برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    «الشيوخ» يوافق على مشروع تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء من حيث المبدأ    رئيس جامعة بني سويف: 76 ألف طالبًا يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الأول    مؤشرات إيجابية للصادرات غير البترولية خلال الفترة من يناير حتى نوفمبر 2025 |إنفوجراف    محافظ القاهرة: تصدر العاصمة مدن أفريقيا الأكثر تأثيرًا يمثل تكليفًا لجهود الدولة    160 مليار جنيه لدعم التموين في 2025.. «كاري أون» أكبر سلسلة تجارية حكومية تنطلق لتطوير الأسواق وتأمين الغذاء    نائب وزير الإسكان يستقبل مسئولي إحدى الشركات التركية لبحث فرص التعاون في مشروعات المياه والصرف الصحي    تصاريح الحفر لمد الغاز بقرى «حياة كريمة» وخطة لتوصيل الخدمة ل6 مناطق سكنية في 2025    شعبة المواد الغذائية: رفع حد التسجيل في «القيمة المضافة» إلى 3 ملايين جنيه ضرورة لدعم التجار وتحفيز الاقتصاد    مقتل 9 وإصابة 10 آخرين في إطلاق نار بجنوب إفريقيا    اقتصادي: انعقاد منتدى الشراكة الروسية الإفريقية بالقاهرة يؤكد الدور المصري في دعم التنمية الاقتصادية للقارة السمراء    سبورتنج يعلن قائمته لمواجهة الأهلي في كأس السوبر المصري لسيدات السلة    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية    المؤبد لديلر قتل زبونه بالخرطوش في المرج    البحيرة.. ضبط 3 محطات وقود بالدلنجات لتجميعها وتصرفها في 47 ألف لتر مواد بترولية    مصرع شخصين وإصابة ثالث إثر انقلاب سيارة أعلى كوبري أكتوبر بالشرابية    حبس عاطل 4 أيام بعد ضبطه بحوزته 20 فرش حشيش بالجيزة    الجمهور استقبله بالورود.. تامر حسني يغني للعندليب في أول حفل بعد أزمته الصحية    الأقصر تتلألأ في يوم الانقلاب الشتوي.. الشمس تتعامد على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك في مشهد فلكي ومعماري مدهش    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. حفلات ليالي الفن تضيء العام الجديد    وزير الثقافة ومحافظ القاهرة يتفقدان متحف الشمع لوضع خطة عاجلة لتطويره    تاريخ من الذهب.. كاف يستعرض إنجازات منتخب مصر فى أمم أفريقيا    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    وزير الخارجية يعقد اجتماعًا ثلاثيا حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    وزير الخارجية يلتقي نظيره المالاوي    حيماد عبدلي: منتخب الجزائر يسعى للذهاب بعيدًا ببطولة أمم أفريقيا    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    الصحة: إغلاق 11 مركزًا خاصًا للنساء والتوليد ب5 محافظات لمخالفتها شروط الترخيص    أبرز المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026.. غادة عبد الرازق ونور النبوي في الصدارة    "معلومات الوزراء" يستعرض أبرز المؤشرات الاقتصادية العالمية للعامين 2025 و2026    «الرعاية الصحية» تطلق حملة للمتابعة المنزلية مجانا لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن    رئيس جامعة الازهر يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي    من مصر منارةً للقرآن إلى العالم... «دولة التلاوة» مشروع وعي يحيي الهوية ويواجه التطرف    د.حماد عبدالله يكتب: "اَلَسَلاَم عَلَي سَيِدِ اَلَخْلقُ "!!    