ويرتكز النظام الجزائري منذ تأسيسه بعد الاستقلال عام 1962 على كلا من الجيش والرئاسة والاستخبارات العسكرية لما للجيش والاستخبارات من دور إبان حرب التحرير الجزائرية ونتيجة هذه المكانة أصبحتا تختار رئيس الجمهورية فلعبت تلك المؤسسات دورا في الاستقرار السياسي بالجزائر لأنها مركز القرار. والمألوف لدى العام والخاص بالجزائر أن اختيار رئيس الجمهورية يتم داخل هذه المؤسسات الثلاث، حتى في عهد التعددية يوجد مرشح الجيش بين المرشحين المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية، وهو الذي يفوز بالانتخابات. ويقول مراقبون إن الفريق توفيق هو أهم رجل في النظام الجزائري خلال العشرين سنة الماضية، فقد تولى هذا منصب رئيس الاستخبارات سنة 1990، ورغم أن نفوذه لم يكن مطلقا بسبب وجود جنرالات آخرين نافذين، إلا أنه مع مغادرة هؤلاء الجنرالات أصبح نفوذ توفيق مطلقا، وأصبح يسمى بصانع الرؤساء، مع العلم أنه لعب دورا في استقدام رؤساء الجزائر منذ سنة 1992، ولعب الدور الأكبر في استقدام الرئيس بوتفليقة سنة 1999، كما أنه وقف إلى جانبه في انتخابات 2004 للظفر بولاية ثانية، في الوقت الذي رفض الفريق العماري حصوله على ولاية ثانية، ووقف إلى جانب غريمه علي بن فليس. ويضيف المراقبون أن الصراع اندلع في سنة 2013 مباشرة بعد عودة الرئيس بوتفليقة من رحلة العلاج التي دامت أكثر من 80 يوما في فرنسا، إذ تبين بعد ذلك أن الفريق توفيق كان رافضا لترشح بوتفليقة لولاية رابعة، وهو الأمر الذي كشف عنه عمار سعداني زعيم حزب جبهة التحرير الوطني (الأغلبية) الذي فتح النار دون سابق إنذار على مدير جهاز المخابرات، متهما إياه بالوقوف في طريق ترشح الرئيس لولاية رابعة، وكذلك تلفيق قضايا فساد ضد رجال الرئيس. وكانت هذه التصريحات النارية إعلان حرب ضد الجنرال توفيق، وإخراجا لصراع القصر إلى الساحات العامة، ورغم أن الرئيس تمكن من الترشح لولاية رئاسية رابعة، إلا أن الصراع بقي مستمرا في الكواليس صامتا، لكن عملية «إعادة هيكلة» جهاز المخابرات بقيت مستمرة، والتي سماها البعض عملية إضعاف جهاز المخابرات، وإضعاف الفريق توفيق على وجه التحديد، إلى غاية آخر فصل في هذا الصراع بالإعلان عن إقالة الفريق توفيق. وتذهب بعض التحليلات، إلى أن الإقالات التي طالت عددا من الجنرالات واحالة واحد من ابرز ‘الرؤوس' إلى القضاء وهو الجنرال حسّان، ربما تتعلق بإحباط الرئاسة الجزائرية محاولة انقلاب على الحكم، وهو أمر غير مستبعد، وقد تضطرّ الرئاسة الجزائرية في وقت ما للكشف عن تفاصيلها. وكانت تقارير سابقة قد اشارت إلى وجود صراع بين رجالات بوتفليقة (الرئاسة) ورجالات المخابرات الموالين لمدين، وتشير بعض التقديرات الأخرى، إلى أن الأمر لا يتعلق بمجرد حركة عسكرية وأمنية عادية على رأس اقوى جهاز عسكري في الدولة، بقدر ما يتعلق بحركة استراتيجية تستهدف تحييد المتنفذين في الأجهزة العسكرية التي ربما بدأت تفكر في ‘صناعة' رئيس جديد بدلا لبوتفليقة الذي زاد غموض وضعه الصحّي، من تعقيد الوضع السياسي. وكانت معظم القراءات تشير إلى أن الجنرال توفيق من أهم المرشحين لخلافة بوتفليقة، غير أن الغموض الذي أحاط به نفسه دفع بعض التحليلات إلى القول بأنه ربما يفضّل البقاء في منصبه على أن يظهر للجزائريين وللعالم كرئيس للبلاد، حيث أن منصبه كقائد للمخابرات جعل منه الرجل الاقوى في الجزائر، والقادر على توجيه دفّة الحكم وترشيح كفّة هذا المسؤول أو ذاك. ويقول المراقبون، إنه بإحالة توفيق للتقاعد تكون الجزائر قد أسدلت الستار على فترة هامة من تاريخها المعاصر، بالنظر للدور الذي كان يلعبه الرجل الذي يوصف بأنه ‘العلبة السوداء' للنظام، إلا أن الستار لم يسدل بعد على فصول معركة بدأت بالفعل على أرجح التقديرات.