آثار قرار وزارة الشئون الدينية في تونس الخاص بعزل بعض الأئمة الذين وصفتهم بالمتشددين جدلًا واسعًا في الداخل بين حزب النهضة المرتبط بجماعة الإخوان في تونس ووزيرالشؤون الدينية عثمان بطيخ، لاسيما بعدما عزلت الوزارة في الفترة الأخيرة أئمة مرتبطين بالحزب. بعد وقوع الهجوم الإرهابي على أحد فنادق محافظة سوسة نهاية شهر يونيو الماضي، اتخذت الحكومة التونسية إجراءات صارمة وحساسة كانت قد حاولت سابقاً تفاديها لعدم حدوث هذا الجدل، من بين أهم تلك الإجراءات كان إجراء غلق المساجد التي تقول الحكومة أنها «خارجة عن سيطرة الدولة» وعزل الأئمة الذين يتبنّون خطاباً متشدداً، إضافة إلى غلق الجمعيات القرآنية والدينية التي يشتبه في تلقّيها تمويلات، خليجية خصوصاً التي تم توظيفها لتسفير التونسيين إلى بؤر التوتر (أهمها سوريا) بعد تدريبهم. هذا الإجراء جاء على خلفية أن هؤلاء الأئمة أصبحوا يمتلكون نفوذا واسعا وسطع نجمهم، وأصبح لهم تأثير وسلطة كبيرة في البلاد أعقاب الثورة التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، خاصة خلال حكم «حركة النهضة»، ورغم كل الشبهات التي كانت تحوم حول هؤلاء الأئمة، بقي نفوذهم متغلغل، ولم يحتاجوا حتى إلى تكليف من جانب وزارة الشؤون الدينية لاعتلاء منبر الإمامة، إلا أن منذ عملية سوسة التي صدمت الجميع في تونس، تغيّرت الموازين، وحتى «حركة النهضة» التي كانت تحمي أئمة من بين هؤلاء بصورة أو بأخرى، كبّلت الصدمة حركتها ولم يعد لها أي حجج لترفض المس بنفوذهم. شمل العزل الذي قادته الحكومة العديد من الأئمة المؤثرين في تونس والمعروفين بتمردهم على سلطة الإشراف، وكان أوّلهم الإمام المعروف بعلاقته مع رئيس «حركة النهضة»، راشد الغنوشي، ومع جلّ قياداتها، البشير بن حسن، وكذلك رضا بلحاج، وهو المتحدث الرسمي باسم «حزب التحرير». وفي الشهر الماضي سجل قرار مهم في هذا السياق، أثار جدلاً كبيراً، حتى بدا كأن صفحة سطوة الأئمة المقربين من «حركة النهضة» قد طويت نهائياً، وتمثّل ذلك في قرار وزير الشؤون الدينية الحالي، عثمان بطيخ، القاضي بعزل سلفه على رأس الوزارة، نور الدين الخادمي، من إمامة «جامع الفتح» في تونس العاصمة، ويعتبر الخادمي من أبرز قيادات حزب النهضة. هذا القرار فرض على الخروج بحملة رفض قادتها حركة النهضة، التي تشارك في الحكومة الائتلافية التي تحكم تونس، حيث حذرت حركة «النهضة» من عودة التجاذبات الأيديولوجية في البلاد بسبب ما وصفتها بالسياسة «الخاطئة» التي تنتهجها وزارة الشؤون الدينية عبر عزل عدد من الأئمة المعتدلين، و صرح راشد الغنوشي، رئيس "حركة النهضة"، قائلاً: "نحن ضد العزل العشوائي والتعسفي للأئمة، ونحن ضد هذه السياسة التي لا نراها في خدمة الاستقرار ولا في مسار محاربة الارهاب"، واعتبر الغنوشي أن "هذه السياسة تعود بنا إلى سياسة تجفيف الينابيع وهي تقدم خدمة للإرهاب وتغذيه"، مشيرا إلى أنه "يجب اتباع معايير واضحة ومقايس في العزل والتنصيب". تصريحات الغنوشي كانت أقل حدة من الحبيب اللوز أحد أبرز القيادات التاريخية لحركة النهضة والمحسوب على التيار المتشدد داخل الحركة الذي اتهم حكومة الصيد ب"ضرب النهضة وكل من له منزع إسلامي" و"استغلال العمليات الإرهابية لغلق المساجد وعزل الأئمة" لشن حملة على كل "مسؤول يعرف بشبهة قربه من الحركة". وتحاول حركة النهضة الضغط من أجل إقالة وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ منذ قيامه بعزل الأئمة المقربين من الحركة، بعدما أثار قرار العزل هذا غضب إخوان تونس حيث اعتبروه إعادة إنتاج لنظام بن علي الذي كان يشدد الرقابة على الأئمة ويفرض عليهم خطابا موحدا، في المقابل أكدت نقابة أئمة المساجد أن قرار العزل جاء في إطار تحييد المساجد خاصة وأن الأئمة المعزولون كانوا يسعون إلى جعل المساجد الذي يؤمون فيها صوتا للمعارضة.