تكريم لمسيرة نضالية ملهمة.. دورة عربية لتأهيل الشباب في حقوق الإنسان تحمل اسم محمد فايق    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    فريدة سيف النصر تنعي سمية الألفي بكلمات مؤثرة وتسرد ذكرياتهما معاً    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 3 ملايين جنيه    انطلاق الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تعديلات قانون الكهرباء    الري تتابع إيراد النيل.. تشغيل السد العالي وإدارة مرنة للمياه استعدادًا للسيول    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة بحمولة 1766 طنًا لدعم غزة    استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف ورعاية الموهوبين رياضيًا بأسيوط    إصابة 14 عاملا فى حادث انقلاب أتوبيس بالشرقية    نقابة صيادلة القاهرة تكشف حقيقة عدم توافر أدوية البرد والأمراض المزمنة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 21-12- 2025 والقنوات الناقلة لها | افتتاح أمم إفريقيا    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    خطة أمريكية بقيمة 112 مليار دولار لتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط    نادي المقاولون العرب يعلن تعيين علي خليل مستشارا فنيا لقطاع الناشئين    النادى الذى فقد نجمه!!    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    علاء نبيل: حذرت أبو ريدة من الصدام بين طولان وحسام حسن قبل كأس العرب    ندوة بمعرض جدة للكتاب تكشف «أسرار السرد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد قرار مصادرته.. «البديل» تنشر قصائد من ديوان «جسد للبحر رداء للقصيدة»
نشر في البديل يوم 17 - 08 - 2015

في واقعة ليست الأولى من نوعها، منعت دائرة المطبوعات والنشر في عمان، ديوان «جسد للبحر رداء للقصيدة»، الصادر عن دار نون، للشاعر الأردني الكبير موسى حوامدة، وأوصت بضرورة سحب جميع النسخ الموجودة في السوق، وعدم عرضها للبيع. قرار جاء بسبب ما استشعروه من وجود بعض المقاطع غير اللائقة في المجموعة.
وأدان الشاعر القرار، وقال: «بمناسبة معرض عمان الدولي للكتاب، يؤسفني الإعلان عن منع مجموعتي الشعرية الصادرة مؤخرًا عن دار نون للنشر والتوزيع في الإمارات (جسد للبحر رداء للقصيدة)، أبلغت دائرة المطبوعات والنشر رسميًا دار نون في عمان، بضرورة سحب النسخ الموجودة في السوق، وعدم عرضها للبيع،وحينما ذهبت للدائرة للاستفسار قالوا أن هذا القرار جاء بسبب وجود بعض المقاطع غير اللائقة في المجموعة، وحالما سألت إن كان هناك كتاب رسمي قالوا لا يوجد كتاب رسمي، ولكن إن شئت جئناك بقرار من المحكمة، يحدث هذا رغم الحديث أن دائرة المطبوعات توقفت عن إجازة الكتب، ولكن يبدو أنها لا تريد التخلي عن وظيفة الرقابة بكل الطرق».
«البديل» تنشر بعض قصائد الديوان الصادر بحقه قرار منع البيع والمصادرة، وتقدم للقراء بعض الكتابات النقدية عن الشاعر الكبير «موسى حوامدة»…
قصيدة «وأنا مَيْتٌ»
وأنا مَيْتٌ؛
أرى ما لا يُرى
كنتُ استعرتُ عينيّ هُدهدٍ
وحساسيةَ خفاش
ونسيتُ أنْ أدفنهما معي.
وأنا مَيْتٌ؛
تحت ترابٍ بارد ورطب
أُدوِّرً على ملاكَيَّ فلا أجدُ تفاحةً أو سوطاً
تناسيت موتي
تناسيت حقي في قبر فرعوني
ونسيت أن آخذ صورتي معي
لأضيفها على بطاقة التعذيب.
لم يأتني أحدٌ من الموتى
بقيت وحدي أفكر فيما مضى من لعنات!
***
وأنا مَيْتٌ؛
وحشرجةُ الروح فارقتني
لم تنادي باسمي امرأةٌ ولا حورية
لم يسألني أحدٌ عن اسمي
ومهنتي أو اسم بلادي
لم تعرفني العفاريت
ولم يروا وجهي في بيانات المَدْفن
فأجَّلوا عقابي ليوم بعيد..
رفعتُ كفني
عالياً
صرختُ طالباً
حقي في الموت
أَرْجَعوني
للعناية الحثيثة
أفقتُ من غيبوبتي
خشيتُ أن أروي للممرضة البدينة
بعضَ ما مرَّ معي في غرفة الموتى.
*
لم يصدق غَسَّال المشفى أني عدتً
لم يصدق حفارُ القبور
…..
