطيد العلاقات المغربية الفرنسية بعد أن شابتها عدة أزمات منذ أكثر من عام، لكن عادت العلاقات لتتشابك من جديد بفعل المصالح والتعاون بين البلدين والذي بات يتركز في الطاقات المتجددة وصناعة السيارات. وصل الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند" السبت، إلى طنجة في زيارة للمغرب تستمر يومين ووصفتها باريس بأنها "زيارة عمل وصداقة"، وحطت الطائرة التي تقل الوفد الرئاسي الفرنسي في الساعة 14.10 بتوقيت جرينتش، في مطار مدينة طنجة الساحلية في شمال المغرب، وكان في استقبال "هولاند" الملك "محمد السادس". جاء "هولاند" إلى المغرب على رأس وفد مكون من خمسة وزراء هم وزير الخارجية "لوران فابيوس"، والبيئة "سيغولين رويال"، ووزيرتين من أصل مغربي هما وزيرة العمل "مريم الخمري" وهي من طنجة، ووزيرة التربية "نجاة بلو بلقاسم"، بالإضافة إلى عدد من رؤساء شركات والمستثمرين الفرنسيين، فضلًا عن الكاتب المغربي "الطاهر بن جلون" والممثل الفرنسي المغربي "جمال دبوز"، وبعد مراسم الاستقبال التقليدية، أجرى "هولاند" سلسلة لقاءات في قصر مرشان. اتخذ التعاون الاقتصادي حيز كبير من أجندة الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" خلال زيارته إلى المغرب، واجتماعه بالملك "محمد السادس"، كما زار الرئيس الفرنسي رفقة العاهل المغربي ورشًا للقطار السريع في مدينة طنجةشمالي البلاد، للإطلاع على أول خط من نوعه يربط مدينتي طنجة والدار البيضاء، تنجزه شركة "ألستوم" الفرنسية، وتصل تكلفته إلى 1.8 مليار يورو. بحث الرئيسان عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك على رأسها التعاون الأمني بين البلدين ومكافحة الإرهاب وتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والساحل، والتنمية الاقتصادية وأزمة المهاجرين، فضلًا عن الإعداد للرئاسة الفرنسية للمؤتمر الدولي للمناخ في دورته ال21، والرئاسة المغربية للدورة 22 من المؤتمر ذاته. هذه الزيارة هي الثانية من نوعها للرئيس "هولاند" منذ وصوله إلى الإليزيه في عام 2012، حيث أجرى زيارة للمغرب لأول مرة كرئيس في أبريل 2013، ألقى خلالها خطابا أمام مجلس النواب المغربي، وقام بزيارة الرباط والدار البيضاء، غير أنه اختار هذه المرة أن يزور مدينة طنجة الواقعة شمال البلاد، نظراً للأهمية الاقتصادية التي تحظى بها هذه المدينة. تأتي هذه الزيارة بهدف تكريس المصالحة بعد سلسة خلافات دبلوماسية بين البلدين دامت لمدة عام كامل، على خلفية قضية رئيس الاستخبارات المغربية وما تبعها من تداعيات، حيث بدء التوتر يشوب العلاقات الفرنسية المغربية، منذ أن اتخذ القضاء الفرنسي قرار بإرسال قوات شرطة لاستدعاء السفير المغربي في باريس للاستماع إلى أقوال رئيس الاستخبارات المغربية "عبد اللطيف الحموشي" بعد أن اتهمته منظمات حقوقية فرنسية بالمشاركة في عمليات التعذيب على مغاربة تم احتجازهم بالسجون، مما جعل الرباط تستدعي السفير الفرنسي لديها احتجاجًا على هذا القرار. جاء بعد هذا الحادث تداعيات كثيرة أدت إلى تعقد الأمور وتدهور العلاقات أكثر، وهو ما أدى إلى تجميد التعاون القضائي والأمني بين فرنسا والمغرب في 20 فبراير 2014. ارتفعت وتيرة الخلاف بين باريسوالرباط أكثر فأكثر حتى وصلت إلى المحافل الدولية، حيث عمدت باريس إلى تهميش المغرب في المؤتمرات الدولية التي احتضنتها حول محاربة "داعش"، كما تم استبعاد المغرب من المشاركة في مفاوضات السلام في مالي العام الماضي. مع بداية العام ظهرت بوادر انفراجه في العلاقات، خاصة بعد الزيارة التي قام بها وزير العدل المغربي "مصطفي الرميد" إلى فرنسا في 29 يناير الماضي، والتي أكد خلالها عقب اللقاء الذي جمعه بوزيرة العدل الفرنسية "كريستيان توبيرا"، أن "البلدين أحرزا بعض التقدم في المشاورات ويسيران على الطريق السليم". توالت بعد ذلك الزيارات من جديد بين البلدين، حيث زار العاهل المغربي "محمد السادس" باريس في فبراير الماضي، وألتقى الرئيس "هولاند" وتم خلال الزيارة التوقيع على اتفاق جديد للتعاون القضائي بين البلدين في الإليزيه، كما قام رئيس الوزراء الفرنسي "مانويل فالس" بزيارة إلى الرباط في أبريل الماضي، وأعقبتها زيارة في مايو لرئيس الحكومة المغربية "عبد الإله بنكيران" إلى باريس في إطار الدورة ال12 للقاء مغربي فرنسي رفيع المستوى، إلى أن جاءت زيارة "هولاند" الحالية إلى المغرب. العلاقات بين المغرب وفرنسا لا تزال متينة رغم ما مرت به من فترات متوترة، لكن فرنسا هى أول مستثمر أجنبي في المغرب، حيث تمثل الاستثمارات الفرنسية أكثر من نصف رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة، والذي يوجد به أيضاً حوالي 750 فرعًا لشركات فرنسية تضمن أكثر من 120 ألف وظيفة. من ناحية الرواج السياحي فإن السياح الفرنسيون لايزالون يحتلون المرتبة الأولى في المغرب، غير أنهم تراجعوا بصورة لافتة، منذ هجمات "شارلي إيبدو" في باريس، وذبح الرهينة الفرنسي في الجزائري، "إيفري غورديل"، إذ انخفضت الرحلات السياحية الفرنسية صوب المغرب إلى 42%، نهاية أغسطس الماضي. تناولت مجلة "لوزين نوفيل" الفرنسية أنباء الزيارة، وأكدت أن الميزان التجاري لفرنسا مع المغرب سجل عجزًا هو الأول من نوعه، بلغ 198 مليون يورو، خلال النصف الأول من العام الحالي، وأوضحت المجلة الاقتصادية أن الميزان التجاري مال لصالح المغرب، بفضل صادرات السيارات التي يجري تصنيعها في مجموعة "رينو" الفرنسية بالمغرب، فيما كان العاهل المغربي قد دشن مصنعًا جديدًا لمجموعة "بيجو"، في مدينة القنيطرة قرب الرباط، في يوليو الماضي، ويراهن مشروع "بيجو" الفرنسي في المغرب على إحداث 4500 منصب شغل مباشر، وحوالي 20 ألف منصب شغل غير مباشر، كما تسعى الرباط من خلاله إلى تعزيز احتياطها من العملة الصعبة.