لا وقتَ لحدوثِ المعجزات،
لا أحدَ يصدق السماء
اخفضْ صوتَك الرعوي
وعدْ لقبرك الأثير
هنا تُمضغ الشهوات
هنا لا فرقَ بين الماضي والحاضر
لا فرقَ بين الموت والزهور
شفاهُ الترابِ تأكل من بين يديكَ طحالبَ الندم
سترتاحُ من عناء الحكمة
تنام في سريرك الشعري،
تقبلْ دعاء الطيور
واخلد لنومك الأبدي
لا شيءَ يستحق الحياة
لا شيء يستحق الحياة.
**
لستُ نبياً لأثق بالوعود
لا وعدَ يجعلني مطمئناً في ظلام القبر.
**
وأنا ميْتٌ….
أفتشُ بعينيَّ عن الدود
عن حقي في تكذيب المواعيد
عن طَرف شالِ أمي
وعن رائحتها
ما فائدة الموتِ
يا موتُ
إنْ لم أجدْ أمي في انتظاري؟
**
لا شيءَ هنا في القبر
لا شيء مما توقعت
كلُّ شيء مظلم وبارد
عظامُ موتى قريبةٌ من مخدتي
وجماجمُ تذكرني بأصدقائي
عيونٌ غائرةٌ في الزمان
تبكي من الخديعة
ومن كذب الأحياء.
**
تراخ قليلاً أيها القدر
أما كان يمكن تأجيل السفر إلى نهر الأموات؟
أما كان يمكن حلّ تلك المعضلة العالقة
في كومة الأسئلة؟
هل صدقوا الأحلام والأوهام
حتى جاؤوا باسِمين
وجئتنا بلا صورةٍ أو هُويّة
عدْ إلى أعلاك
حتى يقترب تدوير وجهك من وجه أنكيدو.
صعدتُ مجرى النهر
تحت الطين عالياً وعارياً
كيف صدقتَ الشعرَ وكذَّبت الموتى
صدقتَ السماء وتناسيتَ سر الطين
يا موتُ رويدَك هنا لأصلحَ رأسي قليلاً
وأشربَ كثيراً من الخمور
وأقتلَ الدودَ في جثة صديقي.
آه يا أنكيدو
يا عدوي السابق
وصديقي الخالد
أما كان يمكن أن تهرب مني ومعي؟
يقول الناقد المصري الدكتور صلاح فضل:
منذ أن كتب "واين بوث" سِفْره الجميل عن بلاغة المفارقة، وبحوث الشعريّة تتوقّف مليَّا عند هذا النبع الصافي للإبداع، متمعّنةَ كثيراَ في طابعها السرديّ الغالب، ومتأوّلة قليلاَ لما فيها من عنصر درامّي كما فعلت في أساليب الشعريّة المعاصرة. وقد اعتبرت المفارقة في القصّ مناظرة للاستعارة في الشعر؛ أي إنها تمثّل عموده الفقري. غير أنّ زئبقية الحدود بين الأجناس الأدبية، ومهارة التوظيف التهجينيّ لبعض التقنيات الخاصة بنوع أدبي في أنواع أخرى تجعل المفارقة في بعض الأشعار ملمحاَ أسلوبياَ يعطيها نكهتها الخاصة ومذاقها المميز كما نرى لدى الشاعر الفلسطيني/ الأردني موسى حوامدة؛ ذلك لأنه يولّد منها روح الفكاهة الغالبة على كتابته النثرية، مثل كتابه الطريف زوجتي ضربتني والموقف النقديّ المدهش من الحياة في أشعاره في توظيفه للتراث كما سنرى في ديوانه شجري أعلى.
ومهما كانت مساحة النص الشعري الذي تتحرك فيه لعبة المفارقة قصيراَ أو طويلاَ، فلا بدّ له أن يخطو في بناء نسيج سردي متماسك يتضمن أكثر من حركة سواء أكانت وجيزة مكثفة أم طويلة ممدودة. ولا يمكن أن يتم ذلك في ظل هيمنة الصوت الوحيد أو اللون المفرد أو النقطة الثابتة.
وربما كان من أدق أشكال المفارقة والطفها ما يتصل بمرجعيات الضمائر في بلاغة الشعرية واختلافها الأساسي عن لغة الحياة العادية. فأنا الشاعر- مثلها في ذلك مثل أنا القاص– لا تشير إلى الشخص الحي المتلبّس بالواقع التاريخي، وإنما إلى مؤلف ضمني يتجاوز حدود الواقع ويعلو عليه. وقد لمح النقد العربي القديم طرفا من ذلك عندما أباح للشعراء ما لا يباح لغيرهم من القول، لا من ناحية انتهاك اللغة وتوليدها إبداعيا فحسب، بل من ناحية انتهاك القواعد العرفية للأخلاق العامة على وجه الخصوص. فالغزل –حتى الفاحش منه– لا يسقط مروءة الشاعر؛ وقد كان يكتبه الفضلاء في البيئات القديمة من القضاة والفقهاء القادة، متجاوزين فيه الخطوط الحمراء العرفية، اعتماداَ على طبيعة التخيّل الوهميّ من ناحية وانفصال الأنا الاجتماعية من ناحية ثانية. لكن ضعف ثقافة كثير من قرّاء اليوم تجعلهم يتصورون القصائد فضائح، ويخلطون بين مستويات القول والفعل، ويسارعون إلى إدانة بعض أشكال الإبداع المألوفة.
قصيدة «عدمٌ يملأُ اليقين»
لو لم تكوني الشرفةَ
والشعاعَ القادمَ من عين الشمس
لو لم تكوني النهار
والسحابَ الهاطلَ والغواية
لو لم تكوني الزمان المنساب في حبات المطر
لكنتُ التابوت الخشبي
والبلادَ المنسية.
***
عدمٌ يملأ الرئتين
وكلام فارغ عن الحياة
وما بين النور والعتمة
تموت خلايا العمر باكية.
*
كأس وحيد
يشفع للغيّاب
وبيتٌ محمومٌ يصفعني بالموت.
سأموت
لو لم ألتقطْ حبات الفجر
من بين يديكِ.
*
سأموت قهرًا
وأموتُ في بلاد الناس
وما كان همّي ألا أموت
لكن حزني بلاد
وحياتي قصيدةٌ تتلاطمها الرياح.
**
الليلةَ … وكما كلّ ليلة
يتمزقُ قلبي بين ال/طريقين
وأفتح نافذة الندم
لكلِّ طريقٍ أسلكه.
مالي إذن أدفع حظي بيدي
وأركل كأس سعادتي
بقدمي؟
***
سأموت
إن لم تختطفني إحدى الإلهات
وترفع عن صدري كآبة الوجود.
وأموت .. لو ظل العالم سائراً إلى حتفه الأكيد.
اللعنة
لم يعد للسماء لونها المعتاد
لم يعد ظلُّ الحنين يحجب اللهيب
وأنا موزعٌ بين السماء
وبيتي الأعمى.
ما لي أنا لأكون المنشقَّ عن ذاته
والملعونَ في حياته
ومن أنا لتطاردني وحوشُ الظلام
وتقتلني أفكار السوء؟
كنت أويت إلى ذات الرواية…

أيتها الشمس ألا تساعدي الأعمى؟
ما نفعك أنتِ يا نسائم الصباح
إن لم تحمليني إلى براءة الكروم
وما نفعكِ أنت يا غيومَ الحيرة
إن لم تُمسكي بيديَّ التائهتين؟
أتحرِّرًني الكلمات
أتمنحني المتاهةُ درباً ثالثاً لليقين
أم تزيدني غموضاً
تلك الحُجُبُ الملتفةُ حول ضمير القدر.
سأتوارى قليلاً عن عناء الجبال
سأهبط رويداً إلى حضن العشب الطري
لستُ طموحاً لأحطم السلاسل
وأكسر القيود
طموحي أقل بكثير مما يود الفرسان
وترغب الجيوش
طموحي سلامٌ
سلام
سلام
سلامٌ يظلِّل الوقت
يغطي التفاصيل
حتى تصير الحياة
في سلاسة النعاس.
يرى الناقد المصري مدحت صفوت أن قصائد الشاعر موسى حوامدة، في مجموعته "موتى يجرون السماء"، قصائد تقف في منطقة اللاحسم من الأشياء والقضايا، مستندا في قراءته لقصائد المجموعة إلى نظرية التفكيك، وأن القصائد حين تدخل منطقة اللاحسم تتحول إلى نصوص ميتافيزيقية، وهذه سمة تحسب لقصائد المجموعة.
صفوت الذي سبق قدم قراءة نقدية شاملة في مقولات الكتابة، الموت، الموتى، الحكمة، السماء، الوطن وغيرها من المقولات التي تعاملت بها قصائد حوامدة، أو استندت إليها يؤكد على ضرورة التفريق دائما بين الشاعر ونصه، متوقفا عدة مرات عند مفهوم الموت، وطريقة التعامل معه في النص الشعري.
ويضيف صفوت، أن حوامدة الذي وجه نقدا لاذعا للسلف، استثنى الأم من هذا النقد، وقدم لها صورة إيجابية في النص، في وقت ذهب فيه إلى وضع الوطن، فلسطين، في قلب الكتابة، وهذا انتصار لقيمة الوطن، لافتا النظر إلى أن النص في المجموعة بشكل عام، حمل ذما للمعنى، وانحيازا للقيم الرفيعة.
ويذهب صفوت إلى تشريح النصوص بحرية نقدية، متوقفا عن معادلات عديدة في التشابه أو التناقض، وفي اختراق كثير من المعاني التي لم تكن قابلة للتشريح، ومن بين ذلك النظرة إلى السماء، بما تحمله من مجازات، وتأويلات، والنظرة إلى المؤمنين وإلى السلف وغير ذلك من المعاني، المتشابكة أو المتقاطعة مع وعي الموت ومفهومه، الذي شكل الثيمة الرئيسية في المجموعة مدار الاحتفاء، الصادرة مؤخرا عن الدار المصرية للكتاب في القاهرة.
ويرى مدحت أن اللاحسم هو قدر هذه النصوص، فإنه لم يترك أقواله تأخذ صفة التعميم، بل ذهب إلى استلال شواهد من النصوص، طبق عليها مقولاته النقدية الجادة.
قصيدة «خسارة التلال»
تلبسُ الحقيقةُ رداء الشعر؛
تميلُ بنا كفة السماء،
رويداً رويداً، نحو خسارة الجبال؛
الجبالُ التي تذوبُ بين يديّ الأساطير..
توشحتُ بنرجسِ الماضي،
أفقتُ من غفوة الهزيمة،
المدينةُ انتصرت علي؛
التاريخ أسفر عن أنيابه؛
تجاوز حكايتي الناقصة.
من لم يفكر بتوبة عن طغيان الكرز؛
من لم يفكر بثورةٍ بحقِّ زَوان الحقول.
***
ترانا أبْعَدنا السماءَ عن وقتِ سقوطها المحتم،
أم منحنا الأرضَ مبرراً للكبرياء؟
ملعونةٌ أرضك، يا أورشليم،
مسلوبةٌ من ضمير الأطلس؛
مخفيةٌ في ثنايا الغبار.
……..
ولي قصةٌ لا تُشبهُها القصص؛
حبلُ إعدامِ لا تقطعُه المعجزات.
أقبلتُ طالباً صفو الليالي؛
لم أسلكْ سبلاً جانبية،
لكن العتمة خوانة.
لا أبتغيك، أيها الضمير المقطوع من رهافة الفراش.
أختلفُ مع نظرة الفيلسوف للقوة؛
للضرورة، وللحرية؛
لموتِ الكلماتِ عندَ شفاهِ الكتب.
جسد للبحر ..رداء للقصيدة
ضرورةُ الموتِ تخنقُ جثةَ النهر.
أحكي للسنواتِ عن بداياتها؛
للزمانِ عن قطوف أول العمر؛
للأيام عن تلكؤها المزعوم،
وللنَفْسِ عن جدوى الكلمات.
سيَّان، يا بحرُ، سيان
أن بُحتَ للشاطئ باسم حبيبتك،
أو بحتَ له بانكسارِك أمامَ العاصفة
تبقى عدوي
وأنت تحملُ سفن الغربان؛
تبقى رمزاً لانكسار الجبال
وهي تحني رؤوسها من عار الماء.
لم تخنك الشِعاب حين جاءك بونابرت؛
لم تخنك السواقي،
وأنت خنت البَرَّ من أول الريح..
لا أحبكَ
ولا أقيم وزناً لموجك العالي؛
فكل رداء تلبسه لن يمنعني من وصفك بالسافل.
هناءٌ على هناء
بناء مُشيَّدٌ لطيور الخوف
أنساكَ لو وقفتَ على طرف الحلم
وصحتَ بالخونة:
اكشفوا أوراقكم
لن ينالَكم الدود
ستظلُّ وجوهكم مرسومةً في سيرة الخراب.
يقول الناقد العراقي الدكتور ضياء خضير:
حينما نكتفي بقراءة ظاهر النص الشعري بهذا الشكل ولا ندخل بنيته العميقة ونكتشف معناه الآخر أو ما كان يسميه الإمام عبد القاهر الجرحاني ب(معنى المعنى)، فإننا نكون قد كشفنا عن جهلنا وعجزنا عن التفريق بين المعايير الفنية اللازمة للشعر والمعايير الأخرى اللازمة للنثر لقد حدد البلاغيون المحدثون الاسلوب الشعري بأنه (انحراف بالقياس إلى نموذج ما)، قد يكون كلمة وقد يكون صورة أو قصة كاملة كما هو الحال هنا وهذا الانحراف يتميز بحضور قصد ما قد يكون جمالياً بالضرورة.
إذ قد تكون الصورة الشعرية جميلة من دون أن يكون الجمال هدفاً مفصولا عن الوظيفة الهجائية أو الوظيفة الساخرة الموجودة فيها وحينما يقوم موسى بفعل التحوير في قصة دينية معروفة كقصة يوسف فانه انما يعمد إلى نوع من الاستبدال الاستعاري الواعي الذي لا يهدف إلى سلب القصة قدسيتها أو الانتقاص من النموذج الماثل في الذاكرة الجمعية عنها بقدر ما يهدف إلى التحريض على خطورة واقع استمرار تلقيها من قبل كل أولئك الذين يرددونها بطريقة ببغأوية فيما هم يسيئون إساءة عميقة إلى مضمون النص الديني المقدس وروحه من خلال محأولة تجأوز القيم الاخلاقية والسياسية الكامنة فيه عند تطبيقه على الحاضر وكأن الشاعر قد اراد ان يجعل الانحراف عن نص القصة الدينية داخل القصيدة الشعرية تجسيداً صارخاً لذلك .
ونحن نعرف كذلك ان نقدنا العربي القديم قد فصل في وقت مبكر فصلا حاسما بين الحقائق الاخلاقية والحقائق الفنية التي تنطوي عليها القصيدة. ولا يمكن ان نقبل القصيدة أو نرفضها ونشنع على صاحبها لمجرد انطوائها على موقف اخلاقي قد نختلف معه ونحن نقول ذلك مع ايماننا بأن قصيدة موسى حوامده التي اثارت كل هذه الالتباسات تنطوي على موقف اخلاقي وايماني اعمق بكثير مما يظن أولئك الذين يعترضون عليها دون وعي كاف لجدل العلاقة القائمة بين عمل التاريخ وعمل الأدب والشعر منه على نحو خاص.
والشعر كما كان ارسطو يقول اهم واسمى من التاريخ لان التاريخ يعنى بالحقائق الجزئية فيما يعني الشعر بالحقائق الكلية فضلا عن الحقيقة العامة الاخرى التي اشار اليها المعلم الأول ايضاً وهي أن الأدب ليس فن ما وقع بالفعل وانما هو فن ما يمكن ان يقع ايضاً والقصيدة بما هي لا بما تريد ان تقوله فقط وهي امور ينبغي ان ندركها تماما قبل ان نسيىء الظن بالناس ونرمي بعضهم بالحجارة ونكيل التهم لبعضهم الاخر جزافا.
قصيدة «سَنُسوي البحرَ أرضاً»
*إلى أبطال المقاومة
سَنُسوي البحرَ جيشاً
والغيمَ سداً
ولحمَنا ملاجئ
وَنسوي الماء عاصفةً
تراتيلَ نصر
وندفع ظلمةَ الشاطئ.
نُعيدُ الزهوَ إلى لون البرتقال
والنور إلى وجه الضحايا
كي لا تواري الحقيقة وجهها في التيه
وتصغي لسوء النوايا.
إجلسي هنا أيتها الغائبة عنا
نحن لون وجهك النقي فلا هروب من سطوة الشمس
ومعنى الحكمة القديمة
وتفسير الجلالين
ونبوءات البساتين والجدات الراحلات.
نسوي رموزهم فتاتاً وشظايا
وصوت الرمل شعراً
السماء صدى قصائدنا
البيوتَ قلوبنا
والشهداءَ أشجاراً وندى
ونسوي الضيق متسعاً
ونرفض أن نهادن.
نسوي المدى
حدوداً
والفضاء حديداً
ومعادن.
نسوي لحمَنا الحيَّ بلاداً
أحلامنا وطناً
ذكرياتِنا حاضراً
وغداً.
وندير وجه الشمس صوب الأفق قليلاً
نعيد حق اللاجئين في مفاتيحهم
نغسل صدأ المفاتيح
بحرير دمنا
ونعطل سمومَ الري
في حقلهم الرعوي.
نعطي الفضاءَ جزيل الشكر
ونمنح المحبين بيارةً للصبر.
بكينا كثيراً على دروب التأويل
لم ترأف بحالنا أمهاتُ الغجر.
تزوجنا الأرضَ وبعنا قلوبنا للسماء
ولم ترأف بحالنا الطقوس
والمنافي.
نسوي لحمَنا خنادق
دفاترَ أطفالنا حدائق
أصابع الجميز فدائيين
وبيوتنا غباراً.
ونحزن إذ نقصف بلادنا هناك
فهي أجدادُنا ..ذكرياتُنا
إنها حكمةُ الرموز تفرُّ من كتب الطغاة إلينا
ونُعيد ترتيب الصفات
والصفحات
نعيد الخاتمة.
خذ بيدنا يا إله اليهود
يا إلهنا الحيَّ
يا إله الجنود
ولا تُخفِ وجهَكَ خشيةَ الجدل
كنْ عادلاً مرةً
واخفض صوتك لنعرف رقصة الحجل
وأول الطريق إلى الجليل
رعشة الأقدام تسري إلى رفة الجبل
ودرب المسيح إلى آلامه.
نسوي البحرَ ملاذاً
والطيورَ صواعق
كلما داهمنا الحبُّ في تشرين
فتحنا حدود الألم
مرَّغنا وجه العجز في حديد يأسنا
حديد بأسنا
انتصرنا على الموت
انتصرنا على دود الأرض
على حرائق المخطوطات
على خيانة التاريخ
ورموز الكهنوت.
قليلاً انتصرنا
ولسوف ننتصر
لم نحلم بحق الضحية في إبادة الخصوم
نحلم بالغناء فوق جنازات العابرين بلا أثر
ستنضم فلولُكم لجموع الغزاة
وتعداد المارين فوق صدورنا العارية
تكبر بياراتنا
كما تكبر حبة القمح
تكبر تلك النطف
كي تروي
للغد
بعض الجراح
تروي كثيراً من الزلل
وقليلاً قليلاً من الأمل.
لم نسقط كثيراً عن المألوف
تشتتنا مليون شظية ومخيم
ظلّ طين الأرض يغري لحمنا بالعناق
عناقاً مع الأرض يعلو الشهيد منا
عناقاً مع الروح يطفو دمنا على وجه السماء
ملائكياً يحاور سبع سماوات
ويهبط بنا
إلى ذاكرة العشب
ذاكرة التين والزيتون
ذاكرة القش الغزي
وشارع عمر المختار
وتل الهوى
وأبراج الحمام.
نسوي لحمَنا وطناً
دموعَ أمهاتنا خنادق
قبورَ أطفالنا معجزات
وأيديهم بنادق.
نسوي كلَّ حبةِ رملٍ بلداً
نقسم باسم الفجر
باسم الله
أننا عشاق فلسطين
طيور النصر فوق ركام الحرائق.
سَنُسوي البحرَ سداً
نسوي الغيمَ جنداً
لحمَنا خنادق
نسوي الأرض بركاناً
تراويدَ نَصْرٍ
أغصان الليل بنادق.
كتبنا على درج البحر
على حيطان الصبر
أسماء البنات
وأسماء الأمهات
صور اللجوء والنزوح والنكبات
علَّقنا في سقف السماء
خارطة فلسطين
وأسماء القرى
وأسماء الشهداء.
سنسوي البحرَ أرضاً
والحواجز ناراً
نسوي الصفيح سدوداً
والعصافير قنابل
وبلحمنا العاري
بدمع أطفالنا
بجوعنا الضاري
بأحلام موتانا
نقاتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.